«أيران» تملئ الفراغ العربي في العراق ؟
مرَّ العراق بأزمات كبيرة منذ التحول السياسي لما يسمى بالمشروع الديمقراطي في نيسان ٢٠٠٣ وحتى يومنا الحاضر ، وكاد المشهد في اكثر من حالة يؤدي بالعراق ارضاً وشعباً في غياهب الصراعات الداخلية والاقليمية لبسط النفوذ والاستحواذ طمعاً بخيرات البلد المعطاء .. بالمقابل وقف العالم العربي بحكوماته بين متفرجاً او عاجزاً من ان يقدم للعراق شيء ، بل الكثير منهم الغى متابعة العراق حتى من شاشات الاعلام فكان الغياب العربي الاشد والاقسى ، فقد غاب العرب عن العراق طيلة أزمته من حيث القدرة علي الفعل والتأثير وتوجية الأحداث بما يحافظ على عروبة العراق ووحدته و استقلاله وانهاء كابوس الاحتراب الداخلي والذي تجاوزها الشعب العراقي بحمد لله ، او على مستوى محاربة التنظيمات الارهابية التي لازالت تهدد المجتمع العراقي ، كما استطاع الشعب العراقي بكل مكوناته ان يتلاحم ويتوحد من اجل تحقيق النصر على داعش وتم ذلك والحمد لله .. ومع كل ذلك غاب العرب عن الفعل والتأثير في رسم مستقبل العراق والحفاظ على عروبة هويته ، وأيا” كان سوف يؤثر وبقوة على مستقبل الكثير من القضايا العربية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية ، وسيؤثر أيضا” وهو الاهم على الاستقرار والتوازن الاقليمي في خارطة توازن القوى الاقليمية وتشكيل انماط التحالفات والعلاقات.
عراق اليوم مُختلف تماماً عن عراق ٢٠٠٣ حيث نضجت تجربتهِ الديمقراطية وترسخت دعائمها بما يضمن عملية سياسية مبنيَّة على قبول الأخر وحلّ المشاكل بما يتناسب وترسيخ السلم المجتمعي .
أذا” علينا الأعتراف بأن هناك مشروعا سياسيا اقليمياً في العراق ، او في اقل احتمال تم اخيار ارض العراق لتكون ساحة للصراع الدولي – الأقليمي وخاصة بين امريكا وايران ، وان مجمل ادوار وتفاعلات ايران – الدولة- مع الازمات العراقية هو انعكاس وتعبير مباشر للرد على المشروع الأمريكي في العراق .. فايران تعاملت مع العراق وفقا” لمصالحها وتمددت لكي تَخلق لها دور فاعل وموطئ قدم متقدم ، وهو ما لا يعتبر خطأ في نظرية الصراعات الدولية او عيب ان تبحث ايران عن امنها القومي والغذائي خارج حدودها ، وبالتالي لا بديل عن العراق ليكون ممر الاثنين في ظل تداعيات الاحداث المتسارعة في المنطقة !!!
والسؤال المهم ؛ ما الممكن ان يستفاد العراق من هذا الصراع ؟ وهذا مايجب ان يخطط له ساسة العراق لإستثمار تلك الصراعات وجعل العراق المرتكز الرئيسي والمحور الفاعل باعتدال لأدارة الصراعات الاقليمية بحيادية كاملة وبما يخدم ويحفظ مصالحنا ويُعيد العراق كلاعب محوري له دورهُ الريادة التاريخي .
تأريخياً ومنذ عام ١٩٧١ اختارت امريكا العراق ليكون دولة مصد لتمدد شاه أيران عندما انسحبت بريطانيا من الخليج العربي وليستمر هذا الدور الى مابعد سقوط الشاه وقيام الجمهورية الاسلامية في ايران ، فلقد كانت الدول العظمى تسعى لخلق حرب في المنطقة تستنزف دولها اقتصادياً وتدمر امكانياتها العسكرية فكانت حرب الثمان سنوات بين العراق وايران والتي لم تُغلب بها لغة العقل ولم تحظر فيها علاقات حُسن الجوار بل كانت عبارة عن افعال وردود افعال قتالية استنزفت قوى البلدين ، وقد نجحت القوى العظمى في حفر اخاديد من الحقد والكراهيه بين بلدين جارين مسلمين وعندما عادت امريكا الى المنطقة لضرب العراق واسقاط نظامه وقفت ايران مثلما وقف العرب موقف “المتفرج ” او “الذي يشعر بالفرح ” كون عدو الامس يدمر اليوم على ايدي الامريكان ، وتناست تلك الدول عندما يكون لامريكا موطئ قدم في المنطقة فأن المنطقة برمتها ستكون قلقة ، و هكذا تُحافظ امريكا على مصالحها وأمنها القومي كم تدعي .
لقد تحوّل العراق بفعل تجاوزه الازمات الى دولة استقطاب وانفتحَ على العالم بعلاقات متوازنة ، بل واصبح قبلة لكثير من الدول التي تجد ان العراق دولة محورية مهمة لابد المرور بها للوصول الى التسويات الاقليمية والسلام الدائم ، فكانت الزيارات المتكررة من قبل قادة الدول تعطي اشارة واضحة لاستعادة العراق عافيته واهميته ، وما زيارة القادة العرب والمسؤولين الامريكان الا دلالة على اهمية العراق والدور الذي يجب ان يستعيده بجدارة في ادارة الازمات على مستوى الاقليم الجغرافي ، وهذا ما أكدته الزيارة الجارية للرئيس الايراني الاخيرة للعراق والتي استوقفني فيها مجموعة نقاط سياسية يجب الانتباه لها كي لانقع في شرك الخطأ واعطاء صورة الضعف والتشتت للعراق :
اولاً ؛ علينا ان نستقبل الرئيس الايراني بروتكولياً ولمرة واحدة من قبل نظيره العراقي رئيس الجمهورية ، اما ان نجري الاستقبال مرتين اعتقد يعطي صورة مشوهه للمضيف .
ثانياً ؛ ان يستقبل الضيف كل الرئاسات والوزراء وشيوخ العشائر ورجال الدين تعطي صورة ان الاختلافات المتجذرة في الرؤى لدى العراقيين بحاجة لان تجبر الضيف على استقبال الجميع لكسب تفاعلهم معه .
ثالثاً ؛ هل يسمح لمسؤول عراقي ان يتصرف على شاكلة الرئيس الايراني في ايران ، اعتقد الجواب كلا .
رابعاً ؛ لو كان الضيف احد قادة الدول العربية هل كان من المسموح له ان يتصرف بهذه الطريقة ؟
انا اقدر حجم احترام المسؤولين الايرانيين لبلدهم واخلاصهم وتفانيهم من اجل خدمة ايران ، وعلينا ان نتعلم منهم حب الوطن والعمل الدؤوب من اجل خدمة العراق وشعبه ، علينا ان نتعلم من الايرانيين الدروس تلو الدروس على جميع المستويات في ظل غياب عربي غريب ، وغداً يحدثوننا العرب عن سر علاقتنا بإيران وتقاربنا معها .. الايرانيون محنكون واصحاب حكمة ونفس طويل ينسجون السجاد بسنوات ويبيعونه باغلى الاثمان جهودهم غالية ومثمرة لبلدهم ، والعرب نفسهم قصير يتركوننا في وسط الامواج ثم يباركون لنا النجاة – ان نجونا – ،
فالعراق طوق نجاة المنطقة ومفتاح استقرارها ومن يبحث ان يكون جزء مهم من لعبة التوازن الاقليمي عليه ان يختار العراق طريقاً له ان كانت دولة عربية او اقليمية ، فالعراق المحور المهم في الاقليم ونهض من جديد دون الاتكاء على احد بعد ان توكل على الله وعلى تضحيات وصبر شعبه الابي وجهود اخياره من النخب والكفاءات ليشكل نواة التوازن الاقليمي ومركز قوتها .
بقلم /كامل كريم الدليمي