تشهد إيران موجة من التظاهرات، تعد هي الأقوى منذ الإحتجاجات التي نظمت عقب إنتخابات 2009، وعُرفت بـ”التحرك الأخضر” أو “الثورة الخضراء”، بينما يشعر الكثير من الشعب الإيراني بالتخبط وعدم الوضوح حيال الموجة الجديدة من التظاهرات، إذ تشبه الجسد بلا رأس؛ فلا يعرف من قائدها ولا أهدافها، كما يردد المتظاهرون شعارات مختلفة وغير محددة.
ومن اللافت للنظر أن التظاهرات حظيت بتأييد المرشح السابق في الإنتخابات الرئاسية، “أحمدي نجاد”، بالإضافة إلى بعض رجال الدين البارزين في المدينة مثل “إبراهيم رئيسي”، حارس حرم ضريح الإمام رضا، الذي يعد أحد أهم الأضرحة في البلد الفارسي، وفقاً لصحيفة (الموندو) الإسبانية.
وبما أن زعيما الثورة الخضراء، “مير حسين موسوي”، و”مهدي كروبي”، يقبعون تحت الإقامة الجبرية، لا يمكن تحديد موقفهما من التظاهرات الحالية، إلا أن الطبقة الفنية منحتها دعماً كبيراً، إذ طالبت الممثلة، “ترانه عليدوستي”، الحكومة بالتوقف عن استخدام العنف ضد المتظاهرين، وأن تتفهم غضب الشعب والبحث عن سُبل إسترضاءه، كما دعا المخرج السينمائي، “جعفر بناهي”، أحد أبرز المخرجين الإيرانيين، الحكومة إلى إتاحة الفرصة للمتظاهرين.
وعلى خلاف التحرك “الأخضر”، لم تبدأها الطبقة المتوسطة العليا من الشعب، كما لم تدعمها النخبة الثقافية، وإنما خرجت من رحم الطبقات المتواضعة.
وقالت إحدى الفتيات الإيرانيات، الداعمات للتيار الإصلاحي، تدعى “مريم” للصحيفة الإسبانية: “لا أفهم ماذا يحدث، وهذه المرة لا أعرف من أين نبعت الإحتجاجات”.
وأضافت: “يعيش المواطنون في المناطق التي لا تحظى بالإهتمام تحت ضغط، وإذا لم تظهر الحكومة جديتها في حل مشكلاتهم سوف ينضمون إلى صفوف المتظاهرين”.
المظاهرات تركزت بعيداً عن العاصمة..
أنطلقت شراراة الإحتجاجات من مدينة “مشهد”، إحدى أكثر المدن المحافظة في إيران، لأسباب اقتصادية، ثم إنتقلت عدوى الإحتجاج إلى مناطق أخرى داخل البلد، إذ خرجت التظاهرات في مناطق لم تشارك من قبل في إحتجاجات سابقة، مثل مدينة “دارود” و”تويسركان” و”الأهواز”.
ورغم خروج المئات في مسيرات في وسط العاصمة “طهران”، إلا أن التواجد الشرطي وبعض المخبرين السريين شكلوا حائط ردع ضد تقدم التظاهرات هناك، وتشير الأخبار إلى أن كثافة الحركة تركزت في مدن ثانوية وعواصم المحافظات، خاصة في الجانب الغربي من البلاد، حيث يغلب فيها الأكراد والعرب الذين يتعرضون للظلم الاجتماعي والاقتصادي منذ سنوات عديدة.
وقال المحلل المتخصص في الشأن الإيراني، “هولي دارغس”، إن “التحركات الحالية ظهرت في مدن وأحياء بقيت في صمت نسبي خلال إحتجاجات 2009”.
مطالب مختلفة وغير محددة..
لا تعطي الشعارات، التي ينادي بها المتظاهرون أية إشارات، فبعضهم ينادي بنهاية الوصاية الدينية وآخرون يطالبون بعودة الملكية، التي أنهتها الثورة الإسلامية عام 1979، بينما لدى البعض الآخر مطالب اقتصادية، إلا أنه يبدو من خلال الشعارات المستخدمة أن مجموعات أخرى من الشعب؛ مثل الأكراد والعرب، والذين لديهم طموحات استقلالية ركبوا الموجة.
زعيم الحركة الإحتجاجية غير معروف والحكومة تتهم التيار المحافظ..
من جانبه، لوح النائب الأول لرئيس الجمهورية، “إسحاق جهانغيري”، بأن التيار المحافظ يقف وراء هذه الموجة، وقال تعقيباً على التظاهرات: “هؤلاء الذين يقفون خلفها يعتقدون أنهم يؤذون الحكومة بما يفعلونه، لكن آخرين هم من سيركبون هذه الموجة”.
وأوضح “داغرس”: أن “الحكومة الإيرانية لم تستطع هذه المرة إتهام شخصيات بعينها بالتحريض، كما فعلت مع إحتجاجات 2009، ذلك لأن هذه التظاهرات ليس لها قائد محدد، لذا فإن إحتمالية أن يتم سرقتها تبقى كبيرة”.
وكانت إنتفاضة 2009 قد قامت بعد الإعلان المفاجئ عن فوز مرشح التيار المتشدد “محمود أحمدي نجاد” في الإنتخابات بولاية ثانية، بقيادة المرشح الخاسر حينها، “مير حسين موسوي”، إذ خرجت سلسلة من الإحتجاجات شارك فيها نحو مليون شخص، إلا أنها منيت بالفشل، ووصفها القائد الأعلى للثورة الإيرانية بأنها “فتنة”، وتسببت في وقوع 36 حالة وفاة وسجن واعتقال المئات.