المونيتور …
تعمّق تركيا، وإيران والعراق التّنسيق بشأن الخطوات المقبلة في كردستان العراق، بما في ذلك القرارات حول ما إذا كان سيجري وقف صادرات النّفط الكرديّة العراقيّة عبر تركيا، أو دعم الحكومة العراقيّة لفرض سيطرتها على كركوك.
وفي حديث الرّئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى المراسلين بعد رحلته إلى إيران التي دامت يومًا واحدًا في 5 تشرين الأوّل/أكتوبر، قال، “إذا جرى اتّخاذ قرار بإغلاق صمّامات النّفط في المنطقة، نحن من سيتّخذه. ستقوم تركيا، وإيران والحكومة المركزيّة العراقيّة بذلك سويًا”، بحسب ما أفادت به أمبرين زمان.
وأضافت زمان بقولها إنّ “تعليقات أردوغان بشأن خطّ الأنابيب بدت في المرتبة الأولى كردّ على تصريحات الرّئيس الرّوسي فلاديمير بوتين. وكان قد أعلن الزّعيم الرّوسي في منتدى للطّاقة في موسكو يوم أمس [4 تشرين الأوّل/أكتوبر] أنّ روسيا تتبع سياسة ‘عدم التدخّل’ في كردستان العراق، وأنه ليس من مصلحة أحد أن يوقف صادرات النفط في إقليم كردستان”.
وكما كتبنا في هذا العمود الأسبوع الماضي، بوتين محاصر في محاولته حماية استثمار شركة روسنفت في كردستان العراق، مع تحرّك المبادرة حول هذه المسألة باتّجاه تركيا والأهمّ من ذلك باتّجاه إيران، اللّتين تعملان سويًا ومع الحكومة العراقيّة. وكتبنا، “ما من عضلات عسكريّة روسيّة لاستعراضها في العراق كما جرى في سوريا، بخاصّة مقارنة بأصول تركيا وإيران” في العراق.
وإنّ نتائج تغيّر التحالفات الإقليميّة التي اتّخذت شكلاً جديدًا بهدف الوقوف في وجه الاستفتاء الكردي على الاستقلال، ربّما تكون أوسع نطاقًا حتّى، بما يعطي إيران نفوذًا وخيارات دبلوماسيّة أكبر. توجّه رئيس هيئة الأركان العامة التركيّة خلوصي آكار إلى إيران لمدّة ثلاثة أيّام كاملة لإجراء مشاورات عسكريّة قبل وصول أردوغان. وكتب حميد رضا عزيزي أنّه فيما “يتحدّث كلّ من طهران وأنقرة بشأن تكثيف تعاونهما مع بغداد بشكل ثلاثي، يمكن أن يؤدّي استمرار الوضع الحالي إلى تشكيل محور جديد بين طهران وبغداد وأنقرة على المدى الطّويل. وإذا تحقّق ذلك، قد تشمل الكتلة الجديدة قطر أيضًا، بما أن إيران وتركيا ظهرتا كشريكتي الدوحة الأساسيّتين منذ نزاع قطر الدّبلوماسي الأخير مع دول مجلس التّعاون الخليجي الأخرى. من شأن ذلك أن يعيد تشكيل معادلات القوى الإقليميّة في الشّرق الأوسط، ومع أنّ السّيناريو الأخير يبدو مستبعدًا، هو ليس احتمالاً يمكننا تجاهله تمامًا لدى التّفكير في القوس الأوسع للعلاقات الإيرانيّة التّركيّة”.
أفاد علي هاشم بأنّه “في ما يتعلّق بالتصدّي لنتائج الاستفتاء الكردي، لن تتصرّف إيران ولا تركيا بمفردها، بل ستتحرّكان سويًا. … قال للمونيتور مصدر مقرّب من الحرس الثّوري الإيراني اشترط عدم الكشف عن هويّته إنّ معضلة الاستفتاء الكردي ربّما تشكّل التّحدّي الذي سيحثّ تركيا، وإيران، والعراق وبعض الحلفاء الآخرين على التّعاون فعليًا على الأرض. ‘طوال سنوات، كانت هذه الأطراف تتواجه في سوريا، سواء أكان بشكل مباشر أم غير مباشر. والآن يجري تحويل تحدّي الاستفتاء الكردي إلى فرصة فعليّة.’ تشير المعلومات التي حصل عليها المونيتور إلى أنّ الخطوة الأولى قد تبدأ من كركوك، نظرًا إلى وضعها بالنّسبة إلى العراق، وواقع أنّ احتلال حكومة إقليم كردستان للمنطقة اعتبرته السّلطات العراقيّة وكذلك المجتمع الدّولي غير شرعي”.
تجدر الإشارة إلى أنّ تضمين كركوك الغنيّة بالنّفط والمختلطة عرقيًا في الاستفتاء أشعل أزمة في السّياسات الكرديّة، والعراقيّة والإقليميّة. وقال أردوغان إنّ الأكراد العراقيّين احتلّوا منطقة كركوك التي تشمل مجتمعات تركمانيّة وعربيّة هامّة. وكتب فاضل حورامي أنّه “في الأيّام التي سبقت الاستفتاء على الاستقلال الذي جرى في كردستان العراق يوم 25 أيلول/سبتمبر، قامت مجموعة من السّياسيّين المنتمين إلى الاتّحاد الوطني الكردستاني في كركوك، والتي أيّدت الاستفتاء رسميًا، بمعارضة الاندفاع الوطني الكردي وتساءلوا عن الحكمة وراء إجراء الاستفتاء في كركوك. فَهُمْ خشيوا من أنّ إجراء الاستفتاء هناك من شأنه أن يلحق الضّرر بالتماسك الاجتماعي بين المجتمعات الكرديّة، والعربيّة والتّركمانيّة. لكنّ الأصوات المعارضة أسكِتت في اللّّيلة التي سبقت التّصويت، وطغت أصوات التّحميس. … يتعرّض المسؤولان عن الاتّحاد الوطني الكردستاني، كوسرت رسول، وهو قائد سابق في قوّات البيشمركة، وهيرو ابراهيم أحمد، زوجة الراحل جلال طالباني، لضغط هائل من حليفتهما المقرّبة إيران التي عارضت الاستفتاء. والجدير بالذّكر أنّ إيران دعمت الاتّحاد الوطني الكردستاني طوال عقود، وقام قاسم سليماني، القائد النافذ لفيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، بعدّة رحلات إلى السليمانيّة لمحاولة إقناع الاتّحاد الوطني الكردستاني بعدم تأييد الاستفتاء، لكن بدون جدوى.
وأضاف حورامي بقوله إنّه “في بيان نشرته قناة “كوردسات” التّابعة للاتّحاد الوطني الكردستاني ليلة 2 تشرين الأوّل/أكتوبر، بدا أنّ أحمد توصّلت إلى استنتاج بأنّ القيادة الكرديّة، وهي شخصيًا من بينها، أخطأت في ‘تحدّي’ العالم، وهم يدفعون الآن ثمن ذلك، بحيث يضيّق جيرانهم الخناق عليهم بسبب ‘تعنّتهم’ في المضيّ قدمًا بالاستفتاء المثير للجدل. ويشعر كلّ من رسول وأحمد بالقلق أيضًا بشأن أداء الاتّحاد الوطني الكردستاني في الانتخابات البرلمانيّة الكردستانيّة المقرّرة في مطلع شهر تشرين الثاني/نوفمبر المقبل”.
لفت علي معموري إلى أنّ أوامر رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي التّنفيذيّة بحقّ الإقليم، بما في ذلك وقف جميع الرّحلات الدّوليّة والطّلب من سلطات حكومة إقليم كردستان نقل المسؤوليّات عن المنافذ الحدوديّة والمطارات إلى الحكومة المركزيّة، لقيت دعمًا من بعض المجموعات الكرديّة المعارِضة في البرلمان العراقي التي تعجّبت من التوقيت. ولقد صرف العبادي حتّى الآن مناشدات آية الله العظمى علي السيستاني ورئيس الوزراء العراقي الأسبق إياد علاوي لحلّ الأزمة الرّاهنة عن طريق الحوار وبما يراعي الدستور العراقي. وكنا قد افترضنا الأسبوع الماضي أنّ طهران ربّما تكون مستعدّة لـ”تكليف وحدات الحشد الشّعبي الخاصّة بها بدعم رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي إذا قرّر نشر القوّات في كركوك. وإنّ قيام العبادي بمثل هذه الخطوة سيلقى شعبيّة في أوساط العراقيّين العرب، وسيضع حدًا للتحدّي السّياسي من جانب رئيس الوزراء السّابق نوري المالكي”.
سعى بوتين إلى إيجاد مجال للمناورة الدّبلوماسيّة أثناء زيارة الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود إلى موسكو الأسبوع الماضي، لكن الملك ليس بوسعه فعل الكثير لتسهيل إيجاد مخرج لمشاكل بوتين في العراق. ولا يستطيع بوتين تعريض علاقاته بإيران للخطر لكسب مودّة الملك، نظرًا إلى مصالح روسيا وإيران في سوريا. كتب بروس ريدل أنّ “المخاوف السّعودية من تدخّل إيران في المنطقة ودعمها للميليشيات الشّيعيّة، مثل الحوثيّين و”حزب الله”، لن تجد أصداء قويّة في روسيا. تتمتّع طهران بعلاقات جيّدة إلى حدّ كبير مع موسكو، وتتعاون الدّولتان عن كثب، ما يترك الرياض من دون ورقة ضاغطة في يدها في هذا المجال. وفي العراق، انخرط الملك السّعودي هذا العام بطرق جديدة ومبتكرة، ويمكن أن يبحث أيضًا عن وسائل للتّعاون مع روسيا؛ غير أنّ إيران تحتفظ باليد العليا في بغداد”.
نجد بالتالي أنّ بوتين عالق في الوقت الحالي، ويعتمد على قدراته الإقناعيّة الخاصّة مع نظرائه في تركيا وإيران، وعلى مهارات رئيس كردستان العراق مسعود بارزاني. كتبت زمان، “تغيب أيّ مؤشّرات على أنّ [بارزاني] السّبعيني الفولاذي سيتحلحل، وربّما تساعد ردّة فعل تركيا الحادّة على كسر رواية المعارضة الكرديّة العراقيّة بأنّ بارزاني مرتهن لتركيا، وتعزّز مصداقيّته في الشّارع في صفوف الأكراد في كافة أنحاء العالم. في الوقت عينه، هي تنتقص من شعبيّة أردوغان في صفوف ناخبيه الأكراد، الأمر الذي يفسّر ربّما كسره من حدّة لهجته إن لم يكن من حدّة رسالته إلى حكومة إقليم كردستان. أمّا بارزاني من جهته، فيراهن على أنّه عندما يحين وقت التصرّف، يفتقر خصومه إلى الشّجاعة اللازمة لتنفيذ تهديداتهم، وأنّ أفضل مسار يمكن انتهاجه هو التّمسّك بموقفه وانتظار أن تزول هذه الجلبة المحيطة بالاستفتاء. لكن كما هو الحال دائمًا، يكمن التّحدي الأكبر في الانقسامات بين الأكراد العراقيين أنفسهم”.
“توجد أمور كثيرة على المحكّ بالنّسبة إلى بوتين لكنّ الخيارات لم تنفد أمامه للتّفكير في خطواته التّالية. إذا أخطأ في شمال سوريا بالاعتماد على بارزاني الذي يزداد ضعفًا، قد ينتهي به المطاف مكشوفًا وفي موقف دفاعي في كلّ من سوريا والعراق، وعلى خلاف مع إيران وتركيا، وهذا أسوأ ما قد يحصل؛ أو يمكنه التّحوّل ببراعة نحو التراصف بين إيران وتركيا الذي يكتسب زخمًا وقوّة، نائيًا بنفسه بتروٍّ عن الاعتماد على بارزاني، وفاتحًا محادثات مع بغداد لمواصلة السّعي وراء مصالح روسيا في مجال الطّاقة بشمال العراق”.