إسماعيل الجنابي
رغم محاولة حكومة بغداد، إبعاد معركة الفلوجة عن النزاعات الطائفية، إلا أنه في الحقيقة ما تبعها من جرائم وانتهاكات، يفوق ما ارتكبه تنظيم داعش من جرائم هزت ضمير الإنسانية، والتي لا يمكن وضعها إلا في إطار الأسلوب الممنهج الذي اتبعته الميليشيات التابعة لجهات نافذة في العراق من خلال إصرارها على إضفاء طابع طائفي على هذه المعركة وكأن الحرب في الفلوجة، هي حرب بين الشيعة والسنة، والأنكى من ذلك ثمة ممارسات تحاول وضع دول إقليمية على جهتي خطوط التماس في الحرب الدائرة في الفلوجة، كمحاولة إيهام الإنسان الشيعي العراقي بأن مجموعة من الدول هي مع تحرير الفلوجة ومجموعة دول عدوة، هي ضد تحريرها، ودون أدنى شك فإن سهام هذه الميليشيات الطائفية موجهة ضد السعودية، رغم أن داعش ينظر إلى المملكة بأنها ألد أعدائه، كونها تشارك في التحالف الدولي ضده، وكانت أهداف ومرافق سعودية مرارا معرضة لعمليات إرهابية وتهديدات من قبل داعش.
إن بداية الحرب الطائفية في الفلوجة، تجلت بصور “نمر النمر” وتسيد قائد فيلق قدس الإيراني “قاسم سليماني” لإدارة المعركة، في خطوة لوضع السعودية وداعش وأبناء الفلوجة، في خانة وهمية واحدة، ونقل هذا الوهم إلى الشارع الشيعي العربي، وخلق اصطفاف غير واقعي لصالح أجندات إقليمية أخرى لا علاقة لها بمعركة الفلوجة إطلاقًا، وكذلك زيارة ولي دم العراقيين ومختار العصر”نوري المالكي” لعناصر ميليشيات الحشد المشاركة في الفلوجة، متناسيًا أنه كان السبب الرئيسي في تسليم ثلث مساحة العراق لتنظيم داعش وإهدار مليارات الدولارات وسفك انهار من دماء العراقيين، حين خاطب أبناء الشارع الشيعي من كربلاء: بأن الحرب ستكون بين أنصار الحسين وأتباع يزيد، في خطوة وصفت بالاستفزازية للشارع السني، متناسيا أن ثلث أبناء الشعب العراقي مولود من رحم شيعي وصلب سني والعكس هو الصحيح.
الفلوجة كانت وعلى مدار عامين تحت وابل صواريخ الطائرات والمدفعية والبراميل المتفجرة التي تلقي بحممها على رؤوس المدنيين العزل دون تمييز، إضافة إلى الحصار المقيت، ورغم هذه الآثار الصاعقة إلا أن ما يميز ذلك هو البصمات الطائفية التي باتت واضحة المعالم في جنبات مدينة المآذن، على يد مايعرف بـ(الفاتحين الجدد) الذين ما لبثوا أن كشفوا عن نواياهم المبيتة لإظهارها في كل مناسبة، وهذا ما تجلى في نبرة التشفي الطائفية على أرض الفلوجة، مما يعني أن الأمر لم يكن مجرد مقاتلة داعش، وإنما تعدى ذلك بكثير، فالنصر عند هؤلاء الفاتحين هو من خلال إقامة المجالس الحسينية ورفع الأذان الذي يذكر فيه سيدنا علي بن أبي طالب “كرم الله وجهه” الذي لا يمكن لأحد أن يزايد في محبة صهر نبينا الكريم وابن عمه وخليفة المسلمين، ولن يستطيع أحد أن يثبت أحقية محبته لأمير المؤمنين وفق أهواء مذهبية أو طائفية أو مناطقية، فإذا كانت هذه الشعائر غايتها دس الفرقة بين المسلمين، فإن ذلك يعطي ذريعة لتنظيم داعش الإرهابي في اختيار مسوغات لجرائمه التي ترتكب.
وعلى الرغم مما يجري من انتهاكات أمام مرأى ومسمع الحكومة العراقية، فإنها تتجاهل بأفعالها الاستفزازية الطائفية وما يمكن أن يترتب عليها من نتائج كارثية على بقايا السلم الأهلي في العراق، ولا يمكنها أن تتنصل من أفعال هذه الممارسات التي تلتقطها كاميرات أفراد الميليشيات برفقة أفراد من الحرس الثوري الإيراني، ويتم تسريبها بشكل مقصود إلى وسائل الإعلام تحت مسمى “الحالات الفردية أو الاختلال العقلي”، لأن تكرارها ينفي ذلك كونها صدرت عن قيادات بارزة في هذه الميليشيات وتؤكد أنها نسق متعمد وبروح انتقامية، ورغم كل هذه الأفعال، تتغنى الحكومة بزهو بانتصاراتها في الفلوجة التي أثمرت استشهاد أضعاف المدنيين الأبرياء واعتقال العشرات الذين يجهل ذووهم مصائرهم، مقارنة بخسائر تنظيم داعش الذي تسرب أمام أنظار طائرات التحالف الدولي، ليبقى السؤال مطروحًا: (ممن تحررت الفلوجة؟).