انه الجيش البائد ..انه الجيش المنحل ..انه الجيش المغدور ..انه جيش جعفر العسكري ونوري السعيد وعبدالكريم قاسم وعبدالجبار شنشل وعدنان خيرالله وسلطان هاشم…انه الجيش الذي هجم بلواء المدرع العاشر على الفرقة العاشرة الذهبية الإيرانية وأخرجها من الخدمة بيومين …أنه الجيش الذي انتصر على دولة هي ثلاثة اضعاف العراق في كل حسابات القوة ..انه الجيش الذي دخلت الحروب فيه وأنا برتبة ملازم اول وانتهت حروبه وانا لواء ركن وهناك ثماني سنوات فوق الرتبة لأن الفرقاء في الجيش هم فقط معاونو رئيس الأركان وقادة الأسلحة ورئيس جامعة البكر ..كانت رتبة مقدسة لا يحصل عليها من يشغل منصب مدير مكتب الوزير وكذلك من هو بدون منصب كما حصل بعد حل الجيش الى يومنا هذا.
جيش كتب عليه القتال كل هذا الزمن وهو كره له …ماذا يعني ذلك؟؟ انه يعني مواجهة الموت وترك الاهل مع قلقهم ورعبهم والعيش في الملاجئ والانفاق ومواجهة القوة الجوية الكونية دون قوة جوية ودفاع جوي .. انه تحمل 105 الاف طلعة جوية معادية في حرب واحدة وتحمل أخطاء السياسة في حروب عدة فمرة وضعته في حرب مع العالم كله والأخرى مع ثلاث دول عظمى. وقبلها دخول الكويت الشقيق هل كان لهذا الجيش او أي جيش آخر خيار في خوض الحرب من عدمه ، وهل كان لهذا الجيش ان يرفض التنفيذ ؟؟
وهل كان لأقدر السياسيين الحاليين ان يرفض التنفيذ لو كان ضابطا في ذلك الوقت؟ وهل رفض ضباط الجيش الحالي امرا في ذلك الوقت ام كانوا ينوطون ؟ خصوصا ان وصية سلطان هاشم لأهله تقول انه استلم مبلغا من الرئاسة هدية للسيد عبود قنبر وعليهم دفعها له .. لولا ضيق المجال لذكرت لكم حالات التكريم التي حصل عليها اكثر الضباط شرفا اليوم القى ديغول كلمة تخرج الكلية العسكرية الفرنسية وكانت من خمس كلمات ((اخترتم ان تكونوا عمالقة صامتون)) وعنما سئل عن معناها قال ان أي واحد منهم سيقود أربع دبابات فتخيلوا ماذا يمكنه ان يفعل بنا اذا نزل بها الى الشانزليزيه ولكنه صامت وينفذ اوامرنا نحن الذين لا نمتلك حتى مسدس …
وهذا ما ينطبق على الجيش السابق والحالي فهناك الزركة والتيار الصدري في البصرة والحويجة وتحرير مدينة الرمادي والمدينة القديمة بتدميرهما فكلاهما منفذان فقط لأوامر الساسة ولذلك اتفق الإعلان العالمي لحقوق الانسان والدستور العراقي النافذ على ((لا جريمة الا بنص ولا حكم الا على الفعل الذي كان يعد جريمة وقت اقترافه )) ولعله من الواضح ان كل اعمال الجيوش لم تكن تعد جريمة بل افعالا بطولية (لدى الساسة).
سبق وأن طالب الرئيس أنور السادات بسن قانون اسمه قانون العيب وبضوئه نسأل اليوم : اليس عيبا ان يكون لنا جيش سابق وجيش لاحق كحالة غير مسبوقة حتى لدى قبائل الزولو ؟ وأليس عيبا ان نحاسب جنديا على فعل قام به تنفيذا لأوامر آمر فوجه؟؟ وأليس عيبا ان يجبر بلد ما رئيس اركان جيشه (أيا كان ولأي سبب كان) ان يمد يده في الغربة هو وأولاده بعد اغتصاب ماله ورواتبه التقاعدية ؟ أليس عيبا ان نحجز الأموال ونعود لحجزها بعد 14 عاما خلافا للدستور الذي يقول ان الملكية الخاصة مصونة ولا تجوز مصادرتها الا لأغراض المصلحة العامة (( ويحق للمالك الانتفاع بها)) أي ان حجزها محرم دستوريا ؟.
اليس عيبا ان تصدر المصالحة الوطنية أوامر بإيقاف صرف الراتب التقاعدي لضباط جيش سابق وهي مصالحة ؟ اليس عيبا ان الكثير من الجهات تصدر الأوامر بقطع الراتب التقاعدي وهي لا تمتلك الصلاحية الدستورية والقانونية حيث ان الدستور والنظام القانوني العراقي لم يخولا أي موقع بقطع الراتب ؟ اليس عيبا ان يصدر امرا بإيقاف راتب تقاعدي لضابط قبل سنوات سبع ونعود الى اصدار الامر نفسه ؟ اليس عيبا ان تصدر الدولة امرا بحرمان رضيع هو حفيد لعضو فرع من رضاعته وهو لم يسمع بالانفال والانتفاضة وتجفيف الاهوار وغيرها من الادانات غير الدستورية للجيش السابق المنفذ ؟
اليس عيبا اننا بعد أربعة عشر عاما نعود لنقول الجيش السابق في قوانينا وفي المادة 43 من مسودة قانون التأمينات الاجتماعية التي صوت عليها مجلس الوزراء مؤخرا و نحتسب خدماته التقاعدية بموجب القوانين السابقة الملغاة ودستورنا يقول ((العراقيون متساوون)).. ووزير دفاعنا المعني بالامر كان من ذلك الجيش المهني الذي لا زال يعتز به كاعتزازه بجيشنا الحالي خصوصا وانه قد بادر منذ مدة بتشكيل لجنة لدراسة الحقوق التقاعدية المغتصبة للجيش السابق وهو سيرى كيف سيضع بعض أعضاء اللجنة عراقيل لا تخطر على البال ومنهم فريقان في الوزارة.. وقفة قصيرة لنراجع انفسنا لنرى ونتأكد ان الماضوية ستجعلنا نستمر بالنظر الى الخلف وبالتالي ننسى الحاضر والمستقبل ؟
والسؤال الأخير هو الا تكفي 14 سنة من الانتقام ؟ وهل ان المصالحة ليست مطلبا شعبيا؟ وهل بقيت جهة دولية او إقليمية لم تنصحنا بالمصالحة ؟ فلنسأل : لماذا هذا الإصرار ؟