بقلم: الدكتور اسماعيل الجنابي
رغم محاولة الغرب دعم المقاومة الشرسة للقوات الأوكرانية تجاه التوغل الجيش الروسي لبلادهم، يتوقع معظم الخبراء العسكريين الغربيين ، ان كفة الدب الابيض سوف تكون في نهاية المطاف هي الارجح واجراس النصر ستقرع لها نظرا لاختلال ميزان القوى وفارق الإمكانيات الهائل بين الجانبين في العدة والعدد والعتاد، خصوصا وان استراتيجية القتال الروسية تجري تبعاً لطبيعة دعم القارة العجوز للجيش الاوكراني وهذا ما جعل الحرب تجري وفق سياسية طبيعة الاسلحة المستخدمة للجيش الاوكراني الذي أصبح بين سندان التحالف الغربي ومطرقة الهجمات الشرسة الروسية ، ومع ان الولايات المتحدة الأمريكية والغرب يعملون على إطالة أمد الحرب في أوكرانيا إلى أبعد مدى ممكن وذلك لاستنزاف القوات الروسية ومعرفة نوع التسليح المستخدم تجاه القوات الاوكرانية.
اوكرانيا وحرب الانابة عن الغرب
أن الغرب ينظر إلى الهجوم الروسي لأوكرانيا الذي بدأت طلائعه في 24 شباط/ فبراير الماضي، والذي اطلقوا عليه مصطلح “الغزو” بينما تصفه موسكو بالعملية العسكرية الخاصة، من خلال التحليلات الجيوسياسية واللعبة السياسية الكبرى من جهة، ومن خلال الحصول على مكاسب انتخابية شخصية أو حزبية ضيقة من جهة أخرى.، حيث تهدف إلى نزع سلاح أوكرانيا وابعادها من الهيمنة النازية على حد قول الخبراء الروس، على اعتبارها تشكل خطرا وجوديا على روسيا، كقلعة متقدمة للغرب تعمل على تفكيك وتقويض الاتحاد الروسي، فالغرب يعلم جيدا ان أوكرانيا هي الجسر الذي يربط روسيا بأوروبا ولهذا يحاول الغرب جاهدا دعم الجيش الاوكراني في قتاله الخاسر مع روسيا على حساب معاناة الشعب الاوكراني الذي اصبح حقل التجارب بين الغرب وروسيا التي تعتبر نفسها امام اختبار وجودي على المستوى العسكري والاقتصادي ، وهذا مادفع بوتين الى اعلان الاعتراف باستقلال لوغانسك ودونيتسك في إقليم دونباس الأوكراني في 21 شباط / فبراير 2022 والذي نتج عنه تصاعد وتيرة العقوبات الغربية على روسيا وحِدتها في القتال ، انها حرب قذرة ابطالها المنتفعون وضحاياها المغررر بهم ، ولهذا نجد ان الغرب غير مكترث بالخسائر الكبيرة لأوكرانيا في الممتلكات والأرواح، والخسائر الروسية العسكرية ويعرقل أي جهود للتوصل لحل دبلوماسي.
حروب أمريكا الخاسرة
دخلت الولايات المتحدة الامريكية في العقود الثلاثة الماضية بحروب مفتعلة ضد العراق وأفغانستان، بحجة مقاتلة الإرهاب، وقد منية قواتها بخسائر فادحة ، رغم اسقاط الانظمة السياسية لكلا البلدين ، لكنها لم تتمكن من تحقيق أهدافها بنصر نهائي يحفظ هيبتها أمام الرأي العام الامريكي بوجه خاص والمجتمع الدولي بوجه عام ، ورغم ذرائعها المظللة لتبرير شرعية هذين الغزوين المتمثلة بوجود أسلحة دمار شامل لدى نظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وتورط حركة طالبان بهجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، الا ان نهاية هاتين الحربين كانت مغزية لها بعد ان اجبرتها المقاومة الوطنية العراقية بالانسحاب المهين والحال نفسه أمام قتال حركة طالبان الشرس وانسحابها المذل وتآكل هيمنتها العالمية.
إن اطالة أمد حرب الانابة لن يصب في مصلحة أوكرانيا ، كونها ستخسر المزيد من اراضيها أهداف ، خصوصا وان الغرب يريد إغراق روسيا واستنزاف مواردها، وإضعاف قدرات الدولة الروسية واقتصادها، إلى جانب استنزاف شعبية الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصيا، والدفع باتجاه خلق تمرد داخلي ضده، وإظهار الحرب بأنها حرب بوتين وطموحاته الشخصية، وإفقاد الجيش الروسي هيبته وسمعته، وإظهار ضعفه وهشاشته أمام قوة إقليمية صغيرة ، واعادة تجربة يلتسين الذي بعهدة تفكك الانحاد السوفيتي بفعل سباق التسلح وحروب الفضاء ، فكل هذه التخيلات لن يجني منها الغرب سوى المزيد من هجرة اللاجئين اليها وزيادة التضخم والاعباء الاقتصادية والمشاكل السياسية التي قد تفكك الاتحاد الاوروبي خصوصا بعد التهديد النووي الروسي الذي بات يشكل مصدر قلق لشعوب أوروبا .
معارك الاستنزاف
لا تبدو لعبة إطالة أمد الحرب أحادية الجانب وتصب في مصلحة الغرب، فبإمكان روسيا وبوتين شخصيا الاستفادة منها، فأوكرانيا لن تستطيع مستقبلا استرداد أراضيها التي أخذتها روسيا حتى الآن ومنذ عام 2014. وكما كشفت حروب روسيا الطويلة الأخرى في الجوار، فإنها قادرة على استدامة عمليتها العسكرية لمدة طويلة، وتوفير كل الإمكانات اللازمة لها. وبهذا، سوف تتمكن روسيا من تحقيق أهدافها رغم التكلفة العالية والمدة الطويلة، والأكثر خطورة أن الغرب وخصوصا أوروبا سوف تتضرر من طول أمد الحرب، من خلال تدفق اللاجئين، وزيادة التضخم وشتى أنواع الضغوط الاقتصادية والسياسية، التي قد تخلق مشكلات وانقسامات سياسية حول سبل التعامل مع الأزمة ، الامر الذي ينتج عنه مشاكل داخل دول الاتحاد الأوروبي ويهدد وحدته ، ناهيك عن تقدم المسار الروسي الصيني الهادف الى كسر الهيمنة الغربية على منظومة المدفوعات المالية الدولية ويسارع في نهاية هيمنة الدولار الامريكي في التداول العالمي وهنا لابد من الاشارة الى قيام امريكا بضرب التقارب الأوروبي الروسي بشكل عام، ومنع التقارب الروسي الألماني، عبر تجميد تشغيل خط سيل الغاز الشمالي الثاني (نورد ستريم 2). والمعلوم أن روسيا تزوّد ألمانيا وأوروبا بأكثر من 40% من احتياجاتها في الغاز، لكن مع تعثّر خط الغاز الذي يمرّ بأوكرانيا، أصبحت ألمانيا وأوروبا مكشوفة بشكل كبير تجاه الغاز ، والتذكير بأن خط “نورد ستريم 2” بُني بناءً على طلب ألمانيا، بعد الانقلاب الذي حصل في أوكرانيا في العام 2014. لذلك، يصبح إقفال هذا الخط نجاحاً تكتيكياً آخر، لكن مردوده الاستراتيجي سيكون كارثياً على ألمانيا وأوروبا التابعة للولايات المتحدة .
في المقابل، تدخل روسيا هذه الحرب بخيار واحد، هو خيار الانتصار العسكري الذي يحقق أهدافها من خلال الوقائع على الأرض أو عبر تسوية تنتجها وقائع كسبتها على أرض أوكرانيا. وفي حال اتخذ حلف الأطلسي قرار المشاركة المباشرة في هذه الحرب عبر آلته العسكرية، ستدخل روسيا الحرب بكل ثقلها، لأنها معركة مصير ومستقبل وبقاء بالنسبة إليها.
وهنا، لن تقبل روسيا بالهزيمة والانكسار والتراجع، وقد تضطر إلى استخدام قدراتها النووية، حتى لا تكون الخاسر الوحيد في هذه الحرب، وهو ما يدركه الحلف الأطلسي ويعمل على تفاديه. ولهذا، ركز جهده على عزل روسيا دولياً، واستنزافها اقتصادياً، وقتالها عبر الآلة العسكرية الأوكرانية.
لقد حدثت متغيرات كبيرة في مؤشرات القوة بين الدول العظمى في العقدين الأخيرين من هذه الألفية، إذ تبدلت مواقع الدول العظمى في ما يتصل بالقدرات الاقتصادية والعسكرية والسياسية.
وقد خاضت الولايات المتحدة الأميركية خلال هذه الحقبة حروباً عسكرية واقتصادية في الصومال وأفغانستان والعراق وسوريا وإيران وغيرها من الدول، أثرت في قدراتها كافة، كما أثرت نتائج جولات الحروب
وإعادة التموضع الدولي بعد 3 عقود انفردت فيها الولايات المتحدة الأميركية بقيادة العالم، وفرضت خلالها رؤاها الثقافية والاقتصادية والسياسية عليه بمساندة غربية.
خلال هذه الحقبة، تعرضت دول عظمى، مثل روسيا والصين، لمحاولات الإضعاف والإخضاع والتهميش، فعكفت على ذاتها، وأعادت بناء قدراتها الاقتصادية والعسكرية والسياسية، بالقدر الذي يؤهّلها لاستشراف مستقبلها الحر وتحقيق رؤاها الاستراتيجية وتطلعاتها المستقبلية، التي تفرض عليها إعادة بناء النظام الدولي وإخراج العالم من الهيمنة والقطبية الواحدة إلى طلاقة التعددية القطبية التي تفتح آفاق التوازن الدولي الذي غاب بغياب الاتحاد السوفياتي.
يذهب تقييم صناع السياسة الأمريكيون للقوة العسكرية الروسية، التي لم تتخذ موسكو أي إجراء جديد مهم لتهديد المصالح الأمريكية، لذلك لا يوجد سبب يدعو الولايات المتحدة إلى المخاطرة بالحرب عن طريق التصعيد. وتشكل الترسانات النووية على كلا الجانبين عاملا جديدا ثانيا في هذه الحالة. واليوم، لا تنذر الحرب مع روسيا بالمذابح فحسب، بل بمعركة نهاية العالم أيضا، ويفرض خطر هذه المعركة مستوى استثنائيا من الحذر، وهو ما نراه واضحا في القلق الحقيقي لدى الرأي العام الأمريكي والكونغرس بشأن خطر الحرب مع روسيا.
في نفس السياق، حرصت إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى حد كبير على تجنب أي تصعيد خطير قد يؤدي إلى صراع مباشر بين الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (ناتو) من جانب وروسيا من جانب آخر. ورفضت الإدارة الأمريكية باستمرار الدعوات إلى فرض منطقة حظر جوي أو أي إجراء آخر يمكن أن يخاطر بصدام عسكري مباشر مع روسيا.
وفي هذا السياث صرح الرئيس جو بايدن في آذار/ مارس الماضي: “لن نخوض حربا ضد روسيا في أوكرانيا”. كما كانت الإدارة الأمريكية حذرة بشأن نوع المساعدات العسكرية المقدمة. فعلى سبيل المثال، قاومت تزويد أوكرانيا بطائرات مقاتلة يمكن استخدامها لمهاجمة الأراضي الروسية ، وأخيرا، طلبت الولايات المتحدة من أوكرانيا عدم استخدام الأسلحة التي قدمتها الولايات المتحدة لمهاجمة الأراضي الروسية (وحتى الآن، يبدو أن أوكرانيا تمتثل لذلك) حتى في الوقت الذي تدعم فيه واشنطن كييف في استعادة الأراضي التي فقدتها سابقا لصالح روسيا.
وختاما نقول : هل سيتكرر مشهد اغتيال رئيس الوزراء السويدي “ادولف بالمه بعد تهديد بولتون للرئيس الروسي فلاديمير بوتن ؟
أم سيعيد زلينسكي الى اذهان العالم ان الغرب قد سيتخلى عنه في نهاية المطاف أمام القوة الروسية الشرسة.