وضع وزير الخارجية الأميركي، ريكس تيلرسون، مؤخراً، نهجاً أميركياً جديداً تجاه الصراع في سوريا، وسرعان ما أصبح هناك أمران واضحان: الولايات المتحدة ستبقى في سوريا، والصراع مع إيران ربما يكون مُقبلاً.
تركَّز الوجود الأميركي، حتى هذه اللحظة، على محاربة تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش)، التنظيم الإرهابي الذي سيطر على مساحاتٍ واسعة من العراق وسوريا في 2014. لكن مع تراجع داعش السريع وانتزاع كل الأراضي التي كان يسيطر عليها -وتعادل مساحة بريطانيا- من قبضته تقريباً، وصف تيلرسون إيران بأنَّها التهديد الرئيسي الجديد للمصالح الأميركية في سوريا، وفق ما ذكره موقع Business Insider البريطاني.
وقال تيلرسون في وقتٍ سابق من هذا الشهر (يناير/كانون الثاني): “التهديدات الاستراتيجية المتواصلة للولايات المتحدة لا تزال مستمرة، ليس من داعش والقاعدة فحسب؛ بل من آخرين كذلك. وهذا التهديد الذي أشير إليه هو بالأساس إيران”.
وأضاف أنَّ إيران “في وضعٍ يُمكِّنها من مواصلة مهاجمة المصالح الأميركية، وحلفائنا، وجنودنا في المنطقة”، عن طريق تمركزها بسوريا.
وقال تيلرسون بعباراتٍ لا لبس فيها، إنَّ إيران تحلم بإقامة شريط أرضي يربطها بحليفها لبنان عبر سوريا، حيث يمكنها تقديم الأسلحة لدعم الجماعات المعادية للولايات المتحدة وإسرائيل. وأشار إلى أنَّ إحدى النتائج النهائية التي ترغب فيها الولايات المتحدة، هي “تقليص النفوذ الإيراني بسوريا، وحرمان الإيرانيين من إقامة شريطٍ شمالي، وأن يكون جيران سوريا في مأمنٍ من كل التهديدات النابعة من سوريا”.
وفي حين لا تضمن الاستراتيجية الجديدة قتالاً صريحاً بين الولايات المتحدة وإيران، فإنَّها تضع 2000 جندي أميركي تقريباً، موجودين بسوريا، في حالة تنافسٍ استراتيجي مباشر مع قوات إيران هناك، البالغة 70 ألفاً.
الأرقام قد تكون خادعة
وقال طوني بدران، وهو خبيرٌ في الشؤون السورية بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، إنَّه رغم وجود أفضلية للإيرانيين والقوات الحليفة لهم بنسبة 35 إلى 1، فإنَّ قوات إيران ضعيفة ومكشوفة للغاية، ومن المؤكد أنَّها ستُبلي بلاء سيئاً في منافسةٍ مباشرة مع الولايات المتحدة.
وبالتأكيد، تماست الولايات المتحدة والقوات المدعومة أميركياً جغرافياً مع الإيرانيين والقوات المدعومة إيرانياً بسوريا، وبرهنت الاشتباكات القصيرة على انتصاراتٍ حاسمة للولايات المتحدة، التي تمتلك أفضلية كبيرة في القوة الجوية والحرب القتالية المتطورة والمعقدة، بحسب ما ذكر الموقع.
لكنَّ هذه المناوشات هدفت فقط إلى إبعاد القوات الإيرانية عن القوات المتحالفة مع الولايات المتحدة، في حين انصبَّ تركيز الولايات المتحدة على هزيمة داعش. ووفقاً لبدران، على الأرجح ستضطر الولايات المتحدة إلى العمل مع الحلفاء المحليين في حملتها الجديدة لإعاقة إقامة الممر الأرضي الذي تأمله إيران وصولاً إلى لبنان.
وقال بدران: “سيكون على الولايات المتحدة تطوير القوات العربية المقاتلة. لكن بالإمكان إيقاع ضررٍ أكبر وأسرع بكثير، عن طريق توسيع أو تعزيز الحملة الإسرائيلية، القائمة فعلاً، عن طريق استهداف المنشآت أو الأهداف المتنقلة أو الكوادر البارزة”.
ولم تُقدّم إسرائيل، التي ظلَّت بعيدة عن معظم حلقات الحرب الأهلية في سوريا المجاورة، أي أعذار لتصعيدها ضرباتها الجوية حين تشعر باقتراب إيران من لبنان، حيث يتعهَّد حزب الله هناك بشن حربٍ ضد تل أبيب.
وقال بدران إنَّ الولايات المتحدة، وبدعمٍ محتمل من إسرائيل، “تمتلك ما يتجاوز 2000 رجل هناك في مكانٍ ما بالصحراء”. ويمكن للولايات المتحدة الاعتماد على القوة البحرية، وحاملات الطائرات، والقواعد الجوية القريبة، وأسلحة الجو الحليفة، والأسلحة البوني (التي يمكن إطلاقها من ُبعدٍ معين عن الهدف؛ لتحييد أو تجنُّب أسلحة الخصم الدفاعية)، والمدفعية.
تضحيات إيران ميزة غير متماثلة
وفي الوقت نفسه، يقول بدران إنَّ القوات الإيرانية متمددة ومنتشرة بصورةٍ أكبر من اللازم ومكشوفة.
وفي حين تتمتع إيران عادةً بما يُسمِّيه المحللون العسكريون “الميزة غير المتماثلة” على القوات الأميركية في الشرق الأوسط، أو قدرتها على محاربة المصالح الأميركية باستخدام جيوش وكيلة وقوة مميتة أقل- فإنَّ تلك الميزة تختفي في حال المواجهة المباشرة. وقال بدران إنَّ إيران إذا شنَّت هجوماً واسعاً على القوات الأميركية، فسرعان ما ستُحال تلك القواعد والمستودعات والمخططين المشاركين في الهجوم إلى ركام.
ولذا، قد تسعى إيران لتجنُّب اشتباكٍ عسكري مباشر مع الولايات المتحدة، وتواصل ببساطة، دعم أعداء الولايات المتحدة، بينما تستمر في لعبتها الطويلة المتمثلة بإزعاج الولايات المتحدة وهي تأمل أن تنكسر إرادة واشنطن قبل إرادتها.
بيد أنَّ الشق الآخر من استراتيجية الولايات المتحدة في سوريا، هو عزل نظام الرئيس السوري بشار الأسد.
فقال بدران: “سنعامل سوريا مثل كوريا الشمالية، كبلدٍ منبوذ اقتصادياً وليس فقط سياسياً”.
وفي ظل ضغط الولايات المتحدة على الحلفاء لعدم القيام بأعمالٍ تجارية مع نظام الأسد أو تقديم أموال من أجل إعادة الإعمار، قد تَضعُف الحكومة السورية، حليفة إيران، ما يُفسِح الطريق هناك أمام إدارةٍ مستقبلية أقل وداً تجاه إيران؛ ومن ثم حرمان طهران من جسرها البري دون إطلاق رصاصة واحدة.
الولايات المتحدة لن تخوض الأمر وحدها
لدى إيران مشكلاتها التي تقلق بشأنها؛ إذ هدَّدت الاحتجاجات التي خرجت بطول البلاد على خلفية استشراء غياب العدالة والمليارات التي تُنفَق على المغامرات الخارجية، بِنْية القيادة فيها. وقد يُثبِت المواطنون السوريون -وهم مجموعة متنوعة سُنّيّة بالأساس- أنَّهم مُقاوِمون لإيران، القوة الإسلامية الشيعية في المنطقة.
وعلى الرغم من أنَّ الولايات المتحدة وتركيا تصطدمان كثيراً بسبب الخلافات في رؤية كلٍ منهما تجاه سوريا، يقول جيمس جيفري، السفير الأميركي السابق لدى تركيا والخبير بمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إنَّ واشنطن وأنقرة ستتفقان في نهاية المطاف على الأهداف الواسعة.
وقال جيفري: “تخضع نحو 40% من سوريا في الوقت الراهن لسيطرة الولايات المتحدة أو تركيا، وفي حين لا يوجد تنسيقٌ جيد بين الولايات المتحدة وتركيا، فإنَّ كلتيهما تعتبر أنَّ الهدف هو الانتقال إلى نظامٍ لا يفعل ما فعله الرئيس السوري بشار الأسد”.
وأضاف جيفري أن تركيا أيضاً سترغب في تقليص دور إيران بسوريا؛ لأنَّ طهران لديها “نزعة للتنمُّر بالسكان العرب السُنَّة”؛ ما قد يؤدي إلى حربٍ أهلية جديدة.
ولا يُشكِّك بدران في أنَّ بإمكان الولايات المتحدة سحق أو تدمير القوات الإيرانية في سوريا بسهولة، لكن بدلاً من ذلك يعتقد أنَّ التحدي الحقيقي يكمن في تحديد مَن سيسيطر على جنوب سوريا بالمستقبل.