بعد عامين من الشد والجذب بين الحزب الحاكم في ألمانيا وأنصاره من جانب، والمعارضين له وسياساته من جانب آخر، يبدأ عهد جديد بانتخابات تتجه أنظار الأوروبيين إليها لمعرفة مصير دولة الصناعة الأولى لديهم وإلى أين تتجه بسياساتها الخارجية بعد موجة استقبال اللاجئين العرب التي بثت الذعر في القارة العجوز ؟
مؤشر للسياسات الأوروبية في المستقبل القريب..
تغطية خاصة هذه المرة للانتخابات البرلمانية الألمانية الجديدة، التي ينظر لها على أنها مؤشر للسياسات الأوروبية بنظرة أشمل.. إما أن تتفق مع ما يتماشى في فرنسا وبريطانيا أم تعاكس الاتجاه !
بإلقاء نظرة على النظام الانتخابي الألماني للوصول إلى “البوندستاغ” أو مجلس النواب هناك، نجد أن به 299 عضواً يتم انتخابهم بشكل فردي مباشر، وهناك أيضاً 299 يتم انتقاءهم بالتمثيل النسبي، أي “القوائم” والأحزاب.
لذلك فإن النظام الانتخابي في ألمانيا هو مزيج وهجين ما بين الانتخاب المباشر وما بين القوائم الحزبية التي تُعطَى للناخب الألماني، وعليه أن يصوت على كلاً الطريقتين .
فيجب حصول الحزب على 5% من الأصوات حتى يستطيع أن يدخل كحزب، و3 مقاعد يستأثر بها الحزب كخيار آخر، ومن ثم يدخل بها إلى قبة البرلمان ويصبح من الأحزاب الحاكمة.
64.5 مليون ناخب من حقهم التصويت ولا عقوبة لمن يرفض..
من يحق لهم التصويت في ألمانيا والتوجه إلى صناديق الاقتراع هناك، نحو 61.5 مليون ناخب، منهم 29.9 مليون رجل و31.6 مليون امرأة، وأضيف لهم هذا العام 3 ملايين ناخب جديد، ومن ثم يحق لهم التصويت وربما يعول عليهم بشكل كبير في هذه الانتخابات.
نقطة أخرى تحسب لحرية التعبير عن الرأي، إذ إن ألمانيا من الدول التي لا تفرض أو تعاقب مواطنيها على عدم التصويت، ففي النهاية كل مواطن حر في إبداء رأيه أم لا.
“ميركل”.. اسم كبير في عالم السياسة تُوجد الموارد لإنعاش اقتصاد ألمانيا..
أما البرنامج الانتخابي للمرشحين، وعلى رأسهم “أنغيلا ميركل”، صاحبة الـ 63 عاماً، المستشارة الألمانية ذات الاسم الكبير الآن في عالم السياسة بألمانيا عن اليمين الوسطي، حتى أطلق عليها المستشارة الأبدية لتوقعات الكثيرين بتحقيقها الفوز الرابع في الانتخابات الأخيرة، المنعقدة في الرابع والعشرين من أيلول/سبتمبر 2017، عن “حزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي”.
برنامجها الانتخابي يعد برنامجاً أوروبياً ألمانياً إلى حد كبير، يعكس ربما السياسة الانفتاحية على أوروبا، فضلاً عن قدرتها الكبيرة في التأثير على القرار الفرنسي بحكم علاقتها القوية بالرئيس الفرنسي “إيمانويل ماكرون” وغيره من الحكام في أوروبا، ووجود مستشارين حولها يعلمون جيداً كيف يجلبون الأموال إلى ألمانيا !
خفض الضرائب.. هل ينجح في إخماد نبرة “الحس الوطني” وعلاج مشكلات اللاجئين ؟
تدعو “ميركل” إلى خفض الضرائب بمقدار 15 مليار يورو، وهي هنا تغازل رجال المال والصناعة لمنحها صوتهم، وهو رقم يغري الكثيرين ويدغدغ مشاعر الناخبين في ألمانيا..
في المقابل فإن الحس الوطني في ألمانيا أقوى من التوجهات الداخلية، هكذا نشأ الألمان.. وهي إحدى أهم المفارقات في الانتخابات الألمانية، فهم لا ينظروا في النهاية كمواطنين إلى الضرائب والرواتب بقدر نظرهم إلى من يعلي شأن بلدهم ويضعه في مرتبة متقدمة تعيد لهم أمجادهم.
ومسألة الهجرة، التي فتحت أمامها الأبواب “ميركل”، تعد أهم المواجهات التي تمس النسيج الألماني وربما تؤثر على سير الانتخابات، وكذلك تؤكد عملها على الاندماج بشكل أكبر في الاتحاد الأوروبي، فهي نظرتها وتوجهاتها أوروبية تؤمن باتحاد أوروبي قوي.
صندوق نقدي أوروبي موحد لتوحيد الأوروبيين !
تدعم “ميركل” تشكيل “صندوق نقدي أوروبي موحد” – هدفها الأساس توحيد الأوروبيين لمصلحتها أولاً، إذ إنها، ووفق خبراء، تعد القاطرة التي تجر خلفها الاقتصاد الأوروبي، وربما هي من يبتدع النموذج الاقتصادي الذي يسير عليه الأوروبيون..
تقليل أعداد المهاجرين، هدف وضعته “ميركل” ضمن برنامجها الانتخابي، وواحد من المعادلات التي تنوي “ميركل” استغلالها لتخفيف الضغط والسخط عليها، باعتبارها هي من فتح الباب على مصراعيه أمام اللاجئين.
إخضاع “أردوغان” ودمج اللاجئين في الجيش كقوة بشرية !
هناك دور ستكمله “ميركل”، يتعلق باستمرار محاولات إخضاع الرئيس التركي “أردوغان” ووقف اتهاماته لها بالوقوف خلف المعارضة في بلاده، وستسعى للتصدي إلى سيطرته على الأمور في تركيا وتشكيل رأي عام، وعلى مستوى قادة أوروبا بضرورة إخراجه من المشهد السياسي التركي !
كما ستعمل على إقناع دول أوروبا بضرورة استعادة أمجاد القارة العجوز، وربما تعمل على دمج بعض اللاجئين ضمن الجيش الألماني كقوة بشرية ضاربة إذا ما اقتضت الحاجة !
“مارتن شولتز” القطب الآخر في المنافسة تعهد بإنفاق 30 مليار يورو على البنية التحتية..
الطرف الآخر في الانتخابات هو “الحزب الاشتراكي الديمقراطي” وعلى رأسه “مارتن شولتز” اليساري الوسطي.. وهو القطب الآخر في ألمانيا وواحد من الأحزاب التقليدية المهمة، يتشارك مع “ميركل” في كثير من المُوَجِهات العامة، لكنه يتحدث عن العدالة الاجتماعية.. زيادة الضرائب على الأغنياء فقط، يتعهد بإنفاق 30 مليار يورو على البنية التحتة ويتفوق في هذه النقطة على “ميركل”، باعتبارها نقطة تفتح الباب أمام وظائف جديدة للألمان ونمو اقتصادي.
وأخيراً تبني نظام النقاط للهجرة.. إذاً كلاهما يتحدث عن وجود حلول للهجرة ومشكلة اللاجئين.
38 % من الأصوات إلى “ميركل” والمتطرف ينال حصة أكبر !
آخر استطلاعات الرأي الألمانية تشير إلى أن 38% يعطون أصواتهم لحزب “ميركل”، و23% للإشتراكي الديمقراطي، و11% لحزب البديل من أجل ألمانيا، وهو حزب يميني متطرف يعادي العرب والمسلمين ويرفض تواجدهم في ألمانيا، و10% للديمقراطي الحر، و10% لليسار، وأخيراً 8% لحزب “الخضر”، الذي اتجه بدلاً من دعمه لقضايا البيئة إلى الاهتمام بقضايا أخرى تتعلق باللاجئين والقضايا الاجتماعية.
لم تغب التحالفات عن المشهد في الانتخابات الألمانية، إذ إن توقعات التحالفات بين الأحزاب لتشكيل الحكومة هناك تقول إن الأغلبية (50% + 1) من مقاعد البرلمان هي من يشكل الحكومة.
“الاتحاد المسيحي الديمقراطي” و”الإشتراكي الديمقراطي” يشكلون 61%، بينما “الاتحاد المسيحي الديمقراطي” و”الديمقراطي الحر” و”حزب الخضر” يشكلون 56%.
في النهاية فإن كل الدلائل والرؤية العامة ترشح بقوة “أنغيلا ميركل” للبقاء في منصبها، لكن رغم ذلك ثمة رأي يقول إن الشيطان يكمن في التفاصيل، إذ إن “ميركل” لن تسير في بستان من الزهور هذه المرة مثل المرات السابقة، إذ تحتاج إلى تحالفات قوية، حتى تستطيع أن تشكل حكومتها، وكثير من المراقبين يرون أن أمام “ميركل” ليس أقل من 100 يوم للوصول إلى صيغة نهائية من التحالفات !