أثار مشهد استفتاء انفصال “كردستان العراق” اهتمام السياسيين والمحللين الإسرائيليين, وفي هذا السياق نشر موقع “المركز المقدسي للشؤون العامة والدولة”، مقالاً للخبير الإسرائيلي “بنحاس عنبري” الباحث في الشؤون العربية, يتناول فيه التداعيات الإقليمية الخطيرة لانفصال أكراد العراق.
الأكراد عازمون على الانفصال..
في البداية يوضح “عنبري” إن أكراد العراق أجروا يوم الإثنين الماضي استفتاء تقرير المصير، بعدما أجرى أشقاؤهم أكراد سوريا انتخابات المجالس المحلية. وفي واقع الأمر يتصرف الأكراد بشئ من الحذر لعدم إثارة الأطراف الإقليمية, ويؤكدون عدم اعتزامهم اتخاذ خطوات أحادية الجانب للانفصال عن العراق أو سوريا. كما يؤكد أكراد العراق على أنهم سيجرون مفاوضات مع بغداد بشأن الانفصال, فيما يقول أكراد سوريا إنهم يسعون لإقامة نظام فيدرالي داخل الإطار السوري. ولكن بحسب الكاتب الإسرائيلي فإن جيران الأكراد المتمثلين في إيران وتركيا ونظام “الأسد” يدركون أن هدفهم المنشود هو الانفصال عن تلك الدول.
خطوات عقابية لمعاقبة الاكراد..
يضيف الكاتب الإسرائيلي أن إيران اتخذت بالفعل إجراءات عقابية ضد أكراد العراق، حيث أغلقت الحدود مع إقليم كردستان الذي يتمتع بحكم ذاتي برئاسة “مسعود بارزاني”, فيما تلوح تركيا بالتهديد وتجري مناورات عسكرية بالقرب من حدود كردستان, أما “الأسد” فقد أرسل بعض القوات باتجاه الأكراد في سوريا لإظهار رفض النظام لتطلعاتهم القومية.
ونوه “بنحاس عنبري” إلى أن الخوف من قيام دولة كردية كان ينتاب كل من إيران وتركيا وسوريا طيلة فترة اتفاقية “سايكس بيكو”، لا سيما أن الأكراد منتشرون في مناطق شاسعة في سوريا وإيران وتركيا, وقيام دولة كردية يعني إلحاق الاضرار البالغة بالترابط الديموجرافي والإقليمي لتلك الدول الثلاث.
الانقسام بين الأكراد..
أشار الكاتب الإسرائيلي إلى أن مشكلة الأكراد كانت تكمن أيضاً في أن “النظام العالمي”، الذي كان يدافع عن “سايكس بيكو” قد وقف ضدهم, بينما كان الأكراد أنفسهم يعانون من الانقسام الداخلي الذي ما زال يُعيقهم حتى الآن. فمثلاً لم يتمكن أكراد سوريا والعراق من إقامة تعاون بينهما, لأن النظام الذي يرأسه “بارزاني” يمثل النظام التقليدي المحافظ الخاص بالعشائر القديمة, بينما يمثل النظام الكردي في سوريا التيار الماركسي الثوري لـ”حزب الاتحاد الديموقراطي” الــ PYD, الذي كان على علاقة بالحركة الراديكالية المحظورة في تركيا وهي “حزب العمال الكردستاني” الــ PKK.
لذا ففي حين اعتبر نظام “بارزاني” تركيا سنداً له، فإن “حزب الاتحاد الديمقراطي السوري” الـ PYD كان يمثل تهديداً لتركيا, وكان الهدف الأول للجيش التركي الذي تدخل في سوريا هو منع الأكراد هناك من التقدم نحو شاطئ البحر المتوسط. فيما كان هدف القوات العسكرية الكردية هو الوصول إلى ساحل البحر المتوسط من أجل تحقيق إنجاز استراتيجي يمكن أن يؤدي إلى وقف الاعتماد على تركيا.
الموقف التركي..
لقد حاولت تركيا بكل ما أوتيت من قوة الوقيعة بين أكراد سوريا وأشقائهم في العراق. ففي حين أرسلت أنقرة جيشها لوقف تقدم الأكراد في سوريا, نجد أنها اعترفت جزئياً بانفصال “إقليم كردستان العراق”. وخلال زيارة “بارزاني” الأخيرة لأنقرة كانت أعلام كردستان، وليس أعلام العراق، هي التي في استقباله. ويبدو أن استفتاء كردستان لن يؤدي إلى أي تحرك عسكري تركي في العراق. فربما يشعر “أردوغان” بالقلق من أن أي صدام مع أكراد العراق قد يؤجج مشاعر الغضب لدى المواطنين الأكراد داخل تركيا.
ويرى عنبري أن روسيا هي الطرف الوحيد القادر على منع أي عملية عسكرية تركية داخل العراق, في ظل إلتزام الرئيس “بوتين” بالحيطة والحذر في هذا الشأن. ولقد أُعلن في هذه الآونة تحديداً عن أن شركات روسية قد وقعت صفقات نفطية مُنفصلة مع كردستان العراق، وأن المنفذ لتلك الصفقات هو ميناء “جيهان” التركي. وهنا يتساءل الكاتب الإسرائيلي عما إذا كان “أردوغان” سيراعي مصالح روسيا في كردستان العراق التي يستفيد منها هو أيضاً ؟.
الأكراد يريدون جني ثمرة محاربة الإرهاب..
يوضح الكاتب الإسرائيلي أن الأكراد في العراق وسوريا كانوا يمثلون رأس الحربة في الحرب على تنظيم “داعش” في البلدين, وهم يشعرون أنه بعد محاربتهم للتنظيم الإرهابي يجب أن ينالوا الاعتراف بحقهم في تقرير المصير. ولقد تقرب أكراد سوريا كثيراً إلى الولايات المتحدة الأميركية خلال الحرب على تنظيم “داعش”, ولكن الخارجية الأميركية التي مازالت ملتزمة باتفاقية “سايكس بيكو” تعارض حالياً استقلال كردستان، وهو ما يُحدث حالة من الإحباط الشديد لدى الأكراد.
وفي الختام نوه “بنحاس عنبري” إلى أن السعودية لم تعلن عن موقفها حتى الآن من الملف الكردي، ومن الواضح أنها لن تبدي موقفها إلا بعد التشاور مع الرئيس الأميركي “دونالد ترامب”.