خلص بحث أميركي إلى إن إيران بدأت تجنيد وتدريب وتجهيز مقاتلين شيعة أجانب من لبنان والعراق وأفغانستان وباكستان، فيما تتزايد قدراتهم وبشكل مطرد، وصولاً إلى إستخدامهم من قبل طهران في فرض هيمنتها على منطقة الشرق الأوسط.
ويوضح البحث، الذي أجراه (مركز محاربة الإرهاب) التابع لكلية “ويست بوينت” العسكرية الأميركية الشهيرة؛ ووضعه الباحثان “كولين كلارك” و”فليب سميث”، مشاركة مقاتلين شيعة أجانب في النزاعات داخل جميع أنحاء المنطقة، بما في ذلك “اليمن وسوريا والعراق”. وهناك أدلة على قيام قوات “الحرس الثوري” الإيراني بتوفير التدريب لتحويل هؤلاء المقاتلين إلى قوة محترفة تابعة للميليشيات العابرة للحدود الوطنية، على غرار “حزب الله” اللبناني، مشدداً على إن إضفاء الطابع الرسمي على هذه الشبكات وتوسيع نطاقها، يوصل إلى تفاقم التوترات الجيوسياسية والطائفية في جميع أنحاء المنطقة.
وفي هذا الصدد يبين الباحثان ما وفرته الحروب في سوريا والعراق لإيران من فرص لإضفاء الطابع الرسمي على شبكات المقاتلين الأجانب الشيعة وتوسيع نطاقها في جميع أنحاء المنطقة، وهي مستعدة للقتال جنباً إلى جنب مع القوات والمستشارين الإيرانيين. وفي الوقت نفسه، تم إصلاح الشبكات “الخمينية” الأفغانية والباكستانية لتزويد الآلاف من المقاتلين الذين يمكن إستخدامهم كقوات صدمة في ساحات القتال الممتدة من الشرق الأوسط إلى جنوب آسيا، وفق برنامج يشرف عليه “قاسم سليماني”، قائد الحرس الثوري.
ويرى البحث الأميركي أن شبكة المقاتلين الشيعة الأجانب ليست ظاهرة جديدة، فهي تتصل بالروابط الإيرانية مع “حزب الله” اللبناني خلال ثمانينيات القرن الماضي، حين تم نشر 1500 من أفراد “فيلق القدس”، التابع للحرس الثوري الإيراني، من ساحة المعركة بين إيران والعراق إلى منطقة البقاع الشرقية لتوفير الدعم لميليشيات شيعية ضمن أبواب التجنيد والغرس الإيديولوجي والتدريب العسكري، لكيفية إجراء إستطلاع فعال، وجمع المعلومات الإستخباراتية، ومعرفة أساليب التفجيرات الإنتحارية.
إن التدريب الذي قدمه “الحرس الثوري” الإيراني لـ”حزب الله” لم يحسّن بشكل كبير القدرة التشغيلية للجماعة الشيعية فحسب، بل “وفر أيضاً لحزب الله الخبرة اللازمة لتدريب جماعات إرهابية أخرى، بما في ذلك حركتا حماس والجهاد الإسلامي الفلسطيني”، كما عمل “حزب الله” مع “الحرس الثوري” الإيراني على تدريب المقاتلين الأجانب الشيعة في مجموعة من تكتيكات لحرب العصابات وتقنيات الحرب غير النظامية، فيتم اختيار المجندين من ذوي الخبرة لتدريب أكثر صرامة في محاولة لإنتاج وحدات متخصصة عالية الكفاءة وقادرة على محاربة القوات الحكومية وغير الحكومية على حد سواء.
شبكة موسعة..
بحسب البحث الأميركي، فقد بات حزب الله “محور شبكة المقاتلين الأجانب الشيعة”، وكانت قواته واحدة من أكثر القوات المقاتلة فعالية على أرض الواقع في سوريا، رغم تعرضها لخسائر كبيرة، ومع ذلك، فقد عمل “حزب الله” على تجنيد عدد كبير من المقاتلين من داخل سوريا ولعب دوراً قتالياً حيوياً إلى جانب نظام “الأسد”، فتلك المجموعات الشيعية كانت إلى حين قريب، هي من يستعيد الأراضي؛ بينما يدافع النظام عن القرى والمدن الرئيسة.
وثمة نقاط إلتقاء كثيرة يجري تطويرها، مدعومة بالحرب الأهلية السورية، التي كانت بمثابة أرضية اختبار حقيقية لهذه الجماعات (الشيعية) الناشئة. وقد لعبت العديد من الجماعات المقاتلة العراقية البارزة دوراً هاماً في سوريا، وبعد أن فقد تنظيم “داعش” مساحات واسعة من أراضيه وأنترعت منه أبرز المناطق في شمال البلاد وغربها، فإن قادة الميليشيات الشيعية العراقية باتوا في وضع يسمح لهم بإرسال مقاتلين إلى سوريا لمساعدة نظام “الأسد”.
وعلى الرغم من الدلائل على وجود إنقسامات داخل العناصر القيادية لبعض جماعات الميليشيات الشيعية العراقية، غير إنها توسعت وما زالت تتعاون داخل شبكة المقاتلين الأجانب، ففي أوائل عام 2013، انفصلت الميليشيا الشيعية العراقية “كتائب سيد الشهداء” عن “كتائب حزب الله” و”حركة حزب الله – النجباء” عن “عصائب أهل الحق”، ومع ذلك، قاتلت المجموعة الأخيرة دفاعاً عن نظام “الأسد”.
وفي سوريا، كان “لواء أبو فضل العباس” أول محاولة رئيسة لنظام “الأسد” لإنشاء ميليشيا شيعية خاصة به، تستند إلى حد كبير إلى نموذج “حزب الله”، وحصلت منه على مساعدة في تشكيل مجموعات أخرى من قبيل “قوات الإمام الباقر”، وقاتلت تلك المجموعات جنباً إلى جنب مع الجماعات الشيعية المدعومة من إيران.
وكان “تنظيم الشهيد محمد باقر الصدر”، وهو أحد أقطاب “منظمة بدر” العراقية الموالية لإيران، قد استخدم بين عامي 2013 و2015، حين توجهت وحداته الإستطلاعية من الشيعة العراقيين إلى سوريا، كما ساعدت “بدر” على تدريب الميليشيات الشيعية السورية، وتحويلها إلى وحدات إستجابة سريعة متنقلة، على غرار وحدات صغيرة من “حزب الله” اللبناني.
مزيج من المال والراديكالية..
قد أجبر الصراع في سوريا، نظام “الأسد”، على البحث عن مقاتلين من الشيعة أبعد من دول المنطقة المعنية مباشرة بالصراع، فسهّلت الروابط الإيرانية مع اللاجئين الأفغان، ولا سيما آلاف الأفغان الذين يعيشون كلاجئين في إيران، على تجنيدهم. ومع إقتراب الصراع في سوريا من هوية طائفية واضحة، فإن رغبة “الأسد” وحلفائه كانت في توسيع المقاتلين لتمتد إلى كل من شيعة أفغانستان وباكستان، الذين قاتلوا إلى جانب اللبنانيين والعراقيين، ويتراوح عددهم، بحسب المؤسسة البحثية الأمنية الأميركية، بين 10 آلاف و12 ألف مقاتل، شاركوا في أعمال قتالية كبرى في “حلب ودرعا ودمشق واللاذقية ومنطقة القلمون”.
وتشير بعض التقارير إلى أن مئات من الشيعة الأفغان (الهزارا)، قد لقوا مصرعهم في القتال داخل سوريا. وهؤلاء المقاتلون يندفعون بتأثير مزيج من المال والراديكالية، فبدأ تجنيد الشيعة الأفغان من مخيمات اللاجئين في إيران، وسمح بمشاركة المجرمين منهم في حماية الأضرحة الشيعية.
وتشير المعلومات الواردة من سوريا إلى أن المقاتلين الأجانب الشيعة الباكستانيين يقاتلون الآن في وحدتهم المتميزة في سوريا “لواء زينبيون”، بدلاً من دمجهم مع وحدات أخرى، كما كانوا في وقت مبكر من الصراع. وإبتداء من عام 2013، سافر شيعة باكستانيون إلى سوريا، وبأعداد كبيرة، بعد أن نظمت مواقع باللغة “الأردية” على صفحات التواصل الاجتماعي حملة لتجنيدهم وإنضمامهم إلى شبكة متسعة من المقاتلين الأجانب في سوريا للدفاع عن “مرقد زينب بنت علي بن أبي طالب” من هجمات “داعش”، وغيره من الجهات المعادية.
.. ولم تنتهي المفاجآت التي فجرها ذلك البحث المعلوماتي الأميركي، نستعرض في الجزء الثاني منها غداً..