جريدة الرياض
عملية المراجعات الفكرية وتفكيك التابوهات، وإخضاع الأوثان إلى محاكمات جماعية، واستدناء جميع المغيب والمسكوت عنه في الثقافة، باتت سمة وطنية تتميز بها المرحلة.
ونحن لانزعم تلاشي السقوف أو الخطوط الحمراء، ولكن لانستطيع أن ننكر بأنه تم مراجعة الكثير من البنى المغلقة على يقينها، مع عملية إحلال واستبدال متصل لكل ما هو متطرف عنصري طائفي بمكون إنساني عصري، لتصبح عندها وحدتنا الوطنية قداسة تعلو ولا تعلى.
عملية المراجعة طاولت الكثير من الجهات بما فيها المؤسسة الدينية، حيث تم فرز المحرضين والأمميين وأصحاب الأجندات الخارجية بصورة صريحة، تم مناقشة الكثير من الفتاوى التي لاتتواءم مع العصر والاحتفاء بفقه الاختلاف، كما تم أيضا تفعيل وتطوير تنظيمات إدارية جديدة داخل تلك المؤسسة تجعلها أكثر ديناميكية وحيوية.
بالتأكيد كان للأقلام والأصوات الوطنية دور بارز في تلك المراجعات، ولكن من جهة أخرى نجد أن تلك الأقلام والأصوات تلزم السكون الكامن عندما يتطلب الأمر مناقشة متطرفي الطائفة الشيعية (وهو ما يشير إليه كل من بدر الإبراهيم ومحمد الصادق، في كتابهما المتميز (الحراك الشيعي في السعودية –تسيّس المذهب ومذهبة السياسة) الذي يفسران عبره (تسيس وتحشيد المذهب يتم عبر تحويله إلى جماعة إثنية مغلقة تعمل على التقدم بمصالحها عبر تقديم الأصل المذهبي على المواطنة القانونية الصرفة).
والكتاب بدوره يشير إلى قدرية المظلومية لدى أصحاب المذهب الشيعي كجماعة ظلمت عبر مراحل التاريخ الإسلامي، تتحكم كثيرا بتموضعاتها الوطنية.
وهو عموما كتاب مهم مميز لمن أراد أن يستوضح الكثير من الغوامض والمرمزات قبل تسطيح الحديث عن الطائفية في الوطن لاسيما أن الطائفة الشيعية لدينا تتميز بقطاع واسع من المثقفين ثقافة عميقة وشمولية، وهي حتما ترسخ وعيا إنسانيا يرفض ثقافة القمع والتخندق خلف أسوار الأقلية، بل شق الشرنقة والالتحام بالمسيرة الوطنية.
على المستوى المحلي هناك الشيخ الصفار وجهوده المميزة الدؤوبة، والطروحات الفكرية المميزة للأيقونة (كوثر الأربش)، والدور الوطني النبيل للمثقف جعفر الشايب في ثلوثيته، إضافة إلى عشرات الأصوات الوطنية التي تملأ الفضاء الإعلامي بقيم الإنسانية والعدالة.
مناهضة خطاب التطرف مسؤولية كل القوى الوطنية المستنيرة، والتي تعكس حراكا وطنيا يسعى إلى تفكيك بنى التخلف، وتتصدى لدور المثقف العضوي الذي يعلن استقلاله ومسافته المتساوية من جميع الأطراف، مع انتصاره لقيم العدالة والحرية.
لا نتوقع من رموز التطرف لدى كل الأطراف أن تفعل الكثير لأن إطارها الفكري يبقيها معتقلة داخل التكفير أو المظلوميات الكربلائية، لكن المعول في مواجهة محيط إقليمي يغلي بالتوتر الطائفي ومحرضات الفتنة، هي النخب العقلانية، في استثمار الانفراجات الصغيرة بهدف تفكيك المنظومات التقليدية التي تتخذ طابعا أبويا، والمواجهة الفكرية ضد رموز التسلط الكامنة في ثقافتنا عبر التاريخ.
كتاب (الحراك الشيعي) يصل في النهاية إلى محصلة جوهرية وهي (أهمية عدم خلط الطائفي بالسياسي، وإن الحل يتم عبر الدمج الوطني الذي يتشارك مسؤولياته الدولة والمواطنون الشيعة سويا).
خطاب الطائفية متوحش وضد القيم الإنسانية، وما لم يتصد له خطاب الأنوار والعقل وقيم الإنسانية من قلب الطائفة.. سيتولى أمره السفهاء وسيظلون يلوحون به كقنبلة موقوتة.