اتهمت القيادة العامة لقوات البيشـــمركة الكردية فصيلا من الاتحادالوطنـــي الكردســـتاني وهـــو أحـــد حزبيـــن
سياســـيين رئيســـيين في كردســـتان العراقبـ”الخيانة” لمســـاعدته بغداد في الســـيطرةعلى مدينة كركوك بشـــكل سريع بدا أقرب إلىالتسيلم منه إلى ســـيطرة ميدانية، خاصة أن العمليات التي قادتها القوات العراقية لم ّ تؤد
سوى إلى خسائر بشرية محدودة.وتزامنت ســـيطرة القـــوات العراقية علىحقول النفط وعلى مطار كركوك مع حديث عنأن تســـليم المدينة هو وليد صفقة رعاها قائد فيلق القدس الإيراني الجنرال قاسم سليماني بيـــن القوات العراقية وحزب الرئيس العراقيالراحل جـــلال الطالباني، وتقضي بتســـهيلالســـيطرة على المدينة مقابـــل حفاظ الحزب
على امتيازاته فيها. ونجحت مســـاعي ســـليماني فـــي تفكيك الموقف الكردي أمام أزمة استفتاء كردستان،
ّ فتحـــول قـــادة بارزون فـــي الاتحـــاد الوطني الكردســـتاني إلـــى “خونة” بالنســـبة للحزب الديمقراطـــي الكردســـتاني بزعامة مســـعود البارزاني، على خلفية إخلاء قوات البيشمركة الكرديـــة مواقع واســـعة فـــي محافظة كركوك الغنيـــة بالنفط أمـــام زحف القـــوات العراقية المشتركة. وتحركت القوات العراقية المشتركة، فجر
الاثنين، بنـــاء على أوامر مـــن رئيس الوزراءالعراقـــي حيـــدر العبـــادي، لتعيد انتشـــارها في مواقع ســـيطرت عليها قوات البيشـــمركة صيف 2014 ،إثر اجتياح تنظيم داعش لمدينة الموصل ومناطق مجاورة لها.ولم تواجه القـــوات العراقية مقاومة تذكر من قوات البيشـــمركة الكردية التابعة للاتحاد الوطني، مـــا أثار الجدل بشـــأن وجود صفقة
أعدها الجنرال سليماني. وفرضـــت القوات العراقية الســـيطرة على جميـــع المنشـــآت الحيويـــة في كركـــوك، من
بينها مطار وقاعدة عســـكرية كبيرة، ومنشآت ضخمة للنفـــط والغاز، كمـــا أحكمت قبضتها علـــى مداخل المدينة من جهتي ديالى وصلاح الدين. وبحســـب مصادر “العرب”، فـــإن الصفقة التـــي رعاها ســـليماني تنص على انســـحاب
القـــوات الكردية التابعة للاتحاد الوطني أمام تقدم القـــوات العراقيـــة، مقابل تعهـــد بغداد بالإبقاء على نفوذ حزب الطالباني في كركوك. وشـــنت وســـائل الإعـــلام التابعـــة لحزب البارزانـــي حملة ضد من وصفتهـــم بـ”القادة
الخونـــة في الاتحـــاد الوطني، الذين ســـلموا مواقـــع البيشـــمركة فـــي كركـــوك للقـــوات الاتحادية”.
وتقول المصادر إن عقيلة الرئيس الراحل جلال الطالباني، هيـــرو إبراهيم وهي قيادية بـــارزة في الاتحـــاد الوطنـــي الكردســـتاني، عرضـــت خلال اجتماع في الســـليمانية الأحد على رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني،
خطة لتســـوية الوضع بين بغـــداد وأربيل في كركوك تتضمن إخلاء مواقع عسكرية تسيطر عليها البيشمركة، لكن البارزاني رفض. وقرر جنـــاح عائلة الطالباني الذهاب نحو اتفاق منفرد مع بغداد بوساطة من سليماني،
وفقا للمصادر. وتقـــول مصادر رفيعة في أربيل إن “مدينة الســـليمانية التي تمردت على البارزاني ربما
تتحـــول إلى شـــريك قـــوي لبغـــداد، بانتظار قـــرارات مركزيـــة تســـتثنيها مـــن العقوبات
الحكومية التي فرضت على الإقليم بعد إجراء استفتاء الاستقلال في الخامس والعشرين من الشهر الماضي”.
وردت آلاء الطالبانـــي، وهـــي نائبـــة فـــي البرلمـــان العراقي عن الاتحـــاد الوطني، علىاتهامات الخيانة. وقالت إن “مقاتلي بيشمركة الاتحـــاد الوطنـــي كانـــوا دائمـــا فـــي مقدمة المدافعيـــن عن أبنـــاء كركـــوك وحمايتهم من
الإرهاب والدواعش وقدمنا الآلاف من الشهداء والجرحى في سبيل ذلك”. وأضافـــت “لكننا لـــن نضحـــي بقطرة دم
واحدة من أجل الحفاظ على آبار نفط مسروقة ذهبت أموالها إلى جيوب أحزاب وأشخاص”، في إشارة إلى السيطرة المطلقة التي يفرضها حـــزب البارزاني على صـــادرات وعوائد نفط كركوك منذ صيف 2014. وقادت عمليات انسحاب قوات البيشمركة التابعة لحزب الطالباني إلى موجة انسحابات من مناطق مختلفة في كركوك وديالى شـــملت
مواقـــع تســـيطر عليها قـــوات تابعـــة لحزب البارزاني في مشـــهد يقـــارب “الانهيار”، على حد وصف مراقبين.
ويقـــول مراقبـــون إن “قوات البيشـــمركة الكردية تخلت عن مواقع لم تكن ضمن مطالب بغداد”، معتبريـــن أن “البارزاني تلقى ضربة كبيرة ربما تخرجه من كركوك بشكل مطلق”.وأشار القائد في جهاز الأمن والمعلومات
التابـــع لمحافظة الســـليمانية، رنج طالباني، إلـــى أن قـــوات الجيـــش العراقـــي والحشـــد الشـــعبي غادرت مركز مدينة كركوك وانتشرت في محيط حقول النفط. وكان القيادي الكردي كوسرت رسول، نائب الأمين العام للاتحاد الوطني الكردستاني، قد رافق قوة مســـلحة من البيشمركة إلى كركوك، وأشيعت أخبار عن إصابته مع دخول القوات
الحكوميـــة للمدينة، إلا أن مصـــدرا مقربا من عائلة رسول نفى إصابته. وقال المصدر لشبكة رووداو الإعلامية إن
“الأنباء التي يثيرها الحشـــد الشـــعبي بشأن إصابة كوسرت رســـول في كركوك، بعيدة عن الصحة، وإنه لم يتعرض لأي أذى”. وطالبت الســـفارة الأميركية في بغداد كلا من بغداد وأربيل بوقف العمليات العســـكرية فـــي كركـــوك، مؤكـــدة أنهـــا تعمل مـــع جميع الأطراف على احتواء الأزمة. ووفقـــا لمراقبين في بغداد فإن الســـفارة
الأميركيـــة أجلت الإعـــلان عـــن موقفها حتى تمكنـــت القـــوات العراقيـــة المشـــتركة مـــن الســـيطرة على جميـــع المناطـــق التي كانت تخضع لسلطة الحكومة المركزية قبل أحداث التاسع من يونيو 2014. وأشـــارت أوساط سياســـية في بغداد إلى أن “قـــراءة البارزاني للتطورات لم تكن دقيقة، وتعويلـــه على الحمايـــة الأميركية لم يكن في
محلـــه”. مؤكدة أن “الولايـــات المتحدة لعبت دور المتفرج إزاء نوايا الحكومة المركزية في بغداد بسط نفوذها على جميع المناطق التي تخضع لسيطرة الأكراد في كركوك”. وتتحدث الأوساط السياسية العراقية عن“خروج العبادي منتصرا مـــن هذه المواجهة، فيمـــا يواجـــه البارزاني شـــبح تفـــكك وحدة الإقليم الكردي بخسارته الكبيرة في كركوك”.
وشـــهدت كركـــوك عمليـــات نـــزوح كبيرة لســـكانها نحـــو مدينتي أربيل والســـليمانية المجاورتين.
وحـــاول رئيس الـــوزراء العراقـــي تهدئة المخاوف في كركوك في ظل توالي الأنباء عن التصعيد العســـكري وإمكانيـــة اندلاع اقتتالواسع فيها. وهاتـــف العبـــادي النائـــب الأول لمحافظ كركـــوك راكان الجبوري، وكلفـــه بمهام إدارة
المحافظـــة مؤقتا إلى حيـــن انتخاب محافظ جديد خلفـــا للمحافظ المقال نجم الدين كريم،
الـــذي تـــوارى عـــن الأنظـــار مع بـــدء القوات العراقية التوغل في المدينة.