“ليلى العطار” فنانة تشكيلية عراقية.. ولدت في بغداد عام 1944، تخرجت من أكاديمية الفنون الجميلة 1965، كانت بدايتها مع جماعة (آدم وحواء) 1967، وفي 1968 نظمت معرضها الشخصي الأول، وأقامت خمسة معارض شخصية داخل العراق، ولقد شاركت في الكثير من المعارض داخل العراق وفي الخارج.
حياتها..
تزوجت “ليلى العطار” من السيد “عبدالخالق جريدان”، وعاشت معه في منطقة “الكاظمية”، وكان لها ثلاث من الأبناء هم “حيدر وزينب وريم”، ثم إنتقلا إلى منطقة “المنصور” شارع الأميرات، حيث كان منزلهم ملاصقاً لمبنى “جهاز المخابرات العامة العراقية” السابق.
عرفت “ليلى العطار”، في سبعينيات وثمانينيات وحتى بداية التسعينيات، كفنانة قدمت الكثير للمشهد التشكيلي العراقي من خلال لوحات رسمتها كانت ومازالت في ذاكرة الجمهور وعشاق الفن التشكيلي العراقي، نالت “ليلى العطار” عديد من الجوائز في “الكويت والبحرين ومصر”؛ و”المعرض الدولي” عام 1988، وعملت مديرة للمتحف الوطني للفن الحديث، وقاعة الرواق، وقاعة بغداد، وكانت عضو في نقابة وجمعية الفنانين العراقيين، كما عملت مديراً عاماً لدائرة الفنون.
تقول “ليلى العطار”، عام 1980، عن سنوات الوظيفة: “أنا شخصياً لم أناضل من أجل الخروج من البيت، كنت مستقرة أرسم وأربي أطفالي وأدير شؤون بيتي وكنت سعيدة، أما عملي الوظيفي فكان صدفة، لكنها صدفة سعيدة أيضاً، فما زلت أنعم بسعادة ولستُ بحاجة إلى نضال يعيدني للبيت وبتقديري الشخصي تبقى المسألة حسب قناعة المرأة ما تحتم عليها الظروف والوضع الخاص لها”.
وفاتها المثيرة للجدل..
أشيع أنها قتلت، بسبب قيامها برسم صورة الرئيس الأميركي الأسبق “جورج بوش”، الأب، على مدخل أرضية “فندق الرشيد” في بغداد، مما أثار سخط الإدارة الأميركية، وأدى ذلك إلى أن قامت الطائرات الأميركية، أثناء قيامها بغارة جوية على مدينة بغداد في 27 حزيران (يونيو) 1993، بإستهداف منزلها في منطقة “المنصور” بصاروخ أودى بحياتها هي وزوجها وشيعت بجنازة رسمية حكومية..
لكن الأستاذ “سيف الدين الألوسي”، ينفي إستهداف الإدارة الأميركية لها، ويقول: “للتأريخ أقول أن الشهيدة ليلى العطار لم تكن مقصودة بالقصف، كون هنالك دارين قريبة قصفت أيضاً، وذلك إما خطأ في الإحداثيات والجيروسكوب، أو الصواريخ التي أخطأت الأهداف قد أصيبت بالمقاومات القريبة وسقطت قبل أهدافها بعشرات الأمتار. الشهيدة ليلى العطار لم تكن من رسمت صورة بوش على أرض فندق الرشيد، وصاحب الفكرة ورسام اللوحة فنان من ديالى كان قد ظهر عدة مرات ببرامج تليفزيونية وشرح الموضوع.. لم تكن الشهيدة سوى مديرة عامة لدائرة الفنون وهي وظيفة إدارية.. ولكن كونها مشهورة ومعروفة فقد أستغل أسمها إعلامياً من الإعلام للنظام السابق للدلالة على الإجرام الأميركي، ومن الإعلام الأميركي لتبرير الخطأ في دقة الصواريخ.. والضحية البشر !.. بعد كل هذا عرفنا أن كلينتون أمر بقصف المخابرات لإتهامها بتدبير محاولة اغتيال لبوش الأب في الكويت، (سبب سخيف آخر يبين مدى الإستهتار بالبشر وعقلية الكاو بوي). وهكذا أنضم عدد من الشهداء إلى قافلة شهداء العراق الخالدين والمستمرين بالشهادة إلى اليوم، بسبب إستهتار الساسة والدول والقيادات الفاسدة التي نعاني منها اليوم كما الأمس”.
فنها..
يقول الكاتب، “قصي طارق”، عنها في مقالة له بموقع (الحوار المتمدن): “ليلى العطار بدأت الرسم منذ الطفولة، حصدت الكثير من الجوائز وأولها المسابقة العالمية للأطفال التي أقيمت في الهند.. وكانت تبلغ سبع سنوات من العمر. فازت بجائزة الشراع الذهبي في بينالي الكويت السابع.. ويبدو أنها خلقت كي ترسم ومحيطها العائلي شجعها على المضي قدماً.. في تحقيق أحلامها.. كما تقول في لقاء.. في تموز عام (1992).. أي قبل عام من وفاتها، (ليلى العطار). تقول: (شجعني محيطي العائلي على الاستمرار في هذا العالم البديع؛ ينتابني شعور غريب حين أرسم وأكون في عزلة تماماً عن العالم الخارجي، إذ لا أجد أمامي سوى اللوحة وموضوعها وفرشة الألوان.. وهذه الحدود لا أعني بها قيود؛ وإنما هي أطر تؤطر الموضوع ليكون أكثر جمالاً وتبقى العفوية والتلقائية موجودة وحاضره في أعمالي”.
ويواصل: ” كانت ليلى شخصاً واسع الخيال ميّالاً للعزلة مع شيء من التصوّف وبعض الرومانسية. وقد شغلها طويلاً التفكير في علاقة الإنسان بالقوى الغيبية وبعناصر الطبيعة, وعُرف عنها حبّها لرسم المشاهد الليلية للحديقة التي تعطي إحساساً بالكآبة الممزوجة بشيء من الحلم والشاعرية. لقد كان فن ليلى العطار يوحي بإغتراب، وبحزن عميق، الأمر الذي جعلها تتخذ من الطبيعة موضوعاً للخلاص، لكن الطبيعة لديها كانت جرداء تمتد إلى المجهول، وكانت الأشجار جرداء وكأن الربيع غادرها إلى الأبد.. بل قد تبدو أعمالها كساحة حرب مهجورة بعد قتال قاس ومرير.. ووسط تلك الخرائب والصمت ثمة جسد يتجه نحو الشمس في غروبها، جسد يتلاشى أو يستسلم للكون، إنها تذكرنا برومانسية معاصرة للشقاء الذي تعاني منه النفس في عزلتها الاجتماعية والنفسية والفلسفية، تلك الوحدة التي تدفع بالمتفرج إلى عزلة بلا حدود. لكنها في الواقع هي الوحدة، هي الإندماج بالكل، والتخلي – كما يفعل المتصوفة والزهاد – عن المتاع الزائد لبلوغ درجة اللا حاجة، أو المثال الذي يراود الشعراء والعشاق العذريين. إنها في هذا المسار تذكرنا بموتها. هذا العناق مع الأشجار الجرداء، مع الأرض المحترقة ومع الهواء الأسود، هنا تكشف عن معاناة حواء بجراءة منحها ذلك لقب، (سيدة الهدوء في الشرق الأوسط)، وأيضاُ كان من ألقابها، (أميرة الصمت)، لها خصوصيتها كونها عالجت معاناة المرأة بجراءة و جدارة وجسدتها بلوحات متميزة”..
وعن تقنياتها في الرسم يقول” قصي طارق”: “أستعملت كذلك الزيت على كولاج من ورق، إنها أجساد إنسانية تشوهت بخطوط، لكنها ليست أجسام بحق فهي تنبئ ولا تكشف، متحاشيه النتائج النهائية، وقد أستعملت الكولاج الورقي التي لغمت بها لوحاتها، لقد عدمت المعاير، رافضة لسقاطات المحيط، وصار العمل الفني عندها الخامة نفسها، وهذا ما كون نسقاً مكرراً في الكثير من أعمالها وعدد غير قليل من الفنانين أمثال عبدالكريم السعدون في معرضه، (تراتيل العتمة)، وفاضل العكرفي؛ الذي قدم أعمال تركيبية بنفس الوتيرة، في معرض بابل، لقد تحولت إتجاهات وأساليب الفن فلم تعد تحاكي الحدث، بل غادرته إلى مناطق أكثر بعداً بمعنى أن الهروب من الواقع ليس ألا تأكيد لحضور الفنان.. لقد عاشوا أغلب الفنانين سلسلة من الحروب، ثم واجهوا الحياة المدنية، بعد أن أثقلت بهمومها المعيشية ومتطلباتها وأثار ونتائج الحرب عليها. ولذلك تبدل الأسلوب وأنتهت تلك التقنيات الغنائية في اللون وطرائق البراعة الأكاديمية التي سادت زمناً طويلاً، وصار لزاماً على الفنان تحديد ملامح الأفكار التي ترى تلك الحقائق الوجودية للبشر”.
لوحات تحكي عن الإنسان..
تقول “ليلى العطار”، في أحد معارضها في 1991: “جميع لوحاتي تحكي عن الإنسان وجوانب الضعف للإنسان، وما يمر به من لحظات خوف وضعف وظلم وعدوان وعجز، تلامس ما يعيشه الإنسان في بعض الدول العربية من القتل والدمار الذي يقابله ضعف الإنسان.. أن ملامسة الجواب المحزنة للإنسان عادة تولد علاقة وطيدة بين الطرفين اللوحة والإنسان لتعطيه عمقا للحياة والجانب المظلم بحياة الإنسان كما تمنح الإنسان فرصة للتحدث عما يمر به من ضعف. إن لدي مجموعة أخرى من اللوحات تحكي عن الموت، لأن الموت هو العامل الوحيد المشترك بين الناس بمختلف أنواعهم وأجناسهم وأعمارهم فهي مرحلة نهاية يعيشها كل إنسان، فاللوحات الفنية عبارة عن فن يلامس مشاعر وأحاسيس يتذوقها المحبون له”.
الألوان الداكنة..
تقول السيدة “لميعه الجواري” عنها: “بدأ اختيارها الألوان الداكنة في الفترات الأخيرة.. وكنت اعتقد أنها كانت تدرك أن مصيرها وحياتها ستصبح مؤلمة وتدرك نهايتها، أما مواضيع اللوحات فقد تميزت بجراءة كانت ترسم النساء في أوضاع مختلفة.. وتجسد أحلام النساء في العقل الباطن.. في مجمل أعمالها.. وأحيانا ً كانت ترسم الجماجم البشرية أو الدماء كحالة من الخوف من المستقبل أو نتيجة الظروف التي كانت تمر بالعراق من اثر الحروب.. معظم لوحاتها مستوحاة من الطبيعة، وتحتوي أكثر مواضيعها على الأشجار، لوّنت أشكالها بألوان الأرض والغروب والعتمة والموت، صنعت بمواد و أسلوب متفرّد راقِ، فالأشكال مصقولة ومبسطة وملونة بألوان داكنة ورشيقة وذات حدود واضحة. بعض لوحاتها تصل إلى التجريدية. تركت المناظر الطبيعية الكئيبة للشجار في شتاء العراق انطباعا قوياً في نفسها، وأثرت على أعمالها. الشجرة القديمة التي ترسمها مثل العظام القديمة”.
صديقة جيدة..
عن علاقتها بها تقول السيدة “لميعة الجواري”: “كانت ليلى العطار تعاملنا كعائلة واحدة أو فريق واحد، وكانت غاية في الطيبة والإنسانية وكانت علاقاتها بجميع متميزة وكان لحضورها أثر بالغ فينا، وكذلك كان لجمالها وأسلوبها في التعامل تؤثر بشكل إيجابي على من حولها. كانت قلقة بسبب مجمل الهواجس الإدارية من جهة والفنية من جهة أخرى كان الطموح أن تكون في المستوى الأفضل، في التنظيم والإعداد حينما تكون هناك معارض تقيمها الدائرة و لحد ما كان هاجسها جملة من مخاوف مجهولة انعكست بشكل أو آخر على أعمالها في الفترات الأخيرة”.