بالحفاظ على دور الإمارات العربية المتحدة وتنسيقه مع الجهود التركية والقطرية يمكن مضاعفة قوة الهجوم الذي تشنه الحكومة الصومالية ضد حركة “الشباب”.
بدأت الإمارات العربية المتحدة مؤخرًا بخفض التمويل الذي تقدمه إلى ألوية الجيش الوطني الصومالي، وذلك على الأرجح نتيجة استيائها من تزايد الأنشطة التركية واستمرار الأنشطة القطرية في البلاد. ويبدو أن ما أثار حفيظتها هو اتفاقية دفاع ثنائية تُلزم تركيا بزيادة دعمها العسكري للجيش الوطني الصومالي والشروع بمساندة البحرية الصومالية والمساعدة في مراقبة الشريط الساحلي في البلاد، وهذه اتفاقية من المرجح أن الإمارات نفسها كانت تطمح إليها. علاوة على ذلك، واصلت قطر تقديم دعم مالي وعسكري كبير للحكومة الصومالية بينما كانت الإمارات تأمل في أن تحل محلها في التمويل إلى جانب زيادة دعمها للجيش الوطني الصومالي في نهاية المطاف.
وتأتي الاتفاقية بين تركيا والصومال في أعقاب صفقة كبيرة أُبرمت في كانون الثاني/يناير تخوّل إثيوبيا تشغيل ميناء بربرة الذي جددته الإمارات في منطقة صوماليلاند الانفصالية، لأغراض تجارية وعسكرية. وأثارت هذه الصفقة قلق العاصمة مقديشو التي تعارض استقلالية إقليم صوماليلاند. وعلى الرغم من عدم اعتراف أي دولة عضو في الأمم المتحدة باستقلال الإقليم حاليًا، أشارت إثيوبيا إلى أنها ستذلل هذه العقبة مقابل الترتيب المتعلق بالميناء. وفي هذا الإطار، حذرت الحكومة الصومالية من أنها “مستعدة للحرب” لمنع مثل هذه النتيجة، ثم قام الرئيس حسن شيخ محمود بزيارات إلى إريتريا ومصر وقطر لحشد الدعم الدبلوماسي لقضيته.
إلا أن خفض التمويل كان مفاجئًا وسط تجدد الدعم العسكري الإماراتي للقوات الفدرالية الصومالية بعد عودة حسن شيخ الذي حافظ على علاقات وثيقة مع الإمارات، إلى السلطة. وتجدر الإشارة إلى أن حكومته تشنّ منذ آب/أغسطس 2022 هجومًا عسكريًا واسع النطاق ضد الجماعة الجهادية التابعة لتنظيم “القاعدة”، “حركة الشباب المجاهدين”، التي تسيطر على مساحات واسعة من جنوب الصومال ووسطه. وبقيادة لواء النخبة “دنب” الذي دربته الولايات المتحدة وبدعم جوي أمريكي وتركي، حررت الحكومة مناطق كبيرة في جنوب البلاد ووسطها. وفي منتصف العام 2023، أي في الفترة التي سبقت المرحلة الثانية المتوقعة من الحملة، أثبتت قوات الجيش الوطني الصومالي التي تموّلها الإمارات أنها مكوّن أساسي في القتال ضد “حركة الشباب”.
إلا أن المرحلة الثانية للجيش الوطني الصومالي لم يتم إطلاقها فعليًا حتى الآن، وذلك لأسباب تشمل عدم القدرة على الاحتفاظ بالأراضي المحررة حديثًا ونشر قوات كافية. هذا وتصبح المشكلة أكثر إلحاحًا مع سحب قوات “بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال” التي يضم عديدها 15 ألف جندي من المقرر أن يغادروا بالكامل بحلول نهاية العام 2024. ومنذ العام 2007، أدت هذه البعثة و”بعثة الاتحاد الأفريقي في الصومال” قبلها دورًا حيويًا في استعادة مقديشو وكيسمايو وغيرهما من المراكز السكانية الرئيسية من “حركة الشباب” والاحتفاظ بها. وقد أثبتت القوات الممولة من الإمارات أنها بديل واعد لقوات “بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال” المغادرة.
تزايد الانخراط العسكري الإماراتي في الصومال
يعود الانخراط الإماراتي في الحرب الأهلية الصومالية التي استمرت لعشرات السنوات إلى العامين 1993 و1994 عندما قدمت الإمارات قوات إلى العمليات الإنسانية وعمليات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة. وفي العام 2010، عاد المستشارون الإماراتيون للإشراف على إنشاء “قوات الشرطة البحرية في بونتلاند” التي تأسست لمكافحة عمليات القرصنة المتزايدة بتمويل سنوي من أبوظبي يقدّر بنحو 50 مليون دولار. وعندما انحسر تهديد القرصنة انتقلت “قوات الشرطة البحرية في بونتلاند” عمليًا إلى مهمة مكافحة الإرهاب، ما أسهم في قمع تمرد الجهاديين في جبال غلغالا بدءًا من العام 2014 وصد الهجوم البحري الذي شنته “حركة الشباب” في العام 2016 على بونتلاند وقيادة تحرير بلدة قندلا في ذلك العام من فرع تنظيم “الدولة الإسلامية” المشكّل حديثًا وتأمين المطارات الرئيسية في بونتلاند. ومع ذلك، جاءت بسالة “قوات الشرطة البحرية في بونتلاند” في مكافحة الإرهاب في نهاية المطاف على حساب مهمتها الأصلية إذ عادت القرصنة إلى الظهور قبالة ساحل بونتلاند منذ تشرين الثاني/نوفمبر 2023، في حين أن تفشي الصيد غير القانوني وتهريب الأسلحة الإيرانية استمرا بلا هوادة.
وفي السياق عينه، أنشأت الإمارات العربية المتحدة منذ العام 2010 قاعدة كبيرة لــ”قوات الشرطة البحرية في بونتلاند” في بوصاصو وزادت من وجودها الإجمالي في الصومال إذ وصل عديدها إلى 180 جنديًا. علاوة على ذلك، تبين أن المخاوف من أن تصبح هذه القوات أداة سياسية مؤذية لإدارة بونتلاند مبالغ فيها في الغالب. فقد انخرطت بشكل دوري في نزاعات سياسية، إلا أن الإمارات امتنعت عن التدخل في مناسبات مهمة مثل الانتقال الرئاسي لعام 2014 والاشتباكات بين صوماليلاند وبونتلاند في العام 2018. وإلى جانب القواعد الرئيسية في بربرة وصوماليلاند وعصب في إريتريا والتي استخدمتها الإمارات في عملياتها ضد الحوثيين في اليمن، عزز تمركزها في بوصاصو وجودها في البحر الأحمر بما أسهم في تيسير العمليات في اليمن وأيضًا في تسهيل التصدي للتهريب الإيراني.
بالإضافة إلى ذلك، بدأت الإمارات في العام 2014 بتدريب آلاف المجندين الصوماليين ودفع رواتبهم. ولكن في العام 2018 نشب خلاف مع إدارة الرئيس محمد عبد الله “فرماجو” محمد أدى إلى إنهاء البعثة، إلا أن الإمارات استأنفت تدريب مجندي الجيش الوطني الصومالي عندما عاد حسن شيخ إلى السلطة في العام 2022. ونظرًا على ما يبدو لتدخلات الإمارات، قامت “حركة الشباب” بتجنيد مجند سابق في الجيش الوطني الصومالي للهجوم على “معسكر الجنرال غوردون” في مقديشو، ما أسفر عن مقتل أربعة ضباط إماراتيين وضابط بحريني.
لقد نفذت الإمارات منذ صيف العام 2023 على الأقل ضربات بطائرات بدون طيار وقدمت الآليات والتدريب لقوات ولاية جوبالاند، التي تجمع بين زعيمها الذي يترأسها منذ فترة طويلة، أحمد محمد إسلام، وبين أبوظبي علاقات وثيقة. ومن المرجح أن الإمارات تبني حاليًا قاعدة أخرى بالقرب من عاصمة جوبالاند، كيسمايو.
وبموازاة ذلك، استثمرت الإمارات في المساعدة على إنشاء وحدة شرطة عسكرية اتحادية جديدة وعددًا من ألوية الجيش، وقدّمت حتى الآونة الأخيرة التمويل اللازم لـ10 آلاف عنصر، وقد تدربت وحدة الشرطة العسكرية التي يبلغ عديدها ما بين 3500 و4500 عنصر في أوغندا في حين تدرّب الآخرون الذين يشكلون ألوية عسكرية نظامية جديدة، في إثيوبيا ومصر. ودأبت الإمارات على إعادة تدريب الجنود المنتشرين في معسكر غوردون بانتظام وقدمت حوالي 9 ملايين دولار شهريًا لدفع رواتب الألوية الجديدة. وخلال شهر رمضان من العام الفائت، وهي الفترة التي تشهد عادةً تزايدًا في أعمال العنف الجهادي، ساعدت أنشطة وحدة الشرطة العسكرية في حماية مقديشو من الهجمات الإرهابية ما أكسبها احترام المواطنين. وقد انتقلت بعض الألوية الجديدة منذ ذلك الحين إلى ضواحي العاصمة وستشكل عنصرًا رئيسيًا في الحملة المستمرة التي تشنها الحكومة. وعلى حدّ ما أفاد به مستشار رئاسي، يشكل الدعم الإماراتي لهذه القوات جزءًا من جهود أكبر لإعداد 30 ألف جندي و40 ألف شرطي و8500 حارس سجن لتحل هذه القوات محل “بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال” وتدعم حملة الحكومة.
نموذج تدريبي إماراتي فعال
لقد فشلت بشكل عام جهود التدريب الموازية التي بذلتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتركيا وبريطانيا لأن معظم ألوية الجيش الوطني الصومالي هي في واقع الأمر ميليشيات عشائرية ملتزمة بمصالح زعمائها. وبالنتيجة، سعت وحدات الجيش الوطني الصومالي في الغالب، بصرف النظر عن جودة التدريب الذي تلقته، إلى تحقيق مصالح العشائر وتبين أنها غير فعالة في محاربة “حركة الشباب”، لا سيما خارج أراضيها. وإلى جانب لواء “دنب”، وحدها قوات “غورغور” الخاصة المدربة على يد الأتراك هي القادرة حقًا على تنفيذ عمليات هجومية، إلا أن تركيا لم تتخذ خطوات كافية لحمايتها من سوء الاستخدام السياسي. أما في حالة “دنب”، فقد التفت الولايات المتحدة حول هذه المشكلة إذ قامت بتجنيد عسكريين من مجموعة متنوعة من العشائر وإنشاء نظام قيادة وتحكم بمعزل عن السياسة وضمان تسديد الرواتب في الوقت المحدد وتدريب المجندين المنتقين بعناية على حدة، بعيدًا عن القوات النظامية.
ونفذت الإمارات تدابير مماثلة للوحدات التي تدربها، بما في ذلك تعمّد تمثيل العشائر المتعددة في صفوف المتدربين. كما أنها تعيّن قدامى المحاربين لقيادة الوحدات ومراقبة الوحدات الجديدة من خلال برنامج إعادة تدريب مستمر في معسكر “غوردون”. وأخيرًا، تقوم بدفع الرواتب في الوقت المحدد بقيمة تبلغ تقريبًا ضعف ما يتلقاه عناصر الجيش الوطني الصومالي النظامي.
تداعيات الأزمة الحالية
تُعد حاليًا القوات التي دربتها الإمارات البديل الواعد لـ”بعثة الاتحاد الأفريقي الانتقالية في الصومال”، ولذلك يهدد سحب الدعم الإماراتي بعرقلة حملة الحكومة ضد “حركة الشباب”. لا شك في أن الإمارات لديها ما يكفي من الأسباب لاستئناف التمويل بالمبالغ التي كانت تقدمها سابقًا للجيش الوطني الصومالي. تقوم “حركة الشباب” بأنشطة تمويل غير مشروعة داخل الإمارات وتستهدف عقوبات وزارة الخزانة الأمريكية بانتظام أفراد وشركات في الإمارات على صلة بالجماعة الجهادية الصومالية. ومن الجدير بالذكر أن قوات مكافحة الإرهاب الفعالة داخل البلاد توفر أفضل الوسائل لاستهداف الشبكات الشخصية العابرة للحدود الوطنية الخاصة بنشطاء “حركة الشباب”. وما يبرر أيضًا الدور الإماراتي القوي هو صلات “حركة الشباب” الوثيقة بتنظيم “القاعدة في شبه الجزيرة العربية” – العدو اللدود للإمارات – وحصول الحركة على أسحلة مهربة من إيران.
وقد بدت القوات التي ترعاها الإمارات واعدة جدًا في الوقت الذي كانت فيه الدول الأخرى تكافح بشكل عام لبناء ألوية موثوقة تابعة للجيش الوطني الصومالي. وفي الواقع، برزت الإمارات كدولة رائدة في نهج العمليات “بجانب ومع ومن خلال” [الشركاء] وبالتالي سيسهم موقف الإمارات القوي في تعزيز تركيز الولايات المتحدة على تعزيز لواء النخبة “دنب”. وعليه، من الممكن أن ينشأ نموذج “العمليات الثلاثية” في الصومال، وهو قد شهد نجاحًا في اليمن.
بالإضافة إلى إقناع أبوظبي وراء الكواليس باستئناف تمويل الجيش الوطني الصومالي بالمبالغ السابقة، يجب على واشنطن استغلال علاقاتها الوطيدة مع الخصوم الثلاثة في الشرق الأوسط في الصومال للتشجيع على تنسيق الجهود. فالإمارات وتركيا وقطر تساعد في نهاية المطاف الجيش الوطني الصومالي بطرق إيجابية. ولذلك يمكن باعتماد آلية تنسيق قوية، ربما مركز عمليات مشتركة بإدارة الولايات المتحدة، أن تساعد في جعل مساهمات كل منها أكبر من مجموعها منفصلة. كما يمكن لمثل هذه المؤسسة أن ترفع مستوى الشفافية بين الدول الثلاث وفي الوقت عينه تخفف من خطر أن تؤدي الخصومة الجيوسياسية بينها إلى تقويض المعركة ضد “حركة الشباب”.
إيدو ليفي زميل مشارك في برنامج الدراسات العسكرية والأمنية في معهد واشنطن وطالب دكتوراه في كلية الخدمة الدولية في الجامعة الأمريكية.