بقلم : حميد عبدالله
لا أدري ان كان عادل عبد المهدي يدرك بنحو واضح مفهوم الدولة ومقوماتها ، أم ان تجربته في التنقل بين الاحزاب قد خلقت لديه حالة من اللبس والالتباس ، فتداخلت في رأسه المفاهيم والرؤى بنحو مشتبك ومرتبك!
عبر الرجل عن خشيته من ضياع الدولة ، وقال وهو يتحدث عن ( خطر) الاحتجاجات السلمية : (اننا سنكون أمام خيارين الدولة او اللادولة)..معتقدا انه يدير دولة لها كامل المقومات والركائز ، ويخشى على ضياعها او تفككها بسبب الفوضى التي يمكن ان تترتب على انفجار الشارع!
لكن رئيس الحكومة ، وفي تصريح لاحق له ، نسف وجود دولة حقيقية في العراق حين نفى ان يكون قد اصدر اوامر الى قواته الامنية باطلاق النار على المتظاهرين، ثم ذهب اكثر اذ اتهم ما أسماه ب( الطرف الثالث) بقتلهم !
من هو ( الطرف الثالث) سؤال مازال يشغل بال العراقيين ؟
هل هو جهاز امني سري أسسته الحكومة لانقاذها في اللحظات الحرجة ؟ هل هو دولة جار تتدخل عند الضرورة لانقاذ النظام السياسي؟ هل هو حكومة سرية داخل الحكومة ( المنتخبة) ؟
عبد المهدي لم يقدم تعريفا واضحا ل(لطرف االثالث) لكن المؤكد ان هذا ( الطرف) هو أقوى من الحكومة نفسها ، ويعمل في معزل عنها ، ولا يأتمر باوامرها ، بل ان سلطاته لاتخضع ل لاي قانون ، فهو طليق اليد ، ومطلق الصلاحيات في أن يعمل مايشاء!
بوجود ( الطرف الثالث) فقدت الدولة احد اهم مقوماتها وهي ( بسط سلطتها على جميع مواطنيها ) ، فالدولة حين ينازعها طرف على سلطتها السيادية تكون قد فقدت جزءا من سيادتها فكيف يكون الحال اذا كان ذلك الطرف يستهين بالدولة نفسها ، ويعبث بمقدراتها ، ويسخر من دستورها، ويقتل مواطنيها من غير رادع ولا وزاع؟!!
الطرف الثالث نفسه هو من فرض على وزير الصحة عقدا لتوريد اللقاحات ب100 مليون دولار بدلا من 12 مليون بفارق قدره 88 مليون تذهب لديمومة بقاء ذلك الطرف ، وتدعيم نفوذه وقوته ، وترسيخ وجوده !
وقف عبد المهدي عاجزا وحائرا ومغلوبا على امره حين قدم وزير الصحة استقالته مقرونة بفضائح فساد يصعب على كل ذي غيرة وطنية السكوت عليها .
وبدلا من ان يقف مع الوزير، ويتعهد بحمايتته، ويحيل الملف الى الادعاء العام ويفضح ذلك الطرف ويسمي عناصره بالاسماء الثلاثية دفن رئيس الحكومة راسه في الرمال، ومنح الوزير اجازة مفتوحة ولسان حاله يقول :دعنا نكمل ولايتنا الحكومية بسلام !
بهذا الموقف نسف عبد المهدي ابسط مفهوم للدولة صاحبة الولاية المطلقة على الشعب وثرواته وتقرير مصيره ، واقر بوجود دولة اخرى داخل الدولة التي يديرها ، دولة ثانية تعمل في العمق لا احد بامكانه ترويضها او ردعها ..السبيل الوحيد لمواجهتها هو الاعتراف بها ، والتسليم بسطوتها ، والاستسلام لها، وهذا مايفعله عبد المهدي بصراحة ووضوح !