بقلم: موفق الخطاب
ان أخطر تحد تعيشه الشعوب العربية اليوم، وبالذات ما يسمى بالبلدان أحادية الاقتصاد أي تلك التي تعتمد في مواردها وميزانيتها على مبيعات النفط بعد معضلة الإرهاب، هي الحرب الاقتصادية والتدهور الاقتصادي الذي بات يلوح في الأفق، والذي أخذ يطل برأسه مسبباً لها الصداع والدوار ويسعى اليوم ذوو الشأن جاهدين من التقليل من تبعاته في محاولة منهم للتخفيف من الصدمة والارتجاج القادم. لم تتعظ الدول وتتخذ التدابير اللازمة وهي تعلم يقينا أن دورها في سوق النفط هو إنتاجي لا غير، وأن من يقرر أسعاره عالمياً هي مافيات وشركات عالمية تقف وراءهم دول كبرى وهو محبوك الارتباط بالسياسة العالمية، وهو مؤشر لتغيير سياسي خطير يجتاح المنطقة. فتقلبات أسعار النفط وبالذات هو بالضبط كمؤشر كاشف الزلازل والبراكين لكنه دائماً ما يعطي قراءة في وقت ضيق يجعلك في حيرة من أمرك ويربكك في ترتيب أوراقك وأولوياتك!
ذا هو حال الكثير من دولنا النفطية اليوم! فالاضطراب النفطي جعلها في حيرة من أمرها خاصة فيما يتعلق بالاحترازات والتحوطات الآنية غير المدروسة، واتخاذ المتعجل من القرارات التي قد تكون ذات عواقب وخيمة في المنظور البعيد، والتي دفعت ببعضها إلى الارتماء أسيرة في أحضان صندوق النقد الدولي والقروض من البنوك العالمية وبعضها أخلت بالعلاقة بينها وبين شعبها بالتعجل في فرض المرهق من الضرائب والرسوم والتخلي عن الالتزامات والوعود.
التقلبات المؤذية على مدى عقود مضت في أسواق النفط لم تدفع بالكثير من دولنا في التفكير الجدي بوضع آلية لعبورها وتجاوزها بسلام، بل لم تفكر تلك الدول بالاستفادة من الفائض عند انتعاش الأسواق في التأسيس للبدائل، فغالباً ما بددت تلك الثروات بشكل غير مدروس وعبثي في نفقات تشغيلية ضخمة ومهرجانات وفعاليات ومؤتمرات وربما هبات، وغالباً ما يتم استغفال الحكومات عند نشوتها بطبقة فاسدة وفساد ينخر الكثير من الوزارات والمؤسسات من مافيات .
والتي أنهكت الميزانية بمصاريف وهمية وكانت عاملاً طارداً للاستثمار، ونسجت لها غطاءً سميكاً يصعب إزالته، وكانت كخفافيش الظلام عشعشت وتكاثرت والتي تنقض بوجهك متى ما حاولت الاقتراب منها وتصرعك. الجميع يعلم يقيناً أن الثروة النفطية ناضبة لكن السؤال الملح الذي لم نجد له إجابة منذ عقود وهو يتجدد مع كل هبوط حاد.. أين هي البدائل؟ ولماذا تراجعت دولنا في قطاع الزراعة واندلست؟ ولماذا لم نتقدم خطوة واحدة في الصناعة والمعادن؟ أين نحن من تطوير واستخدام الطاقة المتجددة والمستدامة صديقة البيئة البديلة؟
ولماذا دولنا مازالت في آخر السلم في الاستثمار السياحي وهي مهد الحضارات ومهبط الديانات وحباها الله بكل مقومات الجمال آثاراً وأنهاراً وبحاراً ومحيطات؟ لماذا اليوم دولنا طاردة للاستثمار وينظر للمستثمر بعين الريبة ويعامل كالغازي والاستعمار؟
مليارات أهدرت ولم نر لها أثراً على الأرض كان باستطاعتنا فتح واستقدام فروع لأرقى الشركات في الصناعات الإنتاجية والتجميعية والتحويلية واستصلاح الأراضي الزراعية وتحويل سواحلنا إلى جنة من جنان الله على الأرض!! .. ويستوجب اليوم تدارك الهوة فنحن اليوم في الرمق الأخير وبحاجة لدراسة تجربة عزيز مصر الذي أيقن أنه أسقط في يده ورأى أن مصر مقبلة على كارثة بسبب الظروف المناخية وعدم كفاءة وفساد مستشاريه القائمين على خزائنها مما قد يعرض أهلها للكارثة والمجاعة، فامتثل لمشورة «يوسف النبي الكريم ابن الكريم»، واستشعر عظم المسؤولية وأخذ بنصحه وتفسيره لرؤياه فولاه مقاليد الامور للحفاظ على مؤونة الناس وأرزاقهم وتنميتها أي بمفهوم اليوم إحدى الوزارات السيادية بعد أن عرضها عليه غير طامع فيها بل مشفقا على أهل مصر من الهلاك. «قال اجعلني على خزائن الأرض إني حفيظ عليم»