الجزائر والسودان تحت مرمى النيران المعادية
بقلم: احمد صبري
لم يكن “الربيع العربي” الذي أحدث الصدمة في الواقع العربي ووضعه أمام استحقاقات كانت غائبة عن رصد النظام العربي الرسمي لغاياته، والتعامل معه بواقعية بعيدا عن الغلو واللجوء إلى حلول ترقيعية سرعان ما تسقط أمام دعوات التغيير الشامل الذي أصبح عنوان المرحلة التي نعيشها، والظروف التي يعيشها الإقليم العربي وجواره هي ظروف تشبه أجواء الحرب الباردة التي خيمت على العالم خلال القرن الماضي.
فأزمات الإقليم وجواره ملتهبة ومحتدمة وبقيت من دون حلول ناجعة حتى جاء “الربيع العربي” واستحقاقاته على الأرض ليدخل المنطقة في أتون تجاذبات وضعت المنطقة برمتها تحت مرمى نيران التدخلات الإقليمية والدولية.
من هنا فإن الاستعانة بالعامل الخارجي أصبح هو الخيار الحاسم في مسار الأحداث في ليبيا واليمن وسوريا، وقبل ذلك غزو العراق واحتلاله، عكس عجز النظام الرسمي العربي في التعاطي مع تطورات الأحداث وضبط إيقاعها، ما فتح الأبواب على مصراعيها للتدخلات الخارجية في تقرير شؤون المنطقة، ورسم خريطة جديدة لها هي بالأحوال كافة تتقاطع مع سيادة واستقرار ومصالح دول المنطقة وإرادة شعوبها.
وإزاء هذا التقاطع في صراع الإرادات الذي تشهده المنطقة، ينبغي على دولها البحث عن مخارج توافقية لتجنيب المنطقة ويلات حروب ومعضلات كالتي شهدتها خلال الفترة الماضية وما زالت تئن تحت وطأتها، وأول هذه المخارج التخلي عن خيار الاستعانة بالعامل الخارجي ووقف التدخل في خيارات دول المنطقة، وتعزيز أجواء الثقة بين بلدانها لتكون قاعدة لحل المشاكل العالقة بين دول الإقليم والجوار العربي.
إن خلط الأوراق ومحاولة استغلال الظروف الطارئة بغياب موقف عربي موحد يستند إلى إرادة حقيقية يأخذ بنظر الاعتبار مصالح الأمة وأمنها القومي وحقوقها كاملة، هذا الاستغلال لا يساعد على حل القضايا العالقة، وإنما يعقدها ويزيد من سرعة اندفاعها نحو الاستعانة بالعامل الخارجي كخيار اضطراري هو الآخر لا يحل المشكلة. فإيران في أزمتها مع الولايات المتحدة تتحسب لكل الاحتمالات، غير أنها ينبغي أن تأخذ بنظر الاعتبار مشاغل ومصالح وحقوق الآخرين بنظر الاعتبار لإشاعة الاستقرار وتهدئة الأوضاع المشتعلة، وإبعاد المنطقة عن التوترات التي هي بالأحوال كافة ستدخل المنطقة برمتها في الصراعات والحروب، والخاسر فيها شعوب المنطقة واستقرارها.
ومهما حاول البعض تبرير الاستعانة بالعامل الخارجي وتسويقه لتسكين الأزمات او فرض الإرادة الخارجية في عملية الصراع فإن المحصلة النهائية تتقاطع من إرادة التغيير الحقيقي؛ لأن الاستعانة بهذا الخيار تخضع البلدان إلى الهيمنة ومصادرة الحقوق وتفقد السيادة على أرضها ومياهها وثرواتها.
وما جرى ويجري في العراق هو حصيلة التدخل الخارجي الذي جاء بالغزو والاحتلال المباشر لدولة كاملة السيادة، وتغيير النظام السياسي فيها كان مخالفا لشرعة الأمم المتحدة والقانون الدولي، والاستعانة بالعامل الخارجي مهما كنت ذرائعه لا يجلب الأمن ولا الاستقرار وإنما يصادر الحقوق، وينتهك السيادة، ويؤجج الصراع بين القوى السياسية التي ترفض أو تؤيد التدخل الخارجي.
واستنادا إلى الكوارث التي أحدثها التدخل الخارجي في بلداننا وانعكاس ذلك على أمنها واستقرارها وسيادتها، ينبغي أن تتجه بوصلة الأحداث في السودان والجزائر إلى عكس مسار التدخل الخارجي لتجنب ويلاته المتوقعة، وتتجه إلى الخيار الوطني المنسجم والملبي لتطلعات الشعبين الشقيقين في التغيير والإصلاح المنشودين، فالبلدان هما تحت مرمى النيران المعادية وليست الصديقة، وهنا تكمن الخطورة.