الوضع الراهن بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية
د. سعد شاكر شبلي
لا يكاد يختلف إثنان على أن السياسة الخارجية الإيرانية المتبعة في المنطقة العربية والشرق الأوسط ، تخدم التوجهات الأمريكية والإسرائيلية في هذه المنطقة بالغة الحيوية للمصالح الدولية، وذلك لما أثارته (إيران) وما تزال من مخاوف في كثير من دول المنطقة وعلى وجه الخصوص الخليجية منها، في أعقاب توظيفها (إيران) لمواردها العسكرية (الترسانة العسكرية التقليدية وغير التقليدية) وامتدادها الطائفية في كل من العراق وسوريا ولبنان ودول مجلس التعاون لدول الخليج العربية واليمن، فضلاً عن الموارد الاقتصادية والثقافية، الأمر الذي منحها سطوة لم تكن خافية على النظم السياسية في دول المنطقة الحليفة منها أو الرافضة لتوجهاتها.
وتعد كتابات بعض الباحثين وتعليقات بعض المحللين مبالغ فيها كثيراً، بشأن قرب وقوع الحرب بين الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في المنطقة من جهة، وإيران وحلفائها في الدول التي تضم أعداد كبيرة من مقلدي المرشد علي خامنئي وبقية مراجع الدين الإيرانيين من أتباع نظرية ولاية الفقيه، الأمر الذي بدا واضحاً من خلال تراجع حدة التصريحات العدوانية الأميركية الإيرانية المتبادلة، بعد سلسلة من الإجراءات العملية المحسوبة في إطار سياسة التصعيد الكلامي والمواجهة الدبلوماسية والحشد المتبادل إلى مستوى لم يصل، ولن يصل إلى حد المواجهة المسلحة، وهي مواجهة غير مطلوبة.
ومن المنظور التحليلي، لا نجد ما يبرر انفجار حرب بين الطرفين الإيراني والأمريكي، رغم وجود ثمة مصالح متضاربة، ولكنها ليست من النوع الحاد الذي يفرض كسر أنوف بعضهما للأخر، بل إن لديهما خياراً قوياً نحو التوصل إلى تفاهمات منتصف الطريق كما حصل في الاتفاق النووي عام 2015 والمعنون بخطة العمل الشامل المشتركة بين إيران ودول مجلس الأمن الخمسة دائمة العضوية إضافة إلى المانيا. ولعل دعوة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإيران في يوم 9/5/2019 لإجراء حوار دون شروط، تعد مفاجئة للاتجاه الأبرز من الحلفاء المتمثل باسرائيل والسعودية اللذان تلقيا الخبر بحالة ذهول شديد. في حين أن هناك فشلاً ايرانياً لاستراتيجيات التصدي لاجراءات ترامب وخاصة القيود والضغوط المالية والاقتصادية، يقابله نجاح إيران بإحداث شرخ قابل للترميم في العلاقات الأوروبية الأمريكية، وذلك لم يزد عن بقاء الولايات المتحدة الأمريكية لوحدها على طرف نقيض مع الاتفاق النووي بين السداسية الدولية وإيران بعد رفض دول الاتحاد الاوروبي وروسيا والصين الانسحاب من الاتفاق النووي، بل هناك اصرار على تعزيزه وتطويره تحت حماية الامن والسلم الدوليين .
وسعياً من هذا المقال في تنشيط ذاكرة القارىء اللبيب عن حالة التصعيد الراهنة في مياه الخليج العربي وعلى ضفافه، فإن حدة المواجهة بين الطرفين الإيراني والأمريكي بدأت عام 2018 حينما أصدر الرئيس الأميركي دونالد ترامب قراره بانسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق النووي مع إيران، وذلك بدفع وتحريض إسرائيلي مباشر، يقابل ذلك التمسك الإيراني الشديد بمضمون الاتفاق المذكور مع المراهنة على موقف الدول الأطراف رغبة في المساعدة برفع الحصار الاقتصادي وخاصة النفطي والنقدي عنها، لكن ورغم تمسك الدول الأوروبية بالاتفاق إلا أنها لم تتمكن من مساعدة إيران طوال عام من الانسحاب الأميركي عن الاتفاق، الأمر الذي دفع الرئيس الإيراني حسن روحاني لإلغاء بعض بنود الاتفاق حول التخصيب النووي، وقيام إيران بتحريض أتباعها الحوثيين في اليمن لتوجيه ضربات تحذيرية استهدفت تخريب أربعة سفن تجارية راسية في ميناء الفجيرة الإماراتي، وتوجيه ضربات لموقعي شركة أرامكو السعودية، وهي رسائل موحية أن لديها القدرة على توجيه الأذى بالمصالح الأمريكية وحلفائها في الخليج العربي .
وتأتي تحركات قطع الأسطول الأميركي نحو الخليج العربي وإعلان انتشار القوات الأميركية، لتعزز من جهود الولايات المتحدة الأمريكية الهادفة إلى: ردع إيران بسبب تصريحات بعض مسؤوليها بإغلاق مضيق هرمز أمام حرية الملاحة، ومنعها من التمادي للمس بالمصالح الأميركي.في المنطقة.
ويبدو جلياً أن طرفا المواجهة ليس لديهما الدوافع نحو الحرب. فالولايات المتحدة الأمريكية المتفوقة مازالت تعاني من هزائمها المتتالية في أفغانستان والعراق، بعد أن دفعت أثماناً بشرية ومالية بسبب تدخلها العسكري لإسقاط نظامي البلدين بدون أن تحقق مكاسب لسياساتها، كما أنها قد أخفقت لغاية الأن في تدخلاتها في كل من سوريا واليمن وليبيا بدون أن تحقق نتائج لتغيير معطيات الوضع ضد نظام الأسد في دمشق والحوثيين في صنعاء، فالقدرة العسكرية والتفوق السياسي والاقتصادي غير كاف لتحقيق الانتصار على رغبات الشعوب وخياراتها في القضايا المصيرية .
وتشير معطيات الواقع التاريخي إلى الفشل الأميركي الواضح في تدخلاتها غير النزيهة بشؤون عدد من دول العالم الثالث منذ نهاية الحرب الباردة، مستغلة غياب الاتحاد السوفييتي والتوازن الدولي، إلا أن العودة الروسية لأداء دور سياسي مؤثر وتنامي قدرتها العسكرية الردعية، جعلها تكثف من دعمها لأصدقائها ولحلفائها في منطقة الشرق الأوسط.
وعلى الطرف الآخر فإن إيران تبدو في وضع غير مستقر اقتصادياً واجتماعياً يمكن أن يسمح لها بدخول مواجهة مسلحة شاملة ضد الولايات المتحدة الأمريكية، لأن الحرب ستكون معها وعلى أرضها وضد مؤسساتها، فحربها ضد العراق لمدة ثماني سنوات استنزفها ولم تحقق انتصاراً على دولة إقل منها في الموارد البشرية والأقتصادية، ورغم كل ذلك نجدها قد حققت إنجازات هائلة في التمدد وبسط النفوذ في العراق وسوريا ولبنان واليمن عبر دعم الحلفاء والامتدادات السياسية والفكرية بدون أن تخوض حرباً مباشرة، وهي بهذا تواصل خيار التمدد السياسي والنفوذ العقائدي دون ان تتحمل تداعيات فتح المعارك العسكرية المباشرة، وفيما وصلت إيران إلى سقف تطلعاتها. فإنها لن تتمكن من تحقيق المزيد بعد إعادة فرض العقوبات التي قلصت من هامش قدراتها المالية والاقتصادية ولا تحتاج لمزيد من الاستنزافات المتعبة التي تحد من تطلعاتها الاستراتيجية.
وعليه فإن طرفا المواجهة يجدان أنفسهما أمام بعض الممرات الجانبية التي يتواجد فيها أطرافاً مساعدة ووسطاء قد يوفروا لهما فرص الالتقاء في منتصف الطريق، حتى ولو أدى ذلك إلى إعادة فتح ملف الاتفاق النووي أو تقليص التصادم على الملفات الإقليمية بما فيها ضمان أمن إسرائيل الذي يعد أحد أبرز ثوابت السياسة الخارجية الأميركية في منطقة الشرق الأوسط ، استجابة لضغوط اللوبي الإسرائيلي في الولايات المتحدة الأمريكية.