بقلم: لطفية الدليمي
يدلّنا الخراب المقيم الذي بات يرزح فيه العراق والعراقيون على حقائق كثيرة ؛ لكنّ الحقيقة الكبرى – كما أحسب – هي أنّ الكثرة العظمى من العراقيين لايحبّون العراق
ولايكترثون بكلّ معالم الدمار والتخريب التي حلّت به سواءٌ أكانت خبيثة مقصودة أم نتاجاً للجهالة والسفاهة واستباحة كلّ أنساق القوانين الراسخة والأعراف المحمودة . لستُ غافلة – بالطبع – عن حقيقة أنّ بعض العراقيين يتمزقون وهم يرون العراق الجميل يتراجع متخلفاً ؛ لكنّ هؤلاء ليسوا سوى قلّة قليلة مغلوبة حائرة تختزن الجرح في القلب حتى ليكاد الجرح يتعفّن حدّ الموت ، ولأجل هؤلاء ، وإكراماً لهم ولجرحهم الدفين جعلتُ عنوان المقالة من غير ألف ولام التعريف لكي لايتعمّم الوصف على كلِ العراقيين ظلماً وعسفاً .
لماذا لايحبّ معظم العراقيين العراق ؟ أرى أنّ هذا السؤال الإشكالي هو واحدٌ من الأسئلة الثقافية المفصلية التي لابدّ أن ننشغل بها على مستوى الأفراد فضلاً عن الأقسام الجامعية المعنية بهذا النوع من التساؤلات واسعة النطاق ( سوسيولوجيا ، أنثروبولوجيا ، علم نفس ، قانون ، سياسة ، إعلام ،،،، ) ، ودعونا من مظاهر الحبّ اللحظوية ذات الطابع الفلكلوري البائس : يحرز منتخب العراق هدفاً فيتنادى الجميع صراخاً يلهج باسم العراق والعراقيين . هذا حبّ ليس أكثر من ( شقشقة لسان ) بحسب التوصيف الفقهي ؛ إذ قد ترى هذا الذي تكاد حنجرته تلتهب وهي تصدح باسم العراق لايرتجف قلبه بقدر شعرة وهو يتعدّى على أرصفة الطرق ويضمّها قسراً إلى بيته الجديد وبما يؤكّد واقع حال لايمكن مناقشته ! أي حبّ هذا الذي يحبّ فيه ( فلان ) العراق ثمّ يعتدي على العراقيين ولايتورّع عن سلب حقوقهم المكفولة بالقانون الذي غاب هو الآخر وصار نسياً منسياً ؛ بل قبل هذا كيف يمكن التبجّح بحبّ العراق والناس لايرفّ لها جفن وهي تملأ الشوارع والجزرات الوسطية بالقمامة وتتقاعس عن وضعها في أماكنها . إذا كان هذا حباً ؛ فكيف تكون الكراهية إذن ؟
لماذا لانحبّ العراق كما ينبغي أن يكون الحبّ ؟ العراق بلد ثري مفضال علينا جميعاً ، ولسنا في نهاية المطاف سوى كائنات طفيلية تعتاش على ماتجود به أرض العراق من ثروات طبيعية لايد لنا في خلقها . هذه حقيقة صارخة؛ فلماذا لانحبّ العراق ولو على سبيل ردّ بعض الجميل إليه؟.
كلّنا نعتاش على خيرات العراق ، وموهومٌ من العراقيين من يرى أنّه ليس بأكثر من طفيلي يمتصّ رحيق الحياة من ضرع العراق ؛ وعليه إذا أحبّ الألماني أو السويدي أو السويسري أو غيرهم بلده بمقدارٍ ما فإنّ الواجب والمروءة يقتضيان أن يحب العراقي العراق بمقادير مضاعفة . لستُ هنا واهمة وأتغافل عن الحقائق : نعم ، توفّر هذه البلدان لمواطنيها حزمةً من الحقوق تطبيباً ورعاية إجتماعية وتعليماً توجب الحبّ ؛ لكن هل يعمل العراقي بمثل مايعمل هؤلاء من حيث الجهد وعدد ساعات العمل ؟ العراق بالنسبة للعراقيين هو بمثابة الأب والأم للطفل الرضيع ، وإذا ماذهب العراق فسيذهب العراقيون معه إلى حيث يعرفون ، وماأقسى ذلك المآل !
ماأغدر العراقيين الذين يرون في العراق محض حافظة نقود يحلبونها ويلعقون عسلها ولايرفّ لهم جفن لكلّ مظاهر الرثاثة التي أغرقت العراق في مستنقع نتن .
لم يعرف العراقيون قدر العراق ؛ فأضاعوه وأضاعوا أنفسهم معه ، وأغلبهم في غيّهم سادرون .