سلط تقرير صحفي الضوء على الدور المتنامي لإيران في العراق ليس على المستوى العقائدي فحسب بل على المستوى السياسي والأمني.
وطرح التقرير، الذي نشرته مجلة The Atlantic الأميركية، تساؤلا عما إذا كان العراق قادرا بالفعل على الانفكاك من محور إيران عبر سيناريوهات عدة، لعل أبرزها يتعلق بنفوذ المرجع الشيعي الأعلى آية الله على السيستاني.
يرى التقرير أن إيران سعت منذ فترات طويلة لتثبيت أقدامها في العراق عبر المدخل العقائدي والمراجع الدينية في النجف، ثم عززت تغلغلها عبر غرس مليشيات موالية لها في النسيج العراقي، أبرزها وأحدثها المجموعات الشيعية المنضوية تحت لواء الحشد الشعبي التي تشكلت في عام 2014 بفتوى من السيستاني لهدف رئيسي هو مواجهة داعش.
المجموعات العراقية الموالية لطهران ونموذج حزب الله
ولكي تتعايش تلك المجموعات وتتكيف مع القيود السياسية والقانونية التي تواجهها في العراق، أظهر التقرير تعلقها بأحزاب قديمة أو إعادة استنساخ نفسها كحركات اجتماعية ثقافية مثل جماعة عصائب أهل الحق التي كونتها إيران بعد 2003 وأصبحت بعد ذلك مجموعة مسلحة قوية تتمتع بموارد الدولة ومؤسساتها فيما لا تزال تعمل بشكل مستقل.
ببساطة الميليشيات الشيعية الموالية لإيران، في جوهرها، وضعت نفسها كنسخة عراقية من حزب الله اللبناني: حركات اجتماعية وثقافية وسياسية ذات جناح عسكري يعمل بشكل مستقل عن الدولة.
يوضح التقرير أن تلك المجموعات وبدعم من إيران، استغلت حالة الصراع والفوضى التي أعقبت سقوط نظام البعث لتوسيع النفوذ الإيراني في العراق.
اتهمت تلك المجموعات بارتكاب فظائع طائفية ساعدت على نشوء داعش، كما لعبت دورا حاسما في الحرب الطائفية بين العرب السنة والشيعة في عام 2006.
قاومت تلك المجموعات بعنف محاولات الدولة العراقية والولايات المتحدة لنزع سلاحها. ومنذ ظهور داعش وفتوى السيستاني، سعت تلك المجموعات لتوطيد قبضتها من خلال إضعاف القوى العراقية التقليدية الأخرى.
والان تستعد لترجمة شعبيتها التي اكتسبتها في زمن الحرب إلى مكاسب سياسية من خلال خوض الانتخابات المقبلة في أيار/ مايو.
السيستاني ودوره في مواجهة نفوذ إيران
بعد هزيمة داعش وإعادة تشكيل قوات الأمن العراقية، توقع البعض أن يلغي السيستاني فتواه ما سيفضي إلى تفكيك الحشد الشعبي.
لكن السيستاني وحده لا يستطيع حل الحشد الذي أصبح مؤسسة حكومية توفر لقمة العيش والمكانة لمقاتليها، بحسب تقرير The Atlantic الذي أضاف: ” إذا حاول فإن ردة الفعل يمكن أن تؤدي إلى “تقويض المؤسسة الدينية الشيعية في العراق”.
يقول الباحث العراقي حيدر سعيد إن تغلغل النفوذ الإيراني في العراق موضوع معقد له جانب عقائدي وآخر سياسي.
لكنه يتفق مع ما قاله التقرير عن أن السيستاني سيواجه صعوبات جمة لو حاول الحد من النفوذ الإيراني في العراق.
ويشير في هذا الصدد إلى دراسة تتوقع أن يكون السيستاني هو آخر مرجع ديني عراقي في إطار مسعى إيراني لتفكيك كل المراجع الدينية خارج إيران وإخضاعها إلى سلطتها.
ويرى سعيد أن خطورة دمج الحشد الشعبي في المؤسسات الأمنية تكمن في أن “كثيرا من فصائله تؤمن بمرجعيات إيرانية، وقرارها خارج المؤسسة الرسمية العراقية”.
ماذا يعني الفشل في الحد من النفوذ الإيراني في العراق؟
يعني بحسب التقرير، تفاقم التوترات الطائفية بما قد يفضي إلى عودة داعش من جديد، وحينها، يرى التقرير، أن السيستاني قد يجد نفسه مضطرا إلى مواجهتها مجددا، في خاتمة المطاف.
يرى التقرير أن السيستاني قاوم تاريخيا جهود إيران لتصدير سلطتها الدينية إلى العراق. فهو ينتقد ويواصل الضغط على وكلاء إيران من خلال خطبه.
وفي حين يشير سجل السيستاني إلى أنه مستعد لمحاربة وكلاء إيران، لكنه سيحتاج إلى مساعدة، يقول التقرير.
ويرى الباحث حيدر سعيد أن دور السيستاني في مواجهة إيران يمكن أن يتم عبر “دعم التيارات السياسية الأكثر رفضا للاندماج في المشروع الإيراني” ويشير إلى أن “السيستاني كان له دور في عدم حصول رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي الموالي لإيران، على دورة ثالثة عقب سقوط الموصل”.
قد يأتي ذلك من أصوات قومية ومناهضة لإيران مثل حزب الدعوة ومقتدى الصدر وأتباعه. وقد دعم كل من الصدر والسيستاني احتجاجات العراقيين في مجال مكافحة الفساد.
الحلف العربي
كما أن زيارات الصدر إلى الخليج عززت أيضا علاقات العراق بالعالم السني العربي، ويمكن لهذه العلاقات أن تقيم تحالفات طائفية لاحتواء الفصائل الموالية لإيران.
الباحث العراقي حيدر سعيد يقول إن العراق شهد في العامين الأخيرين “تحولا جادا نحو الدول العربية، نابعا جزئيا من ضغوط أميركية، ومن حاجته إلى الدعم المادي، إضافة إلى توجه عربي يفيد بضرورة التقرب من العراق كي لا يسمح أي فراغ عربي لإيران بالانفراد به لوحدها”.
لكنه يضيف أن هناك مشكلة وهي أن “العرب، من جانبهم، يريدون عراقا خصما لإيران وليس بلدا متوازنا بالمنطقة”
دور الولايات المتحدة
يرى التقرير أن الحفاظ على الوجود العسكري الأميركي في العراق سيساعد على احتواء “وكلاء” إيران، طالما أنه لا يضعف منافسي طهران مثل الأكراد والسنة، مع ضرورة تجنب الولايات المتحدة خلق رجل قوي يمكن أن يدير لها ظهره كما حدث مع العبادي، بحسب التقرير.
ولاحتواء طهران، يمكن للولايات المتحدة أن تساعد أيضا على منع تلك الجماعات من استغلال موارد العراق، والحد من وصولها إلى مليارات الدولارات التي يعتزم المجتمع الدولي المساهمة بها في إعادة إعمار العراق.
ويمكن للسيستاني، الذي يدافع عن دولة عراقية تعددية، أن يقطع شوطا طويلا نحو احتواء وكلاء إيران. بيد أنه لا يستطيع أن يفعل الكثير وحده. بينما يرى الباحث العراقي حيدر سعيد أن “رهان مواجهة النفوذ الإيراني في العراق يستند أولا وأخيرا إلى النخب السياسية الشيعية في العراق” مع وضع الفئات غير الدينية الأخرى المناهضة لإيران، في الاعتبار.