أثارت الأزمة السياسية التي اندلعت مؤخراً بين بيروت والرياض، عقب إعلان رئيس الوزراء اللبناني “سعد الحريري” الاستقالة من السعودية، ردود أفعال دولية, لكن رد الفعل الإسرائيلي لا يكتفي عادة بمجرد رصد الأزمة وتوصيفها، بل يسعي للبحث عن أقصى إستفادة يمكن لإسرائيل أن تحققها.
حيث نشر مركز “بيغن-السادات” للدراسات الاسترتيجية مقالاً للمحلل الإسرائيلي في الشؤون الشرق أوسطية، “عومر دوستري”, يرى فيه إمكانية قيام تعاون وتنسيق سري بين السعودية وإسرائيل لتحقيق الإستفادة المشتركة من تلك الأزمة وتداعياتها الإقليمية.
الأزمة اللبنانية وإنعدام أُفق الحل..
يقول “دوستري”: “لقد وقع خلال الفترة الأخيرة حدثان خطيران ومؤثران في ميزان القوى بمنطقة الشرق الأوسط، ولا سيما في لبنان. ففي الرابع من شهر تشرين ثان/نوفمبر 2017, استقال رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري بتحريض سعودي. وبعد يوم واحد فقط أعلنت السعودية أنها أعترضت صاروخاً باليستياً أطلقه متمردون حوثيون من اليمن لإستهداف مطار الرياض. وفي الحقيقة، فإن الحريري قد أرجأ في الثاني والعشرين من تشرين ثان/نوفمبر المنصرم, قرار استقالته، لكن لا يبدو في المستقبل القريب أن يطرأ تغيير يؤدي لتحقيق الاستقرار السياسي والتوصل إلى حل للأزمة في لبنان. ولقد دعمت السعودية قرار الحريري ووجهت اتهامات مباشرة لإيران وحزب الله بأنهما المسؤولان عن إرسال الصاروخ لليمن وتدريب الحوثيين على استخدامه, فيما أعلن المسؤولون السعوديون أن إطلاق الصاروخ بمثابة إعلان حرب من جانب لبنان, ويأتي ذلك بالتزامن مع المقاطعة المفروضة على قطر من قبل بعض الدول العربية بزعامة السعودية، بزعم أن هناك تعاون بين الدوحة وطهران وحركة حماس وجماعة الإخوان المسلمين”.
الرياض تتبنى التصعيد..
يرى المحلل الإسرائيلي أن السعودية وإيران قد تبادلتا، في السابق، تصريحات متشددة غير أن هناك محاولات بُذلت لرأب الصدع بينهما, حتى أن وزير الخارجية الإيراني “محمد جواد ظريف” قد أعلن في آب/أغسطس الماضي، أن طهران والرياض تستعدان لإجراء زيارات متبادلة. لكن يبدو الآن أن العداء بين السعودية وإيران قد بلغ مداه، وربما يصبح أكثر علانية, وهو ما يثير المخاوف من إندلاع مواجهة عسكرية بين الدولتين، لاسيما في ظل زيادة حدة التصريحات السعودية ونجاح طهران في تحقيق أطماعها التوسعية في العراق وسوريا واليمن. ولم تعد السعودية تكتفي بالحذر أو التلميح في تصريحاتها ضد إيران, وإنما أخذت تحملها المسؤولية المباشرة عن كل ما ترتكبه الميليشيات الشيعية في اليمن وسوريا. وبذلك تتحول السعودية من الحالة الدفاعية الدبلوماسية إلى سياسة خارجية أكثر هجومية, إضافة لإستمرار تصعيد تدخلها في لبنان على وجه الخصوص، وفي الشرق الأوسط على وجه العموم.
تل أبيب والرياض في خندق واحد..
كما يشير “دوستري” إلى أن التطورات الأخيرة لا تلقي بظلالها على السعودية فقط، بل على إسرائيل أيضاً, لأن الدولتين تتعرضان على حد سواء للتهديد بسبب تطلعات إيران لبسط هيمنتها الإقليمية, وهو ما يبدو جلياً في محاولات طهران إلى تحقيق نفوذها في سوريا واليمن وتعزيز هيمنتها على لبنان, وإقامة “الممر البري” الذي يمتد من طهران وحتى شاطئ البحر المتوسط, وإستغلال الاتفاقية النووية لبناء قوة عسكرية ونيل الشرعية الدولية، بالإضافة إلى تطوير مشروع الصواريخ “الباليستية”.
ويزعم أنه نظراً للتهديدات المشتركة فيمكن لإسرائيل والسعودية إستغلال الأوضاع لتعميق التعاون السري بينهما, لا سيما عبر الوسائل الدبلوماسية, لإحباط تلك التهديدات, حتى وإن كانت هناك بعض المعوقات التي تحول دون إمكانية التعاون المشترك بين الرياض وتل أبيب. ومن بين تلك المعوقات عدم تأييد الرأي العام السعودي للتعاون مع إسرائيل, وإنشغال السعودية بقضاياها الداخلية, وتدخل الدول العظمى في المنطقة.
ويرى المحلل الإسرائيلي إمكانية التغلب على تلك المعوقات من خلال تعزيز التعاون السري بين الرياض وتل أبيب, وتركيز أهتمام السياسة الخارجية للدولتين على الملف الإيراني، وإتخاذ موقف موحد في المناقشات مع الدول العظمى.