فيما يخص الحديث الدائر هذه الأيام عن إلغاء مكاتب المفتشيين العموميين في وزارات الدولة العراقية ودوائرها؛ بعد الفشل الكبير الذي أثبتته تلك التجربة في مواجهة حيتان الفساد، بل على العكس فأنها أضافت لهم تماسيح وأخطبوطات جديدة، صارت تقتات وتنمو على مبدأ المصالح المشتركة، (أنت قطعة وأنا قطعة ونقتسم بالنصف).. وبصراحة لديَ أكثر من تجربة شخصية في مجال عملي الإعلامي، الذي أمتد على مدى أكثر من عشرين عاماً، مع بعض تلك المكاتب، التي أستبشرنا بها خيراً، نحن أصحاب القلم أول الأمر.. على اعتبار أنها ستكون عوناً وسنداً لنا لبلوغ هدفنا في كشف ملفات الفساد وتعريتها أمام الرأي العام.. لكني لازلت أتذكر أن فرحتي تلك سرعان ما تحولت إلى حرب وطرد من قبل إحدى الوزارات المهمة، وبالتحديد من قبل مفتشها العام، الذي أجريت معه مقابلة صحافية تحدثت فيها عن وجود ملفات فساد جرى كشفها، وأتفاجأ بعد نشر الموضوع بمنعي من دخول الوزارة، والسبب أن تلك التصريحات كانت قد أحرجت “المفتش العام”، الذي يحرص على علاقته الجيدة بالوزير ويٌصر على (أن الدنيا ربيع والجو بديع)، ولا مجال للشك بنزاهة صديقه ! .
لا يهتم بهدر المليارات من خزينة الدولة ويثور من أجل ملاحظات على الـ”فيس بوك” !
أسوق ذات الملاحظات بشأن طريقة أداء وعمل “وزارة الثقافة”، التي أعمل فيها منذ أن دمج معها موظفي “وزارة الإعلام” الملغاة، أي بعد نحو سنة من تأسيس الوزارة عام 2002، وكل ما حصلت عليه بعد تأسيس “مكتب المتفش العام” فيها هو أوامر لجان تحقيقية صدرت بحقي بسبب مواضيعي الصحافية والتحقيقات التي أنشرها، أو ما أنشره من ملاحظات على صفحتي الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي (فيس بوك).. لا أتحدث سوى الحقيقة يا سادة.. وآخر تلك التحقيقات ما كان في أواخر عام 2016 على يد المفتش العام للوزارة “علي حميد كاظم”، بسبب كتاباتي على الـ(فيس بوك)، وقد جرى التعتيم على الأمر الخاص باللجنة التحقيقية وكذلك الملاحقات والعقوبات التي تعرضت لها لاحقاً، ولو سألنا عن الجانب الإصلاحي والوقائي لعمل “المفتش العام” سنجده صفراً أمام ملفات الفساد الكبيرة التي تعج بها “وزارة الثقافة”، خاصة “مشروع بغداد عاصمة الثقافة عام 2013″، الذي أهدر نحو 500 مليار دينار عراقي، وهي الميزانية الأضخم في تاريخ الوزارة. إضافة إلى ملفات فساد تتعلق بمدائرها العامين وسياسات الإستبعاد الطائفي لموظفيها، وهي تجري من قبل “المفتش العام” وبعلم “الوزير” أيضاً، لكن دون تحريك أي ساكن.
صرف آلاف المليارات من أجل توفير غطاء جديد للفاسدين..
ديباجة إنشاء مكاتب المفتشين العموميين في القانون تقول: إن الهدف هو إخضاع أداء الوزارات لإجراءات المراجعة والتدقيق والتحقيق بغية رفع مستويات النزاهة والإشراف في أداء الوزارات؛ وبغية منع وقوع أعمال الغش والتبذير وإساءة استخدام السلطة… الخ، من حيثيات القرار.. لكن مايجري أن تلك المكاتب أستنزفت ميزانية الدولة، وهي تكلف ما يزيد على ألف مليار دينار عراقي سنوياً من رواتب وبدلات إيجار ومطبوعات ونثرية وضيافة ودعوات غداء وعشاء وإيفادات بمناسبة وبدون مناسبة (!).. وإن أبسط الحلول لأجل تفعيل متطلبات النزاهة ومحاربة الفساد فعلاً، هو تفعيل عمل “ديوان الرقابة المالية” ومهام الإدعاء العام.
وبعد كل ذلك يطل علينا “رئيس هيئة النزاهة” ليقف بالضد من مشروع إلغاء تلك الحلقة الزائدة، ويقول أن القرار لا ينسجم مع جهود مكافحة الفساد، ولا مع توجهات الحكومة الداعية، لأن تكون الحرب القادمة ضد الفساد (!).. ضارباً عرض الحائط كل الإتهامات والدلائل التي أثبتت أن تلك المكاتب، وبسبب سوء القائمين عليها صارت غطاء جديد للفاسدين.