علاقات تركيا والغرب ما بعد الانقلاب
بقلم : د.فاضل البدراني
آخر الاجراءات التي اتخذتها القيادة التركية في 20 تموز 2016،هي اعلان حالة الطواريء لمدة ثلاثة أشهر وسط انتقادات من دول غربية،أشرت لملامح مرحلة جديدة من العلاقات الغربية- التركية تتسم بالبرود وانعدام الثقة من طرف الأخيرة،وأصبح الجدل قائم بين طرفي خلاف حول حكم دكتاتوري في تركيا أسس له أردوغان ،وبين رأي آخر يصف هذا النظام بتجربة حكم اسلامي ديمقراطي يخطو بخطوات متسارعة نحو التنمية والبناء والنماء.
ووسط هذا الجدل القائم منذ بداية انقلاب الجمعة العسكري في 15 تموز 2016،جاءت قرارات الحكومة التركية باعلان حالة الطواريء لأمر يكشف عن مستوى المراهنات والتحديات المستقبلية،ولطبيعة المواجهة مع خصوم داخليين وخارجيين شرسين لتركيا،ويبدو أن اجراءات قانون الطواريء ستتطلب من كل مواطن تركي حمل الجنسية او البطاقة الشخصية التعريفية ومتابعات أمنية سيكون للشرطة فيها دور الطرف الموثوق منه لموقفها الذي افشل الاحتلال،وكذلك استنفار كل الامكانات العسكرية والامنية التي سيكون للجهد الاستخباراتي دور في ادارة البلد وتدخلهم بكل مفاصل الحياة فضلا عن اجراءات احترازية ستتخذ في التعامل مع البلدان الغربية، فالأتهام موجه للولايات المتحدة الاميركية وروسيا فضلا عن بلدان في المحيط الاقليمي،وهذه المعلومات تعامل بها الأعلام التركي عبر مقالات وليس بأخبار وتقارير مسنودة لمصادر سياسية أو مخابراتية تركية.ومن المعطيات الحالية واضح أن المرحلة المقبلة ستشهد فتورا في العلاقات التركية الغربية ومنها الأميركية الى جانب الفرنسية التي تشهد توترا حتى قبل الانقلاب العسكري على خلفية تفجيرات مدينة نيس، فالرئيس أردوغان خلال كلمته عند اعلان حالة الطواريء أظهر عتبا كبيرا حيال الغرب “أقول لمن ينتقد الجمهورية التركية أن لا حق لهم بانتقادها،هم كانوا صامتين حين إعلان الطوارئ في الدول الاوربية / شعبنا قادر على تقرير مصيره ولا نحتاج لأي أحد، نحن نعمل على مكافحة الإرهاب ” وربما وضع نهاية لحلم بلاده بالدخول الى الاتحاد الأوروبي عندما استهان به وقال “أن هناك تقييمات لدولتنا من الاتحاد الأوروبي، لا ننتمي للاتحاد الأوروبي ولا حق لهم في تركيا “.
تركيا بعد الانقلاب العسكري فقدت الثقة بالجيش وان اغلب الاعتقالات طالت ضباط كبار ورتب مختلفة وجنود من الجيش ،وبحسب المتابعة فأن اجراءات جديدة ستشهدها المؤسسة العسكرية ومنها اعادة الصلاحيات لوزير الدفاع الذي كان منصبه شرفيا، بينما يتمتع رئيس الاركان بالصلاحيات العسكرية الواسعة،وهو يأتي بالمرتبة الرابعة في قيادة البلد ضمن تقاليد وضعها مؤسس تركيا الحديثة مصطفى كمال أتاتورك،والذي يثبت التوجه الجديد للدولة من الجيش أن الرئيس أردوغان ذكر في كلمته بان “الانقلاب العسكري نفذته مجموعة خائنة من الجيش حاولت تنفيذ الانقلاب، واستهداف الشعب والقصر الجمهوري، لكن الشعب وقوى الأمن الداخلي قاموا بإفشال المحاولة.
ربما ردة الفعل التي خلفها الانقلاب لدى أردوغان أن يتخذ قرارات جعلته يقترب من الدكتاتورية، لكن سجله في ادارة البلاده منذ 2002 ولحد يوم الانقلاب في 15 تموز 2016 وحسب الأحصائيات يشير الى ان الناتج المحلي الإجمالي ارتفع من 230 مليار دولار، 800 مليار دولار مع نهاية 2015، كما ارتفع دخل الفرد من ألفين و500 دولار إلى 10 آلاف و500 دولار في نهاية 2015، وارتفع احتياطي البنك من 26 مليار دولار في 2002 إلى 130 مليار دولار مع نهاية 2015، فضلا عن بتسديد 23.5 مليار دولار من ديون البنك الدّولي.
ان هذه الانجازات المتنامية لتركيا في ظل حكم أردوغان لن تجعل الغرب يسكت عنها، لذلك من الطبيعي ان تعاني هذه الدولة في المرحلة المقبلة حصارا سياسيا واقتصاديا حادا من الغرب، ناهيك عن ابعادها عن حلم الانضمام للاتحاد الاوروبي الذي رفضه أردوغان نفسه عقب الانقلاب، والهدف المركزي من هذا كله هو القضاء على نموذج الحكم الأسلامي الديمقراطي والعودة بتركيا للعلمانية الاتاتوركية العسكرية،ولربما سيؤدي توجه الغرب أيضا الى فرض حصار سياسي وأقتصادي أيضا على ايران لأجل ابقاء( تركيا وايران)خطان مستوازيان متساويان في القوة والضعف في المنطقة.