إسماعيل الجنابي
لا تعبير يوجز ما حصل تحت قبة مجلس ممثلي الشعب العراقي، إلا عبارة: “نشر الغسيل القذر على حبال الفضيحة”، نتيجة الفشل المتوالي الذي تفوح رائحته من إدراج مكاتب المنطقة الخضراء الممتلئة بعقود الصفقات المشبوه، نتيجة فشلهم المتواصل، والفظيع في تحقيق شيء مهم للبلد، إذ إن أكثر ما يهتمون به هو تشريع امتيازات تزيد من بحبوحة عيشهم، على حساب شعب فقير، ووطن يئن، فكانت الفضيحة أقبح بشاعة من أصل الجرم الذي اجتمعوا من أجله!
لو أردنا أن نستعرض أصل الفضيحة، لوجدنا أنها لا توازي حجم الفضائح التي ارتكبت، وطبيعة المال الذي امتلأت منه كروش الذين نراهم كل يوم أمام عدسات الإعلام، يتبجحون ويتبخترون دون رقيب من القانون، أو خشية من ميزان العدالة. إن رئيس البرلمان كان يماطل في تأخير استجواب العبيدي، ورئيس الوزراء كان يناشد بعدم استقدام وزير دفاعه أمام برلمان الشعب، ولا نعلم لماذا لا يرغب رئيسا السلطتين التشريعية والتنفيذية استجواب الوزير؟ إن هذا قد يعني أن هناك خشية مشتركة من كشف المستور، ولكن أي خشية هذه التي تكون عملية استقدام الوزير مبيتة، ومعدا لها سلفًا من الجهة التي تنتمي إليهما النائبتان حنان الفتلاوي، وعالية نصيف.
لقد سرب أحد المواقع الإعلامية التي لها نفوذ داخل الحكومة والبرلمان، أن وزير الدفاع كان يشكو في جلساته الخاصة من عدم امتلاكه صلاحيات داخل وزارته، الأمر الذي جعل بعضهم في الوزارة لا يرى فيه إلا رئيسًا للجنة العقود فيها”.
ورغم هذا التحجيم لمنصبه بوزارة الدفاع فإن هناك شخصيات سياسية طلبت من العبيدي الحصول على منافع مادية من وزارته، وقد حقق لها ذلك، حيث منح الوزير بعض النواب ما يحتاجونه من عقود استيراد معدات عسكرية، وإن كان وهب هذه العطايا تحت ضغوط مورست عليه، لكنها كانت لقاء ثمن قبضه، وفي حين أفاد وزير الدفاع أمام ممثلي الشعب رفضه طلب رئيس البرلمان منه تعيين أحد القادة العسكريين في منصب مهم أخفى في جلسة الاستجواب أن شخصية متنفذة تعيش بين بغداد ولندن هي التي طلبت منه تعيين هذا القائد العسكري من خلال اتصال هاتفي.
إن مسرحية الاستجواب واتهام الوزير خالد العبيدي لرئيس البرلمان ومستشاره، بالتورط في فضائح الفساد المتعلقة بعقود التسليح، ومساومة الوزير عليها ومحاولة ابتزازه، ليست بالصيد الثمين، فحيتان الفساد الكبار سلبوا أموال الشعب جهارا نهارا دون حياء، والأدهى من ذلك أنهم باعوا البلد لتجار الحروب بتحالفهم مع الإرهاب الذي استباح الأرض والعرض، ولم تتجرأ النائبتان أو غيرهما بالتحدث عن هؤلاء المجرمين المفسدين. فالنائبة الفتلاوي اعترفت في لقاء تلفزيوني أنها وجميع البرلمانيين، يحصلون على نسب وفوائد مالية كبيرة من العقود التي تبرم داخل وزارات الدولة، وقبلها وبعدها اعترف الكثيرون من ممثلي الشعب بأنهم يساومون الوزراء، وجميع الذين ترسو عليهم صفقات العقود بحق الفائدة منها، وهذا يعني أنه لا جديد في مسرحية استجواب وزير الدفاع المثيرة للجدل سوى مؤامرة ضرب ممثلي السنة “الجبوري والعبيدي” بمقتل، فوزارة الدفاع العراقية الممنوحة للسنة، وفق المحاصصة الطائفية كانت على الدوام، مزادا للسياسيين المفسدين السنة، وأول الفساد فيها هو أن “شخص الوزير” مدفوع الثمن، لأنه منصب فخري ليس إلا، فما أن يتم اختياره حتى يذهب مهرولًا إلى التحالف الوطني، ليعلن ولاءه لهم، وليس للعراق وأبنائه، ثم يقبض ثمنه.
إن فضائح الفساد في العراق كبيرة ولن يفيدها أي ترقيع، فقضية عقود التسليح في الحكومة السابقة أزكمت أنوفنا من شدة نتانتها، وحجم خطورتها على الأمن الوطني، لكنها مرت كسحابة الصيف، وهناك مقولة شهيرة يرددها الشرفاء على ألسنتهم، كلما أصبح المال العام وأرواح الأبرياء عهرا مستباحًا للمجرمين:”إذا فسد القضاء، فسد معه كل شيء” ولو كان لدينا سلطة قضائية وإعلاما نزيهًا مستقلا لما تجرأ المفسدون الملطخة أيديهم بطهارة الأبرياء، أحياءً وأحرارًا طلقاء، فلا خير في أمة تنحني رقابها أمام حكم الباطل، ولا ترفع سيف الحق بوجهه، فأول الغيث قطرة، وأمطار العراق لا تروي عطش الأرض، إلا عندما يكون الهواء شرقيًا.