هل ينجح في العراق الردع الاتصالي التكنلوجي؟
بقلم: الاستاذ الدكتور عبدالرزاق محمد الدليمي
سألني احد الاصدقاء لماذا لم تعد وسائل الاعلام تؤثر في العراقيين؟ وكان هذا السؤال يعيش في ذاكرتي لفترات ليس فقط مايتعلق بالعراق بل بشكل عام لاي مجتمع من المجتمعات!!!
ولكي اقرب الصورة لصديقي الذي سألني وللقارئ اللبيب اشير الى كثرة ترديد بعض المعلومات او الحقائق والسجالات والحوارات وبشكل يومي تؤدي بالمواطن ايا كان مستوى وعيه او ادراكه الى حاله من الاشباع في المزاج وتضعف لديه قدرة التفاعل مع المعلومة رغم اهميتها وربما خطورتها على حياته ومستقبله وربما يحصل عند غالبية المواطنين ظاهرة تخدير الارادة لاسيما عندما يصل الانسان الى درجة من فهم الظواهر السلبية وعدم وجود امكانية لتغيرها فتتحول الدافعية لديه من الحراك الايجابي بخروجة الى الشارع ومشاركته بكل الممارسات الرافضة للواقع المفروض على الشعب بل واحيانا تجاوزها الى الحالة الثورية بما فيها الانتفاض والثورة وربما حمل السلاح (كما نتوقع في ان يحدث في المرحلة القادمة مالم يرى المواطن الضوء في نهاية نفق الظلام الذي يعيش فيه).لاسيما في غياب القانون عن محاسبة المذنبين
اما الجزء الاخر من المواطنيين وتحديدا من يمتلكون قدرة استخدام الانترنيت ومايتصل بهذة الشبكة الجبارة من وسائل الاتصال الاكثر شعبية بين الناس الان وفي المستقبل فهؤلاء يفرغون شحناتهم الثورية عبر تبادل الحوارات والاراء والمواقف مع مؤيديهم او خصومهم وهنا تتراوح درجة التفاعل من اسلوب حضاري مرن او يأخذ ابعاد اخرى خارج سياقات الحوار المقبول فكريا وسلوكيا علما انني ومنذ بروز ظاهرة منصات وشبكات ومواقع التواصل الاجتماعي أؤكد انها وجدت كي تفرغ الشحنات لدى الناس خارج المكان والزمان اللذان يفترض ان يتم استهلاك المواقف والتعبير عنها في المواجهة مع الاطراف التي تعطل وتضطهد المواطنين وتتسلط على رقابهم.
وهذا يعني ان انتشار استخدام تكنلوجيا الاتصال الجديثة لاسيما منصات التواصل الاجتماعي ليس بالضرورة ان يكون لصالح الشعوب بل ان الحكومات التي تفهم(كما يحدث في الدول المتقدمة) توفر هذه الشبكات لتفريغ الشحنات السلبية للمعارضين خارج مكانها وزمانها الفعاليين(التظاهرات والاحتجاجات في الشوارع) حيث اصبح واضحا ان اصحاب الرؤى الثورية من الشباب ومن الاعمار القريبة منهم(40- 50سنة) باتوا يفضلون هذا النوع من التعبير اكثر من استخدام الوسائل التقليدية التي ربما تكلفهم الكثير من الخسائر على المستوى الشخصي….وتأسيسا على هذه الفرضية اجتهدت الحكومات والمناصرين لها الى اعتماد اسلوب الردع الاتصالي التكنلوجي عبر جيوشها الالكترونية التي اصبح وجودها والادوار التي تقوم بها اخطر واهم من حشود الاجهزة الامنية القمعية وهذا ما نراه في العالم الافتراضي حيث الانفاق عليها والمهام التي تقوم بها اهم وانجح واقل تكلفة من سواها من الاساليب التقليدية التي اصبحت تشكل عبئا على من يستخدمها بل ونقاط ضعف تستغل ضدها داخليا ودوليا بينما في العالم الافتراضي تستطيع الانظمة القمعية ان تفعل الاعاجيب وتصيب الاهداف و يمكن ان تسجل كل جرائمها بحق الانسانية بأسم مجهول.
في العراق اليوم تنتشر اكثر من 65 قناة فضائية مملوكة او مدعومة من جهات واحزاب وشخصيات؟؟!!! وجميعها تاسست لخدمة اجندات من يمولونها والملفت في كل هذه الفضائيات بما تقدمه من برامج واخبار وتغطيات تلتقي في نقطة واحدة غريبة وعجيبة وهي انتقادها للحكومة والفساد والعملاء وووو وهنا تأتي حيرة المواطن الذي يعلم حقيقة من يمتلك هذه القنوات وماهي ميوله واهدافه وسرقاته ونهبه وجرائمه…الخ
ثم يرى ما تقدمه هذه القنوات من نشر للغسيل القذر وهنا تبدأ شكوك المواطن تزداد وهو الذي فقد الثقة بهذه القنوات أو بأغلبها لانها تخدر وعيه وتشل ارادته وتعطل حركته وثوريته التي تعلم وادرك ان مكانها الشارع وليس الحاسوب او الهاتف الذكي.
كان أداء الإعلام العراق متباينا خلال السنوات الأخيرة، ازداد بعض ممارساته بشكل غير ايجابي حين صار بعضه يحارب بعضه الآخر عن طريق الترويج للطائفية والمناطقية والعنصرية والعشائرية ووو وتبني وجهة النظر التي تحطّ من شأن المواطن العراقي حتى وصلت القناعات عند كثيرين إنه إعلام مخترق كما هي الحياة العراقية.
هناك الكثير من الكذب الذي لم يبرأ منه ذلك الإعلام بالرغم من أن الهزائم التي سبق وأن مني بها العراقيين …هناك ايضا اليوم إعلام عراقي يعمل بشكل صريح في خدمة جهات ودول سعت وتسعى إلى فرض مشاريعها على العراق تماهيا مع التباس ما جرى بعد الاحتلال. في الأوضاع الطبيعية التي حُرمنا منها يمكن أن يُصنف ذلك الإعلام بأنه إعلام عميل، ذلك لأنه يخدم أطرافا أجنبية تحمل من روح الكراهية للعراق ولشعبه ما يجعل منها عدوا صريحا.
فما معنى أن تدافع صحف وقنوات فضائية عن هيمنة النظام الإيراني على عدد من الدول العربية ومصادرة قرارها الوطني المستقل؟ هي الخيانة التي تنص عليها القوانين في كل الدول التي تحترم نفسها.
الأمر يحتاج إلى الكثير من التوضيح. فإيران طرف مسؤول عن الحرب في اليمن مثل غيرهم وهو ما يعترف به زعماء حرسها الثوري ،إيران مسؤولة عما بلغه العراق من تدهور على المستويات الإنسانية كافة. فهي التي ترعى حكومته الغارقة في صفقات فسادها الذي أدى إلى تدمير أي إمكانية لإنقاذ الشعب من الفقر والجهل والمرض. لقد تحول العراق بسبب النفوذ الإيراني إلى مختبر لتجريب كل أنواع المخدرات الرخيصة.
وأخيرا فإن إيران مسؤولة عن انهيار الحياة السياسية في لبنان وجعله يدور في فلك ميليشيا مسلحة تدعمها بالمال والسلاح. كل هذا ينحني أمامه إعلام عربي ليصنع من قاسم سليماني صورة للبطل المنقذ الذي يمكن أن تستلهم هوليوود سيرته في أفلامها القادمة.
في السياق نفسه فإن هناك إعلاما ايجابيا لأنه قرر أن يفك ارتباطه بماضي اصبح عبئا على البلاد والعباد ويريد تسير الحياة إلى مستقبل يليق بنا باعتبار ان على الاعلام الوطني كثير من المسؤوليات الجسام ما يفرض عليه أن يكون حاضر بقوة لتنوير العراقيين بما يجب ان يقوموا به من صحوة لتغيير واقعهم المؤلم.