الحسيني: الاحتقان المذهبي يندثر بزوال الأسد
16 آذار / مارس، 2017التصنيف حوارات جيرون
“بدأت الثورة السورية سلمية، وتمادى النظام السوري وحلفاؤه في حربهم الطائفية لإجهاضها، ويصعب توقّع عودة العيش المشترك بين مكونات الشعب السوري بعد انتهاء الأزمة، ولكن هذا ليس قدرًا محتومًا، وينبغي أولًا أن تتوقف هذه الحرب المدمّرة بحلٍّ يلّبي تطلّعات الشعب السوري، ومن ثم؛ العمل جديًا على ترميم العلاقة بين فئاته المختلفة، ولعلّ الحلّ الأمثل لمصير هذا البلد أن يتخلص من نظام الأسد، فيزول معه كثير من الاحتقان المذهبي”، بهذه الكلمات عبّر الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان، محمد علي الحسيني، عن إمكانية بثّ روح التسامح بين مكونات الشعب السوري من جديد بعد أن مزقها نظام الأسد وحلفاؤه طوال السنوات الست الماضية.
وفي حديث خاص لـ (جيرون) شدّد الحسيني على أن “تعميم ثقافة التسامح في البلدان العربية المتنوعة طائفيًا ومذهبيًا وعرقيًا يتطلب وقتًا وجهدًا وسعيًا حثيثًا، ولا سيما أن هذه البلاد تواجه غزوًا ثقافيًا إيرانيًا، يحرّض على الكراهية والاقتتال الطائفي والمذهبي، ومن الصعب في هذه الأحوال أن تحقق نتائج سريعة”.
واستشهد بالعراق مثالًا على مكائد إيران، فقد “عاش السنة والشيعة والمسيحيون في العراق معًا بسلام ووئام مئات السنين، ولكن عندما تدخّل النظام الايراني وحرّض على الفتنة المذهبية وموّل بعض الجماعات الشيعية المسلحة، بدأت الأعمال الإجرامية والإرهابية ضد الآخرين، فما كان من الطرف المُستهدف إلا الرّد بالمثل. أي فعل عنفي ورد فعل أعنف”، لافتًا إلى أن “الدعوة إلى إقرار مبادئ التسامح وإشاعة قيمه وأخلاقياته، ليس حديثًا عن قيمة واحدة مجرّدة، بقدر ما هو حديث عن ثقافة متكاملة تنطوي على كثير من الأبعاد التي تستهدف التغيير في القناعات في محاولة الكشف عن المضامين الإنسانية في مفهوم التسامح والعفو والتفاهم من أجل السلام”.
وركّز الحسيني على ضرورة الثبات والصمود أمام ما يقوم به “حزب الله” من تدخلات سياسية وعسكرية “تقود إلى فتن طائفية”، ورأى أن “إخماد الفتن فرض وواجب”، وقال “تدخّل حزب الله في سورية عقّد الأمور علينا، ولكن واجبنا الشرعي والقومي والأخلاقي يحتّم علينا عدم التراجع، فالمسألة تتجاوز بلدًا بعينه، أو مرحلة معينة، أو طرفًا ما يغامر عسكريًا، القضية قضية وجود، فالفتنة المذهبية تهدّد أمننا القومي برمته، وتريد أن تودي بأمتنا إلى الهلاك”.
في السياق تطرّق الحسيني إلى مشروع ولاية الفقيه الإيراني للمنطقة العربية عادًا أن “هدفه الرئيس التفتيت والتقسيم، وتحويل الدول العربية بمجملها إلى كانتونات طائفية صافية، تتقاتل بينيًا لتسهل السيطرة عليها، ولو أخذنا العراق وسورية نموذجين لما حل بشعبيهما وأهلهما، لعرفنا ما ينتظرنا. إيران تريد للعرب، والشيعة خصوصًا، أحد مصيرين: إما أتباعًا خانعين وإما لاجئين في المخيمات”.
حول الغرب ورؤيته للفكر الإسلامي المعتدل، قال “من المؤسف أن الغرب يسمع ما يريد وفقًا لمصالحه، واليوم فإن النغمة السائدة هناك أن الإسلام هو مصدر الإرهاب، والمؤلم أن من يروّج لهذه الكذبة الشنيعة هم مسلمون، فالدعاية الإيرانية في أوروبا وأميركا، تزعم أن بعض المذاهب الإسلامية تبيح التكفير والقتل والسبي واستهداف المدنيين، مثلما يفعل (داعش) و(النصرة)”.
منبهًا إلى “نجاح العقول الشريفة، في إيصال الفكرة الحقّة عن الدين الإسلامي للدول الغربية، وأدّت إلى توطيد العلاقات مع الدوائر المسيحية واليهودية في الفاتيكان وغيره”، لافتَا إلى أن “الغرب كان يصغي للأصوات الإسلامية النزيهة، وينبذ الأضاليل الإيرانية، ولكن مع تبدّل الأولويات السياسية في الغرب بعد الاتفاق النووي، وتهافت الحكومات الأوروبية على توقيع عقود تجارية ضخمة مع طهران، اختلف الوضع”.
وعن الواقع السوري الحالي وتعقيداته، نبّه الحسيني إلى صعوبة التنبؤ بمآل الوضع السوري، وعبّر عن خشيته “الجدية من تقسيم هذا البلد العربي العزيز، وللأسف فإن تدخلات إيران وحزب الله، ومن ثم؛ روسيا، في النزاع، ومن جهة ثانية التدخلات التركية والغربية، أوجدت كلها نوعًا من التوزان الذي يصعب كسره، وإذا نظرنا إلى ما يجري على الأرض من فرز ديموغرافي على أساس مذهبي، فإننا نخاف من أن يتحوّل كابوس التقسيم إلى حقيقة مرة”.
أما العلاقة مع إيران وأذرعها في المنطقة فنبه الحسيني إلى أنها ستبقى علاقة صراع ونزاع، فـطهران “هي التي اختارت الهجوم على بلادنا بعنوان (تصدير الثورة الخمينية)، وهي في الواقع سياسية استعمارية اعتادت عليها إيران عبر التاريخ، وتختلف تسمياتها بحسب الحقبة التاريخية، ونحن في مواجهة ذلك لا نقوم إلا بواجب الدفاع عن النفس، ولا نعادي الشعب الإيراني على الإطلاق، بل نقيم أفضل العلاقات مع المعارضة الإيرانية الشريفة، ونتمنى لها التوفيق في تحرير الشعب الإيراني من براثن حكم الملالي، وكل الوسائل مباحة لصدّ هذا الغزو الأجنبي على بلادنا”.
اختتم الحسيني حديثه لـ (جيرون) بضرورة مواصلة العمل؛ من أجل إيقاف المشروعات الطائفية وخلق روح التسامح، مؤكدًا: “سنظلّ نعمل لصدّ الفتنة المذهبية مهما تكالبت علينا إيران وأتباعها، ومهما أنفقوا من أموال لتسعيرها، وأيًا تكن الحروب التي سينشونها على بلادنا؛ لأن الوحدة الإسلامية والقومية والوطنية هي خيار وجودي”.
محمد علي الحسيني باحث ومحاضر إسلامي لبناني، لديه أكثر من سبعين كتابًا، ويتميز بمواقفه الفكرية والسياسية الوحدوية الرافضة لمنطق الفتنة ودعاتها، ويشغل حاليًا منصب الأمين العام للمجلس الإسلامي العربي في لبنان.
http://www.geroun.net/archives/77379