“إن الاضطهاد الممنهج للفلسطينيين إحتل منذ فترة طويلة مكاناً في وعي الأمة أو المجتمع العالمي للمسلمين. وقد شاهد المسلمون في جميع أنحاء العالم، منذ عشرات السنين، تشرد الفلسطينيين مراراً وتكراراً، وتعرضوا لعقاب جماعي وحرموا من إقامة الدولة. وفي حين أن الاحتلال الإسرائيلي لا يزال يثير مشاعر الغضب والعجز، فإن مجموعة إثنية أخرى – وهي “الروهينغا” – أصبحت الآن رمزاً للظلم العالمي للمسلمين”.
هكذا استهل الكاتب الأميركي “كريغ كونسيدين”، مؤلف كتاب (المسلمين في أميركا: دراسة الحقائق)، مقاله بمجلة “فورين بوليسي” الأميركية حول أزمة مسلمي “الروهينغا” في “ميانمار”، وكيف وصلت لمكانة مشابهة من أزمة الفلسطينيين.
مقارنة بين إنتهاكات ميانمار وإسرائيل..
يقول الكاتب الأميركي أن الصور المرعبة لحياة “الروهينغا” تلقي بظلالها بقوة على الذاكرة الجماعية المؤلمة للنكبة الفلسطينية، عندما قامت القوات الإسرائيلية في عام 1948 بطرد أكثر من 750 ألف شخص من أراضي الإنتداب البريطاني لفلسطين. ويرى المسلمون في جميع أنحاء العالم، الفلسطينيين و”الروهينغا” مجتمعين، قد مروا بتجارب مشابهة، وخضعوا لإنتهاكات صارخة وهم لاجئون دائمون، مع القليل من دعم الحلفاء الراغبين في الوقوف رسمياً من أجل حقوقهم الإنسانية.
وأصبحت كلتا المجموعتين محرومين من حقوقهم في أعقاب الحكم الاستعماري، وحاولت كل من حكومتي “ميانمار” و”إسرائيل” تهجيرهما من أراضيهما، وتصويرهما كأجانب لا يحق لهم المطالبة بالأرض. وفي كل من “إسرائيل” و”ميانمار”، كانت هناك محاولات لإعادة كتابة تاريخ المجموعتين المضطهدين، بإدعاء أنهما لا يشكلان مجموعة عرقية “حقيقية”، وبالتالي فإنهما غزاة.
كما يرى المسلمون أيضاً أن القضيتين بهما إستخدام للمبررات الدينية لممارسة الاضطهاد، حيث تمكن حكومة “ميانمار”، الفصائل القومية البوذية، من الترويج للإبادة الجماعية ضد “الروهينغا” العٌزل، بينما تمكن الحكومة الإسرائيلية، الفصائل القومية اليهودية، من الترويج للتطهير العرقي للفلسطينيين.
وقد ألهمت أزمة “الروهينغا” زخماً حقوقياً عبر الإنترنت، حيث أطلق مستخدمو “تويتر” وسوماً لزيادة الوعي بالإنتهاكات المستمرة لحقوق الإنسان، ولفت الانتباه إلى الشركات المتواطئة ضدهم مع حكومة “ميانمار”.
ويقول “عريب الرنتاوي”، من مركز القدس للدراسات السياسية في عمان، إن “الروهينغا” يحتلون الأولوية على النزاعات الطائفية، سواء كانت بين الشيعة والسنة أو المسلمين والعلمانيين.
السعودية وإيران.. رد فعل مسيس حول أزمة “الروهينغا”..
على الرغم من أن ردود افعال المسلمين حول العالم جائت قوية، كانت ردود القادة المسلمين ورؤساء الدول غير كافية، ولم تدعو الجامعة العربية ولا منظمة التعاون الإسلامي، أكبر هيئة سياسية في العالم، إلى عقد جلسة طارئة من أجل هذا الشأن.
وحتى عندما حاولت إيران إتخاذ موقف الدفاع ضد إضطهاد مسلمي “الروهينغا”، جاء الموقف مسيس إلى حد كبير ويحمل في طياته منافسة للتفوق من أجل القيادة، حيث دعا النائب الثاني لرئيس البرلمان الإيراني “علي مطهري”، الدول ذات الأغلبية المسلمة إلى إنشاء قوة استخباراتية، يقودها المسلمون، لإنقاذ الفارين من “الروهينغا”، بينما جاء رد فعل السعودية عبارة عن إدانة للحدث عبر تغريدة على موقع التدوين القصير “تويتر”.
ويسلط الكاتب الأميركي الضوء على أن رد فعل السعودية جاء، ليس على النحو المطلوب، بسبب العلاقات المالية والسياسية العميقة بين المملكة وميانمار، واشارت صحيفة “كريستيان ساينس مونيتور”، إلى أن “السعودية استثمرت الملايين في البنية التحتية النفطية في ميانمار، وأنها ستستخدم خط أنابيب النفط، الذي تم انجازه مؤخراً، والذي يمر عبر البلاد لمواصلة تقديم الصين، أكبر شركة دعم في ميانمار، مع أكثر من 10 في المئة من امدادات النفط “.
ولكن ذلك لا ينكر فضل المملكة السعودية، بمساعدة “الروهينغا” في السنوات الأخيرة، بإستقبال 250 ألف مسلم من “ميانمار”، وتقديم تصاريح إقامة مجانية لهم، والحصول على التعليم المجاني والرعاية الصحية والتوظيف – ولكن في كثير من الأحيان يتم معاملتهم بنفس العداء الذي يجده مهاجرون آخرون في المملكة العربية السعودية.
التغطية الإعلامية.. غير منصفة..
أحد الأسباب التي جعلت مسألة “الروهينغا” عاطفية، هي طريقة تحيز وسائل الإعلام لمحنة السكان المسلمين المضطهدين، حيث يعتقد بعض المسلمين في جميع أنحاء العالم أن تسمية “الإرهاب” لا تطبق إلا على الحالات التي يكون فيها مرتكب الجريمة مسلماً.
والواقع أن الأبحاث التي أجرتها الباحثة “إيرين كيرنس” وزملاؤها في جامعة غورغيا الحكومية، تبين أنه عندما يكون مرتكبو أعمال العنف “مسلمين”، فإن وسائط الإعلام تغطي الهجوم بأكثر من أربع مرات ونصف، مما لو لم يكن الجاني مسلماً. وبعبارة أخرى، وكما تشير “كيرنس”: “يجب على مرتكب الجريمة، الذي لا يكون مسلماً أن يقتل في المتوسط حوالي سبعة أشخاص آخرين للحصول على نفس التغطية من مرتكب الجريمة”.