على عكس رغبة دول الحصار في بسط مزيد من العقوبات على “قطر” وفرض كثير من النفوذ عليها، بل وصل الأمر إلى الاستعداد لتغيير نظام الحكم فيها، لتأتي “واشنطن” بقرارات في غير اتجاه السياسة المتوقعة، بعد صرف مليارات الدولارات من الدوحة لاسترضاء الرئيس الأميركي “دونالد ترامب”، والوصول لجماعات ضغط نافذة داخل واشنطن ذات تأثير على إدارته، واستمالة وزير خارجيته “ريك تيليرسون” لصالحها.
إيقاف التدريبات العسكرية مع دول الخليج..
إذ فجأة يُعلن إيقاف الجيش الأميركي تدريبات عسكرية مع دول الخليج، وهو قرار له ما قبله وما بعده ويأتي في سياق أزمة خليجية غير مسبوقة.
وبالرغم من أن كلام المتحدث باسم القيادة المركزية المشتركة “جون توماس” بدا مقتضباً وبلا تفاصيل وافية، إلا أن الرسالة كانت واضحة لأطراف الأزمة وتحديداً دول حصار قطر.
الحجة.. مفهوم المشاركة الجماعية والمصالح المشتركة !
إذ رسمياً، عبر المتحدث عن قرار وقف التدريبات، التي استمرت بشكل منتظم منذ العام 1999، قائلاً: “قررنا عدم المشاركة في بعض التدريبات العسكرية من منطلق الاحترام لمفهوم المشاركة الجماعية والمصالح الإقليمية المشتركة”، مضيفاً: “سنواصل تشجيع كل الشركاء على العمل سوياً نحو التوصل إلى حلول مشتركة من أجل الأمن والاستقرار في المنطقة”.
إنها إذاً الأزمة الخليجية التي دفعت الولايات المتحدة إلى اتخاذ هذا القرار، حسب تلميح المسؤول العسكري الأميركي الأقرب إلى التصريح.
ضغط أميركي للجلوس حول طاولة المفاوضات..
في سياق القرار والتعليق عليه، لم يجد المستطلعون من المحللين والمتابعين مفراً من قراءته باعتباره ضغطاً أميركياً على دول الحصار لحملها على الجلوس إلى طاولة التفاوض وحل هذه الأزمة، التي خرجت إلى العلن في الخامس من حزيران/يونيو من العام 2017.
الحصار يُفقد واشنطن نفوذها بالمنطقة لصالح موسكو..
أزمة باتت واشنطن تراها غير ضرورية، وهي التي بدأت عملياتها في المنطقة تتضرر فيما يبدو بسبب تداعياتها، بل وصل الأمر سريعاً إلى اتجاه العديد من دول المنطقة إلى موسكو والتقرب من الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين”، في مقابل الابتعاد شيئاً فشيئاً عن الإدارة الأميركية وتهديد مصالحها ونفوذها بالمنطقة.
كما يأتي القرار الأميركي ذو الصبغة العسكرية في إطار الرد على جولة الملك السعودي “سلمان بن عبد العزيز”، الأولى لملك سعودي إلى روسيا، وإعلان بلاده عن عقد صفقات ضخمة واتفاقات تعاون وإقامة مشروعات روسية ضخمة على أرض المملكة، ما يعني مشاركة موسكو في كعكة أميركا بأهم دولة خليجية
بالمنطقة، وهو الأمر الذي لن ترحب به أميركا على طول الخط !
البنتاغون يوقف مناورات “حسم العقبان”.. الكويت نزعت يدها !
من التدريبات التي يرشح أن يشملها قرار وزارة الدفاع الأميركية “البنتاغون”، تدريب “حسم العقبان”، والذي أقيم آخر مرة في دولة الكويت خلال شهر آذار/مارس 2017.. وتعد عملية تدريبية هي الكبرى في إطار التعاون العسكري الأميركي الخليجي في هذا المجال، وربما إيقافها يأتي بعد أن أبلغت الكويت واشنطن مغالاة دول الحصار في معاقبة قطر، وأن الأمر كيدي وصل إلى مرحلة العناد وربما كاد يصل إلى تغيير الحكم في الدوحة بالقوة، ما اضطرها إلى نزع يدها عن محاولة تقريب وجهات النظر والمصالحة والتهدئة التي تبنتها منذ الأزمة.
ظلت هذه التدريبات تجرى سنوياً على مدى 14 دورة، ترسل فيها عادة دول “مجلس التعاون الخليجي” قوات إلى جانب القوات الأميركية لمحاكاة العمل كقوة متعددة الجنسيات في المعركة.
تداعيات على نشاط العمليات الأميركية العسكرية في المنطقة..
بتوقف تدريبات بهذا الحجم، تثور تساؤلات بشأن تداعيات الأزمة الخليجية، على العمليات العسكرية التي تخوضها الولايات المتحدة الأميركية ضمن التحالف الدولي في منطقة الشرق الأوسط ضد تنظيم “داعش” في العراق وسوريا، بل ونشاطها في كامل المنطقة حتى أفغانستان !
القيادة المركزية الأميركية تشمل 20 دولة في الشرق الأوسط وجنوب ووسط آسيا، لكن الخليج هو مركز الأسطول الخامس، وفي قطر توجد “قاعدة العديدة” العسكرية الأميركية الجوية الأكبر والأهم للحملة ضد تنظيم “داعش”.
شعور بالإحباط لدى الإدارة الأميركية.. وصبر واشنطن نفذ !
يصف أحد المحللين من معهد “جيمس بيكر” الثالث للسياسات العامة، هذه الخطوة من القيادة المركزية بأنها ورقة ضغط للتعبير عن شعور الإدارة الأميركية بالإحباط، وبأن الأزمة لا داعي لها وبأنها تلهي عن القضايا الإقليمية الأكثر إلحاحاً.
المحلل أوضح أنه من المحتمل أن يكون القرار مؤشراً لشركاء الأمن القدامى والجدد للولايات المتحدة بأن صبر أميركا على هذه المشاحنات في الخليج ليس بلا حدود وأنه يقترب بسرعة من نهايته !