مقتدى وعمار خدعا العبادي.. والولاية الثانية سقطت في الوادي !
بقلم: هارون محمد
كان اكبر خطأ سياسي ارتكبه رئيس الحكومة المنتهية ولايتها حيدر العبادي عقب الانتخابات الاخيرة، انه حشر نفسه بين عمامتي مقتدى الصدر وعمار الحكيم، يستجيب لهما وينفذ رغباتهما، حتى وصل به الامر الى امتناعه عن مناقشة تفاصيل ما سمي بنواة الكتلة الكبرى، مع اطراف سياسية وكتل انتخابية، الا بعد أخذ رأي سيد مقتدى والاتصال بسيد عمار، دون ان يدرك انهما يلعبان عليه، ويناوران تحالف نوري المالكي وهادي العامري به، وكانت النتيجة ان الاثنين عمدا الى الابتعاد عنه تدريجيا، وخصوصا الحكيم بحجة فشله في احداث البصرة التي تضرر منها مقر تيار الحكمة وانصاره.
ومشكلة العبادي تكمن أساسا في انه قلق ومتردد ومزاجي أصلا، وهو من النوع الذي يتكلم كثيرا ويفعل قليلا، اضافة الى مبالغاته في ادعاء الانجازات وتحقيق المكتسبات التي يقول ان حكومته حققتها على مدى اربع سنوات ماضيات، ومشكلته الاخرى انه يصدق ما يقوله هو، ويصدق ما يسمع من المتعاونين معه، بلا تدقيق ولا تحليل، بحيث فوت كثيرا من الفرص التي كانت تصب في مصلحته لو استثمرها في حينها، وابرزها امتناعه عن الخروج من حزب الدعوة عند تشكيل حكومته الحالية في 2014، وكان بمقدوره تأسيس حزب برئاسته يستقطب اغلب قيادات الحزب اليه، وهي قيادات انتهازية ونفعية كانت قد اصطفت مع المالكي ضد ابراهيم الجعفري في عام 2007 ، ولكنه لم يفعلها، وظل نوري رئيسا له يوجهه حزبيا ويأمره في بعض الاحيان، بل يسخر منه ويتهكم عليه في حالات ومناسبات عديدة وكلها يصل الى اسماعه، ويكتفي بالرد عليها بكلمة (ميخالف) او بعبارة (مقبولة من الحجي) دون ان ينتبه الى ان ابا اسراء حقود وباطني، ولن يصفح عنه ولن يغفر له فعلته في تضييع الولاية الثالثة عليه.
وصحيح ان منصب رئيس الوزراء في العراق، اكبر من حجم حيدر العبادي شخصيا وسياسيا، ولكن الصحيح ايضا ان المنصب اكبر ايضا من الثلاثة الذين سبقوه، اياد علاوي والجعفري والمالكي، غير انهم كانوا يختلفون عنه، في انهم لم يكونوا تابعين حزبيا لاحد أعلى منهم، كما هو حال العبادي الذي ظل عضوا هامشيا في المكتب السياسي لحزب الدعوة وخاضعا لرئيسه المالكي، الامر الذي قيدّه كثيرا، وحدد حركته السياسية ومنع انفتاحه على اطراف اخرى، كانت مستعدة لمعاونته ودعمه.
والعبادي لا يملك بعد نظر وليست له معرفة عميقة بمن يعملون معه من وزراء ونواب ومسؤولين كبار، وهو مقتنع بادائهم وراض عن فسادهم، رغم ان بعضهم مثل محافظ البنك المركزي علي العلاق، لا يستجيب له، ورفض باصرار اغلاق نافذة مزاد الدولار، الذي أوصت به مؤسسات استشارية دولية استقدمها العبادي لبحث امراض الاقتصاد العراقي، والامر نفسه ينطبق على وزير النقل كاظم فنجان الذي يغرّد دائما في عالم الخرافة والخيال، وعندما نصحه رئيسه الوظيفي حيدر العبادي في اجتماع لمجلس الوزراء، بالتوقف عن اطلاق التصريحات الفضائية، لاننا صرنا (مزق من وراك)! ، رد الوزير عليه قائلا : ارجوك هذه آرائي وانا مسؤول عنها، وسكت العبادي وهو يردد مع نفسه (اشوف سيد عمار واحجي وياه) في موقف يشير الى انه لا يريد اغضاب الحكيم الذي رشح الوزير المذكور ويقف وراءه.
ويتردد بهذا الصدد ايضا، ان النائب السابق الملا علي العلاق، اقترح تغيير فالح الفياض مستشار الامن الوطني في العام الماضي، لانه يمضي معظم اوقاته وخصوصا بالليل، في بيت نوري المالكي يتسامران ويبحثان في القضايا السياسية مما يعني ان المستشار يميل الى نوري اكثر من حيدر، وعرض العلاق ان يحل مكانه وليد الحلي وهو من المساهمين في ترشيح العبادي الى رئاسة الحكومة في 2014 وهو من كتب رسالة ما سمي بكوادر حزب الدعوة الى المرجع الشيعي على السيستاني الذي نزع رعايته عن المالكي وقال كلمته التي ما زال كثيرون يستظلون بها ادعاء واستغلالا الى يومنا الراهن (المجرب لا يجرب)، ولكن العبادي ابلغ العلاق يومها بان فالحا من (ربعنا) وانا متأكد من ذلك و(اطمئن) !! الى ان حسم الاخير موقفه مؤخرا وانحاز الى المالكي علنا، والغريب ان قرار رئيس الحكومة باعفائه من منصبيه كمستشار للامن الوطني ورئيس هيئة الحشد، يحمل تناقضات بالجملة، فهو يشير الى ان سبب الاعفاء جاء لاشتغال الفياض بالعمل السياسي، وكأن الاخير مستجد على السياسة، ولم يوفده العبادي في مهمات سياسية الى عدة عواصم عربية واجنبية خلال السنوات الاربع الماضية، ولم يؤسس حزبا اسمه (عطاء) قبل عام، ولم يتحالف مع كتلة النصر في الانتخابات الاخيرة، ولم يفز فيها ستة نواب من جماعة فالح، كلها نساها ابو يسر فجأة، وتذكر ان الفياض يعمل في السياسة من وراء ظهره، مخالفا القوانين ومسؤوليات وظيفته الامنية، والقرار فضيحة سجلت على رئيس الحكومة وليس على الفياض الذي أدار ظهره للعبادي واستدار نحو المالكي والعامري، اللذين عزما على ترشيحه لرئاسة الحكومة الجديدة.
العبادي في مأزق لا يعرف كيف يخرج منه ؟ وهاجس ضياع الولاية الثانية يقض مضاجعه، بعد ان ترددت أنباء تشير الى ان حليفيه مقتدى وعمار، لا مانع عندهما من التعاون مع هادي العامري بمعزل عن المالكي لتشكيل الكتلة الاكبر، مع قبولهما بان يبقى الاخير في منصبه كنائب لرئيس الجمهورية، ولا مانع ايضا عند الاثنين، من دعم فالح الفياض لرئاسة الحكومة المقبلة بعد ان يتعهد لهما خطيا بتنفيذ خياراتهما في (الاصلاح والتغيير) ويمنح التيار الصدري خمس وزارات من ضمنها وزارة سيادية، وابقاء وزارتي النفط والنقل للحكيم، والمعلومات المتداولة في الاوساط السياسية والنيابية ببغداد تشير الى ان مستشار الامن الوطني السابق، على استعداد ليبصم لهما، ويكتب ألف تعهد وتعهد، المهم ان يصبح رئيسا للوزراء وبعدها (الله كريم) !.