بقلم: الفريق الركن صباح العجيلي
المدخل : أثير موضوع التسليح الإيراني في الآونة الاخيرة وبعدما زودت طهران حليفتها روسيا بالطائرات المسيرة بدون طيار القتالية والانتحارية(الكاميكاز) الحاملة للقنابل والصواريخ والتي استخدمتها القوات الروسية في قصف محطات الطاقة والبنية التحتية المدنية الاوكرانية ، وكذلك تجهيزها بالصواريخ الباليستية والذخائر والتجهيزات الشخصية للجنود كالدروع الواقية التي تنتجها الشركات الإيرانية، كل ذلك لتلبية متطلبات الحرب الطويلة المدى في أوكرانيا.
وتم ارسال مدربين من الحرس الإيراني الى قاعدة عسكرية روسية في شبه جزيرة القرم لتدريب الجنود الروس على استخدام الأسلحة والمعدات الايرانية. وفضلا عن الجوانب السياسية من وراء هذه الصفقة، فأن ايران تريد اختبار تقنياتها العسكرية في أوكرانيا من خلال الجيش الروسي.
لقد أيقن النظام في طهران بأهمية القوة المسلحة في تنفيذه مشروعه وسياسته داخل وخارج الحدود ، لذلك سعى لامتلاك عوامل القوة ومستلزماتها وتبني برامج أسلحة واسعة تحقق له الاكتفاء الذاتي وحماية الأمن القومي الايراني وردع الأعداء المحتملين، وبالوقت ذاته تحقق له التفوق في ميزان القوى بالإقليم، بما يؤمن له التوسع والتدخل بالشأن الداخلي لفرض اجندته على دول المنطقة و الهيمنة على الممرات الملاحية الدولية، تحت شعارات الدين والمذهب تارة وبشعارات المقاومة تارة أخرى.
يستفاد الجانب الإيراني في مجال التصنيع الحربي من الخبرة الأجنبية وأسلوب الهندسة العكسية وعمليات شراء المواد الحاكمة عبر السوق السوداء وبالتزامن مع حملة دعائية لتضخيم المنتجات المحلية من السلاح ، وفي اطار الحرب النفسية وردع الخصوم ،
تاريخ الصناعة العسكرية
يعود تأريخ الصناعة العسكرية الإيرانية الى عهد نظام الشاه السابق (محمد رضا بهلوي) الذي أرسى قواعدها وفتح الأبواب للسير في برامج تسليح متنوعة ومنها المشروع النووي وبالاستعانة بالخبرات الأجنبية لاسيما الغربية منها ، حيث عرض شاه ايران السابق القيام بدور شرطي الخليج بعد خروج بريطانيا من مستعمراتها عام 1971 فضلا عن الاطماع التوسعية في الدول العربية غرب الخليج العربي و رغبته بالتحكم بالملاحة البحرية الدولية عبر مضيق هرمز الذي تمر منه شحنات النفط العالمية .
وفي سنة 1973 تأسست الشركة الإيرانية للإلكترونيات IEI بهدف تركيب وصيانة المعدات العسكرية الأجنبية ، وفي سنة 1979 بدأت المؤسسة الإيرانية للصناعات العسكرية بخطاها الأولى في الميدان الصناعي بتقليد أسلحة سوفياتية مثل قاذفات ضد الدبابات الخفيفة الاربي جي 7 وصواريخ سام 7 وصواريخ غراد BM21 . كما ان طهران دخلت في شراكة مع إسرائيل في برنامج تطوير صاروخي يسمى project flower ، فيما رفض طلبها للانضمام الى البرنامج الامريكي لتطوير الصواريخ.
اما النظام الديني الجديد الذي بدأ عهده بالإعلان عن استراتيجية تصدير الثورة خارج الحدود، فقد عاد الى إحياء البرامج التسليحية وطور برامج أخرى بسبب الحرب مع العراق في الثمانينيات من القرن الماضي وبسبب الحظر الدولي للأسلحة المفروض على ايران، وكانت الحرب حافزاً له لمواصلة صناعته العسكرية لتلبية متطلبات الحرب الاساسية ولغرض تحقيق التوازن بالقوى والردع والرد المقابل على التفوق العراقي بالقوة الجوية والصواريخ الباليستية ووسائل القوة النارية و العوامل الكيمياوية.
أستمر النظام بتطوير برامج التسلح لا سيما البرنامج الصاروخي والبرنامج النووي كأسلحة ردع للخصوم المحتملين، وزادت موازنة التسليح أضعافاً وأصبح للنظام نفوذ مخابراتي ووكلاء ومليشيات موالية في المنطقة ، لاسيما بعد فرض الحصار والعقوبات على العراق (الخصم اللدود) في أعقاب حرب الخليج الثانية عام 1991 وتحجيم قدراته العسكرية والاقتصادية وأضعافه ومن ثم احتلاله عسكرياً عام 2003 وحل قواته المسلحة وتدمير منشئات التصنيع العسكري وتفكيك سلاحه واخراجه كلياً من معادلة ميزان القوى في المنطقة.
وكان لتأسيس الاذرع والادوات المسلحة والوكلاء من المليشيات عابرة الحدود ، مثل حزب الله اللبناني والمليشيات العراقية والافغانية والباكستانية والحوثية اليمنية والجماعات المسلحة في افغانستان والخلايا الكامنة في مختلف الدول، قد فرض عبئاً مضافاً على منظومة التسلح الايرانية لتأمين متطلبات تلك الادوات من الاسلحة والتجهيزات.
برامج التسليح الايرانية المعلنة بالوقت الراهن متعددة الجوانب، ترافقها حملة دعائية تقوم بها وسائل الاعلام المحلية وحلفائها تدخل في اطار الحرب النفسية والدعائية ويقوم النظام بتضخيم المنجزات والمبالغة فيها خلافاً للواقع بما يخدم مشروعه ذو النزعة التوسعية.
الدوافع الإيرانية
أتخذ النظام قرارين ذو أهمية لتنفيذ استراتيجية التوسع التي يسعى لتنفيذها الأول، رفع قدراته العسكرية للتدخل الخارجي والثاني، هو إعادة إحياء حلم الشاه القديم بأن يصبح شرطياً للخليج ، بل إن النظام الديني الحالي زاد في طموحاته ليصبح شرطياً للمنطقة من المحيط الهندي الى البحر الابيض المتوسط، لذلك يسعى الى رفع قدراته العسكرية البرية والجوية والبحرية والصاروخية، وتطويره لبرامج أسلحة الدمار الشامل بما فيها البرنامج النووي، وتشكيل أذرع مسلحة للتدخل الخارجي، و تأسيس واستخدام المليشيات متعددة الجنسيات وعابرة للحدود.
سياسة نظام طهران الجامحة فرضت عليها وجود أذرع وقوى مسلحة وتوسع جغرافياً وبرياً وبحرياً، وهذا يعني أن المنطقة تقف أمام سنوات طويلة من سباق التسلح والمزيد من المغامرات العسكرية والتوتر من جانب إيران على حساب الأمن والسلم الإقليميين.
وبعد الاتفاق النووي مع الدول الخمسة زائد واحد، يتحدث رئيس الاركان الايراني الجنرال محمد باقري عن الاستراتيجية العسكرية عن المرحلة القادمة بقوله :
( تنازلنا عن قوتنا النووية ونحن نعوضها الآن ببناء قوة بحرية ستعطينا قيمة أكبر، أسطول عسكري في بحر عمان وأسطول آخر في المحيط الهندي، وبناء قواعد بحرية على سواحل أو جزر في كل من اليمن وسوريا، وتطوير قدرتنا الاستخباراتية العسكرية من خلال الطائرات من دون طيار في أمتداداتنا البحرية).
أن عمليات إيران العسكرية الواسعة في العراق وسوريا، والتدخل في اليمن ولبنان والبحرين تشير بوضوح الى أن خوض الحروب والتدخل بالشأن الداخلي لدول المنطقة ونشر الفوضى ودعم الارهاب أصبحت من أبرز معالم نظام طهران، وباتت عملية تعزيز القدرات العسكرية والتسليحية ركناً أساسيًا في معالم مشروعه السياسي والديني.
المجمع الصناعي العسكري
أعاد الحرس الإيراني (الباسدران) هيكلة المجمع الصناعي العسكري خلال الحرب مع العراق (1980-1988) وقبل عامين من انتهاء الحرب، أصبح لدى إيران 240 مصنعاً و12 ألف ورشة يعمل فيها 45 الف شخص من مختلف الاختصاصات، الأمر الذي جعل الصناعة العسكرية تشكل 15% من المعدل الإجمالي للصناعات الإيرانية، والتي تنمو بمعدل واضح .
ويستعين الجانب الإيراني بالخبرات الروسية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وكذلك الخبرة الصينية وكوريا الشمالية. واغلب النماذج المصنعة هي نماذج أسلحة من الدول الثلاث.
يستخدم الجانب الإيراني الهندسة العكسية في انتاج بعض الأسلحة كالصواريخ والمسيّرات، و بسبب العقوبات المفروضة يعتمد النظام على السوق السوداء للحصول على القطع الحاكمة كما هو الحال في انتاج المسيرات حيث تبين من خلال فحص مخلفات الطائرات المسيرة الإيرانية والمستخدمة في أوكرانيا ، ان هناك قطع وأجزاء غربية في انتاج تلك الطائرات.
هيئات وشركات التصنيع
الصناعات العسكرية الإيرانية، تحت قيادة وزارة الدفاع الإيرانية والحرس الإيراني الباسدران، وتتكون من الهيئات الأساسية الأتية:
الهيئــــــــــــة مجال النشاط
صنايع إلكترونيك إيران : إلكترونيات، اتصالات، حرب إلكترونية، رادارات
هيئة الصناعات الدفاعية الإيرانية: دبابات، صواريخ، قنابل، مدافع، عربات مدرعة
هيئة الصناعات الفضائية : أنظمة صاروخية موجهة
هيئة صناعات الطيران : طائرات، درون، مروحيات
هيئة الصناعات البحرية : سفن، هوفركرافت، غواصات، لنشات، زوارق سريعة
أبرز الأسلحة الإيرانية
– الصواريخ الباليستية ارض – ارض مختلفة المديات ولكنها تفتقد الى دقة بالتوجيه
– المسيرات القتالية والاستطلاعية والانتحارية ، ويستفاد من أجزاء أمريكية واوربية لتصنيع المسيرات حصلت عليها طهران بواسطة السوق السوداء
– الأسلحة الخفيفة والمتوسطة
– راجمات الصواريخ الخفيفة
– لنشات وزوارق بحرية سريعة ومسلحة
– ذخائر مختلفة العيارات والانواع
– عوامل كيمياوية واحيائية
أجزاء أمريكية وغربية بالمسيرات الإيرانية
كشفت معلومات استخباراتية جُمعت من الطائرات الايرانية المسيرة التي أسقطت في أوكرانيا، أن أجزاء من هذه الطائرات صنعت من قبل شركات في الولايات المتحدة وأوروبا واليابان. وهذا نموذج لعملية الحصول على مواد حاكمة عبر السوق السوداء التي يبرع بها النظام وحلفاؤه.
وتشير الوثائق إلى أن المخابرات الأوكرانية تقدر، أن ثلاثة أرباع مكونات الطائرات الإيرانية المسيرة التي أسقطت في أوكرانيا هي أمريكية، وصنعت بواسطة شركات مقرها الولايات المتحدة وحوالي الثلث من قبل شركات في اليابان.
ونقلت عن محققين أوكرانيين القول؛ إنه تم التوصل إلى هذه النتائج بعد أن أسقط الجيش الأوكراني عدة طائرات إيرانية مسيرة، بما في ذلك واحدة هبطت سليمة بعد أن اخترق عملاء أوكرانيون أنظمتها في الجو.
وكشف تقرير أميركي ما وصفه بـ«زيف ادعاءات» إيران، بأن طائراتها المسيرة، هي صناعة «أصلية»، خصوصاً طائرتها «مهاجر – 6»، التي تنتجها بشكل ضخم وسلمت أعداداً كبيرة منها لروسيا لاستخدامها في حربها بأوكرانيا. وتمكن الجيش الأوكراني من إسقاط إحدى هذه الطائرات فوق البحر الأسود بالقرب من بلدة أوتشاكيف الساحلية بمنطقة ميكولايف.
وكشف تحقيق عن مكونات المسّيرات أجراه خبراء أوكرانيون، وأطلعوا عليه مؤسسات متخصصة، أن المكونات الإلكترونية التي تدعم إنتاج هذه الطائرة، بعيدة كل البعد عن أن تكون إيرانية الصنع. وبحسب التقرير، تحتوي طائرة «مهاجر – 6» على مكونات مما يقرب من 30 شركة تكنولوجيا مختلفة في أميركا الشمالية، والاتحاد الأوروبي، واليابان، وتايوان، والصين وهونغ كونغ، ويقع مقر غالبية هذه الشركات في الولايات المتحدة.
وتفرض الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي عقوبات تقيد تصدير مثل هذه التكنولوجيا إلى إيران، والتي يمكن استخدامها للأغراض المدنية والعسكرية على حد سواء. غير أن ذلك لا يعني أن منتجيها ينتهكون العقوبات، لكنه يكشف عن شبكة تهريب إيرانية معقدة، للحصول على هذه المكونات، بما فيها محركها الذي تبين أنه من صنع شركة نمساوية مقرها الرئيسي في كندا.
ومن بين الشركات الأميركية التي تصنع أجزاء من هذه الطائرة، شركة «تكساس إنسترومنت»، في حين تحتوي الطائرة أيضاً على شريحة صغيرة تحمل شعار شركة تكنولوجية بكاليفورنيا، وكاميرا تصوير حراري، تقول المخابرات الأوكرانية، إنها ربما أنتجت من قبل شركة مقرها في ولاية أوريغون أو الصين.
ووجد التحقيق أيضاً أن بعض مكونات الطائرة مصنوع في الصين، بما في ذلك كاميرا صغيرة متقدمة صنعتها شركة في هونغ كونغ، أعربت عن «أسفها الشديد» لاستخدام منتجاتها في الحرب الاوكرانية.
وأفاد التحقيق إن غالبية الشركات التي تم التواصل معها رفضت التعليق، بانتظار انتهاء تحقيقاتها، للكشف عن كيفية وصول منتجاتها إلى إيران، فيما نفى بعضها القيام بعمليات بيع مباشرة مع شركات أو أشخاص من إيران. ويقول كل من المسؤولين والخبراء الغربيين في مجال نقل التكنولوجيا غير المشروعة، إن إيران أنشأت شبكة مشتريات عالمية واسعة باستخدام شركات واجهة ووكلاء آخرين في دول ثالثة للحصول على تكنولوجيا ذات استخدام مزدوج من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.
السلاح الإيراني بين الواقع والمبالغة
تفتقد الصناعة العسكرية الايرانية الى التكنولوجيا المتطورة وتبقى الحاجة قائمة الى الخبرة الأجنبية والتعاون في مجال التصنيع العسكري وتكنولوجيا السلاح مع الدول المتقدمة، والملاحظ أن أغلب الاسلحة والمعدات العسكرية المصنعة هي نسخ من نماذج اسلحة روسية أو صينية أو كورية شمالية ، و الدول الثلاث تقع في مقدمة الموردين الأساسيين للسلاح الإيراني وبتقديم الخبرة التصنيعية لتصنيع وتطوير برامج التسلح .
تعمل إيران جاهدة على تضخيم قوتها وآلتها العسكرية، بالشكل الذي يردع خصومها، ويزرع فيهم مصداقية الردع الإيراني، فهي تدرك جيداً أن توظيف أساليب الحرب النفسية نحو أعدائها، يشكل أحد الجوانب البارزة في آلة الدعاية الإيرانية هذه، هو استمرارها المتعثّر رغم الفشل المتكرر في تشكيل الفهم الأجنبي في ما يتعلق بقدراتها العسكرية. ومع ذلك تبني إيران استراتيجياتها على أساس أن الحرب النفسية قد تساعد على تجنبها مخاطر وقوع الحرب، ولذلك تراها تعمد كثيراً إلى تضخيم صورة قادتها العسكريين المقاتلين في ساحات الشرق الأوسط. فضلا على ذلك، يثبت الفحص الأوسع للدعاية العسكرية الإيرانية أنها نجحت في كثير من الأحيان في رفع معنويات حلفائها.
وتعمل إيران دائما على المبالغة في تضخيم إنجازاتها العسكرية، فعلى سبيل المثال، أعلنت إيران في عام 2013 عن إنتاج طائرة عسكرية من طراز ” قاهر 313″، وهو مشروع ما زال لم ير النور بعد خمس سنوات من الإعلان عنه. كما أنها تعمدت وبصورة مستمرة إلى استخدام المؤثرات الصورية على منصات إطلاق الصواريخ البالستية أثناء التجارب الصاروخية، كما حصل في عملية التجارب الصاروخية على صواريخ “شهاب 3” ، حيث استطاعت في البداية أن تخدع وسائل الإعلام الأجنبية، لكن سرعان ما تم فضحها وتراجعها بعد ذلك.
الخاتمـــــــــة: نستنتج ان هناك قاعدة صناعية عسكرية إيرانية واهتمام متزايد من النظام لتلبية احتياجات القوات المسلحة والوكلاء خارج الحدود بما يخدم المشروع الإيراني ذو الطموحات التوسعية .
من ابرز تلك الأسلحة هي، الصواريخ والطائرات المسّيرة بدون طيار للتعويض عن قدم قوتها الجوية التي مازالت لا تواكب عملياتها العسكرية.
يستفاد النظام من الخبرات الأجنبية والهندسة العكسية والسوق السوداء للحصول على المواد الحاكمة كما تبين من صناعة الطائرات المسيّرة بدون طيار.
ترافق عملية التصنيع التي يشرف عليها الحرس الثوري الإيراني (الباسدران) ، حملة دعائية لتضخيم حجم المنتوجات من السلاح.
مازالت تقنية السلاح الإيراني متخلفة عن نظيرتها الاوربية وتركز على إعادة تصنيع نماذج أسلحة قديمة من الدول الثلاث ، روسيا والصين وكوريا الشمالية .