بقلم: الدكتورة ألاء العزاوي
قد يعتقد المرء ، ان الانتصار في أي نزاع عسكري يحقق فقط من خلال انتصار السلاح في المعارك على الارض فقط، لكن الحقيقة ، ان هناك معارك موازية يخوضها المتصارعون بعيداً عن ساحات المعركة الفعلية ولها دورا كبيراً في حسم الطرف المنتصر.
لقد شهدت العلوم العسكرية تطوراً كبيراُ في منظورها النظرياتي ، مثلها مثل بقية العلوم ولعل اهم ما شد انتباهي هو تعريف مفهوم الانتصار وفق احد هذه النظريات “ان الانتصار الحقيقي لا يتحقق في ساحات المعارك بل في اذهان وعقول الشعوب”، مفهوم تجلى بوضوح شديد في الحرب الفيتنامية ـــ الأمريكية، حيث لا يخفى على احد ، ان الاميركان قد حققوا انتصاراً عسكرياً واضحاً ، لكن لا احد يذكر ذلك الانتصار بل ان الجميع يدرك ، ان فيتنام انتصرت بفعل ارادة شعبها وايمانه بعدالة قضيته وكذلك هو الحال بالنسبة لاميركا واليابان فلا احد يذكر الانتصار الذي حققه الاميركان في تلك الحرب ، بل ان ما يتوارد الى الاذهان الطريقة الاجرامية للامريكي في حسم الحروب التي لا يقوى على الاستمرار في خوضها بشرف.
من هنا ندرك بان الانتصار في اي نزاع يتوجب الفوز في معركتين متوازيتين ؛ هما المعركة العسكرية التي تجري في الميدان ومعركة السرديات التي تجري في وسائل الاعلام التقليدية والحديثة المتمثلة بوسائل التواصل الاجتماعي وتحديدا منصة تويتر ,
حروب السرديات
تعرف سردية الحرب على انها الطريقة الذهنية التي تنظر بها الناس للنزاع او الحرب، ولكل حرب سرديتنان لكل طرف سرديته التي يحاول كل طرف الدفاع عنها ومحاولة اثباته، وهي تتجاوز بكثير ، الارقام والاحصائيات التي يتم تسجيلها في ميدان المعركة، ولو اخذنا مثالاً الصراع الدائر حاليا مابين الكيان الصهيوني من جهة وسرديته المثمثلة في ان طوفان الاقصى على انهم ضحايا ومحاولة تسويقه على انه اعتداء ارهابي ، لهم الحق في الدفاع عن انفسهم ، هذا من جانب ومن جانب اخر المقاومة الفلسطينية والسردية المرافقة لها ، في ان عملية طوفان الاقصى يندرج ضمن حق المقاومة المكفولة لاي شعب تتعرض ارضه للاحتلال وانه يسقط حق المحتلين في الاحتفاظ بمبدأ الدفاع عن النفس ، وان ما يجري في قطاع غزة المحتل هو اعتداء اجرامي من محتل غاصب.
كيف ندعم سرديتنا وندحض سردية العدو
ان المخرج الوحيد لايقاف المخططات الصهيونية التوسعية والتي لن تنتهي بحدود فلسطين ، خصوصا بعد الفشل الذريع لحكومات الدول العربية المطبعة وغير المطبعة في تسجيل موقف للتاريخ لصالح قضايانا المصيرية وفي مقدمتها قضيتنا المركزية لم يبقى امامنا كشعوب سوى ان نستثمر تواجدنا على منصات التواصل الاجتماعي وتحديداً منصة (X) او تويتر لكونها المنصة ذات الخوارزميات الاقل قيوداً على محتوى النشر ونجابه تلك المخططات بدعم سردية اخوتنا الفلسطينيين الذين يقفون بشموخ امام الة العدو الفتاكة.
من البديهي ، نعتقد ، ان الجمهور المحلي لكل طرف يؤيد وبدون شك سرديته ويعمل على نشرها وتوثيقها لذلك اصبح الرأي العام العالمي هو الجمهور الذي يعمل الطرفان على استمالته لصالحه ولا سيما الرأي العام الغربي وعلى وجه الخصوص “بريطانيا” ، فعلى الرغم من ان القرارات المتعلقة بالسياسة الخارجية لا يعلم خفاياها الا عدد قليل من الساسة صانعي تلك القرارات ، الا ان الرأي العام الغربي يشكل عامل ضغط كبير على تغيير بوصلة تلك القرارات الى درجة قد تصل احياناً الى اجهاضها، ومن هذا المنطلق اصبح الرأي العام الغربي ، هو الجمهور الذي يسعى الطرفين الى كسبه ولعل العدو الصهيوني يدرك تماما اهمية هذا الامر ، حيث نشرت صحيفة هاآرتس الصهيونية سنة 2013 مقالا اوضحت فيه ، ان الحكومة الاسرائيلية انذاك قد بدأت برنامجاً بالتعاون مع اتحاد الطلبة لتشكيل مجموعات من طلبة الجامعات السبعة لديهم ممن يتمتعون بالحس الوطني العالي مهمتهم التواجد بشكل منتظم في مختبرات الجامعات لدعم الروايات التي تصدر عن الحكومة “الاسرائيلية” وقد رصدت ما يقارب 800 مليون دولار لهذا الغرض وقد اغدقت العطاء على منسقي تلك المجموعات ومساعديهم عن طريق شمولهم بمنح دراسية كاملة ورواتب ومكافأت كل حسب ما يقدمه من جهود، وقد اشترط البرنامج ، ان يتقن العاملين في هذا البرنامج اللغات المختلفة لنشر تلك القصص بلغات غير العبرية لاجل التأثير وخلق رأي عام دولي مؤيد لسردياتهم.
مما لاشك فيه ، ان الاعلام هو الطريقة المثلى للتأثير في عقول وأذهان الناس وان الاعلام المساند للرواية الصهيونية ذو امكانيات تفوق قدرتنا كأفراد نؤمن بقضيتنا لكن الجيد بالامر ، ان وسائل الاعلام التقليدية هي وسائل احادية الجانب حيث يكون الجمهور متلقي لا تفاعلي وهذه نقطة ضعف للعدو علينا استثمارها لصالحنا عن طريق تكثيف العمل على مواقع التواصل التفاعلية المتعددة الجوانب لدحض رواياته ونشر الحقائق التي يريد طمسها واخفاءها ولكي نستطيع ذلك ، علينا ان نحدد العوامل الاساسية التي نصنع فيها سردياتنا وهي ذات العوامل التي نستخدمها لافشال رواياته وهذه العوامل هي
• المنطق
• الدلائل والبراهين
• التاريخ
بما معناه ، ان سرديتنا يجب ان تكون محددة بالمنطق واثبات ، ان سردية العدو هي التي تروى خارج حدود المنطق ولنا في قصف مستشفى المعمداني خير مثال ، فلو صحت رواية العدو بان صاروخ اطلق خطأ تسبب بقصف المستشفى فأنه من غير المنطقي ان نفقد هذا العدد الكبير من الشهداء، اما ما يتعلق بالدلائل والبراهين فتضوي ضمن نطاق الصور والمشاهد الفيديوية التي تفند رواياته المكذوبة، وتذكير الجمهور ، بان هذا العدو له تاريخ حافل بالروايات المفبركة والاكاذيب وان حادثة استشهاد المراسلة “شرين ابو عاقلة” ليست ببعيدة عن الذاكرة حيث حاول الكيان الصاق الجريمة بالجانب الفلسطيني، ولنا في اقتحام مستشفى الشفاء الكثير الكثير من الاكاذيب التي يحاول جيش العدو ايجاد مخرج ومبرر له لكن دون جدوى.
اخيراً وليس اخراً ، هل سننتظم بجيوش شعبية بعيداً عن حكومات الذل والتبعية كلٍ من موقعه مستخدمين امكانياتنا الذاتية وخاصة اللغوية وخبراتنا التقنية لنهجم هجمة رجل واحد لنصرة اخوتنا ونسجل موقفاً للتاريخ ونشرف اجيالنا ، بأن قضيتنا تعني وجودنا واستمرارنا لاننا ندرك تماما ان عدونا توسعيٌ يستهدفنا جميعا بأرضنا وعقيدتنا ولن يكتفي بالفرات والنيل مطلقا.
ختاما نقول علينا ان نكثف الجهود فكلنا جنود المعركة الموازية معركة السرديات.