مكاشف
بقلم: هاتف الثلج
بدءاً أقول، أنه ليس من عادتي أن أمتدح شخصا لشخصه، كما إنني كَكاتب وصحفي لا أذم أنسانا، أي إنسان، لكني ميَّال دائما أن أمتدح شخصا ما لِعمله لاسيما إذا كان مُخلصا فيه ومُنتجا، وبدا لي أن عَمله هذا كان ملموسا إنطلاقا من قول سيد البُلغاء الأمام علي بن أبي طالب عليه السلام : إياك أن تُثني على أحد بِما ليس فيه، فإن فِعله يَصدُق عن وصفه ويُكذبُك .. وهذا يعني أن المدح يأتي في سِياق البحث عن الفعل لا عن الشخص، والعكس صحيح ..
في سِياق هذا المعنى، وبعيدا عن السياسة ومصائبها، كُنت قد تذكرت صديقي العتيد سمير الشيخلي الذي كان العراقيون يكنونه بـ (ابوسمرة)، بعد أن ذاع صيته كشخصية مُتداولة في الإعلام على نطاق واسع حين تمَّ تعينيه أمينا لبغداد للمُدة (1978 ــ 1982)، ومنها بدأ ظهوره الإعلامي اليومي وهو يعمل بشكل واسع ومكثف حيث شهدت بغداد نهضة عمرانية مُذهلة نجحَ في إنجازها نجاحا كبيرا، ومنها جرأته في تنفيذ المشاريع العملاقة التي لا زالت شاخصة للعيان إلى اليوم ..
ويقينا أن تلك المشاريع لم تكن لِتتحقق لولا عَمله ومتابعاته المُستمرة إذ كنت أترصده، كيف كان يَجوب شوارع بغداد منذ ساعات الفجر الإولى ولا يلتحق بمكتبه في ديوان الأمانة إلا حين يبدأ الدوام الرسمي، ثم يتجول في أحياء بغداد مساء حتى ساعة مُتأخرة في الليل، وكان يستخدم المكافأة للمُجد في عمله والعقاب الإداري للمُتكاسل والمُهمل ..
وإذا كان سمير الشيخلي قد حقق هذا النجاح خلال المُدة (1978 ــ 1982)، ونجاحه أيضا حين تمَّ إستيزاره في عهد النظام السابق لوزارات الداخلية والصحة والتعليم العالي، فإن أرشد العمري الذي تولى أمانة بغداد في زمن الحُكم الملكي للمُدة (1931 ــ 1933) كان قد سَبق الشيخلي في هذا النجاح حين قام بتطوير العديد من الأحياء في بغداد، وعندما أصبح أمينا للمرة الثانية للمُدة (1936 ــ 1944) عُرف عن العمري نشاطه الإداري الكبير حيث شَّيد عدة مبان ومشاريع، وكان يُراقب العمل بنفسه ويتجول بسيارته ليلا ونهارا ..
سمير الشيخلي الذي يُقيم في العاصمة الأردنية عمَّان يعيش بلا راتب تقاعدي، وقد غيَّب الموت زوجته، وهي إبنة شقيقة الروائي الرائد الصديق فؤاد التكرلي، فيما يعيش ولديه في أميركا من دون عمل وإبنته المُتزوجة تُقيم في الأمارات، ولم تبق معه إلا الأبنة الصغرى فيما هو يقضي أيامه في عمَّان مُتنقلا ما بين البيت والجامع وزيارة قبر زوجته، ولطالما يشده الحنين العارم لبغداد والدعاء المُتواصل كي يحفظ الله العراق وشعب العراق ..