شركة النوم العميق
بقلم: هادي جلو مرعي
كان الرئيس يكرر المرور على قصوره، ويراقب سير الأعمال فيها، وحركة العمال الذين يتحركون وعيونهم الى الأرض في عمل دائب لايكاد ينقطع، ويستمر الى مغيب الشمس، ولم يكن أحد ليجرؤ على الإتيان بحركة، أو حديث إلا بحذر شديد وترقب وخوف.
كان خلف الجبوري عنيفا للغاية، وكان حريصا في عمله، وكان يقوم بتحضير الجص للحرفيين الذين يعتنون بتبييض القصور، وكان مستعدا بسبب طبيعته القروية، وإلتزامه الأخلاقي للمشاجرة مع أي أحد مهما علا شأنه، ولايتورع عن الرد على الكلمة بالكلمة، والضربة بالضربة، ولو تطلب الأمر العراك، وإلقاء الشتائم.
من حكم خلف إنه قال في وصف ماجرى على مسلم بن عقيل رسول الحسين الى أهل الكوفة: إن الآلاف كانوا يصلون خلفه في المسجد الأعظم فلما إشتد الأمر وأحكم عبدالله بن زياد قبضته تفرق الناس عن مسلم، ولم يتبق خلفه سوى رجل واحد، إلتفت إليه مسلم متعجبا: وسأله عن شجاعته، وعدم إنكساره، وإصراره على البقاء معه؟ فرد الرجل: أنا اريد أن ألحق بالناس، ولكن عباءتي تحت قدمك، وأنتظر أن ترفعها لأذهب سريعا!
وصل رجل الأمن حيث يقف خلف منتظرا نداء الأسطوات عليه ليحضر الجص، ووجده واقفا مكانه، وسأله: لما أنت متوقف عن العمل؟ فرد خلف إنه ينتظر نداء الأسطوات، لكن رجل الأمن تلاسن معه، وتوعده بالعقوبة، واخذ بتلابيبه، وقطع ازرار قميصه البالي، ففعل خلف مثل فعله، وصاح رجل الأمن على المهندس المسؤول: عليك بجليه، واللحاق بي الى مكتبي.. قال المهندس لخلف: أي مجنون أنت؟ خذ هذه الورقة لتخرج من الباب الرئيس، فلو أخذتك إليه فلاأعلم أي مصير ينتظرك. وأسرع خلف هاربا، وبقي لشهر ونصف في قريته حتى أرسل إليه المهندس إنه تمكن من طي المشكلة، وعاد خلف، فتلقاه أحد الأسطوات: أين كنت ياخلف؟ فقال: وجدت عملا في شركة إسمها (النوم العميق) وقد مللت من شغل القصور. فقال الأسطة: ياريت تاخذني للشركة معك، فأنا ايضا مللت.
مهداة الى العاطلين عن العمل.