تحت مبدأ التسقيط السياسي ، يجري الان وراء الكواليس الترويج لشخصية رئيس البرلمان سليم الجبوري ، مقابل النيل من شخصيات سياسية سنية بعينها ، قبيل خوض الانتخابات العامة المقررة في أيار المقبل، من خلال تسليط الضوء على تنافس من نوع خاص، بين 4 قيادات سياسية، على تزعم الطائفة السنية في المرحلة المقبلة، التي ستشهد ولادة برلمان وحكومة جديدتين.
وفي مقدمة الشخصيات المتنافسة، يبرز زعيم المشروع العربي، رجل الأعمال المثير للجدل، خميس الخنجر، الذي يرتبط اسمه بدعم حركات راديكالية، متهمة بتأجيج العنف الطائفي العام 2013، ولم يعرف عن الخنجر اهتمامه بالتواصل مع الجمهور، بالرغم من وجوده في دوائر الكواليس السياسية منذ نحو عقد كامل.
ويعتمد الخنجر على صلات إقليمية، ترتبط بتعاملات تجارية ضخمة، لكسب النفوذ، والتأثير في الساحة العراقية. ولكن الخنجر تحول فجأة إلى العمل الاجتماعي، عندما حاول تقديم خدمات لجمهور النازحين من محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين، إثر سقوطها في إيدي عناصر تنظيم داعش صيف العام 2014.
ويبدو أن الجمهور لم ينس أن الخنجر نفسه، كان أحد أسباب سقوط المناطق السنية، عندما تبنى خطابا متشددا إزاء مؤسسات الدولة، التي اتهمها بالخضوع التام لإيران، ما تسبب في توتر العلاقة بين السكان المحليين والجيش العراقي.
ويرتبط الخنجر بعلاقات مثيرة للجدل مع بعض صقور السياسة الشيعية، لا سيما زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي والنائبة عن محافظة بابل حنان الفتلاوي. ولم تخف الأخيرة اعجابها بـ “كرم الخنجر”، الذي تشير مصادر إلى أنه “بوابة الوصول إلى قلوب بعض الساسة”.
وهذا ما يفسر انفتاح الخنجر، مؤخرا على العملية السياسية في شقها الشيعي، والركون نحو خطاب معتدل، تجنبا لإثارة أحد ضده.
وحافظ الخنجر، مؤخرا، على نغمته الهادئة، لا سيما عندما ترشح شخصيا للانتخابات، خوفا من إقصائه. ومع أن الخنجر عاد وانسحب من السباق الانتخابي، إلا أن خطته في تهدئة المخاوف الشيعية ربما نجحت مؤقتا.
ويعتقد مراقبون أن حظوظ الخنجر ضعيفة في تزعم الطائفة السنية خلال المرحلة المقبلة، بسبب سجله الحافل بعبارات التحريض، ما سيؤدي سريعا إلى تبدل ربيع علاقاته ببعض الساسة الشيعة خريفا.
والشخصية الثانية، التي تنافس على تزعم سنة العراق، زعيم ائتلاف “للعراق متحدون” أسامة النجيفي.
وبالنسبة لمراقبين، فإن النجيفي، ما يزال عالقا في لحظة العنف الطائفي العام 2006، ولا يريد أن يغادر قواميسها، ما يكشف عجزه عن مواكبة التحولات السياسية. ويبدو النجيفي، في عيون جيل سياسي قوامه 3 ملايين شخص، يحق لهم التصويت في انتخابات 2018، بعدما بلغوا السن القانونية، كهلا، أو أنه ينتمي إلى عالم قديم.
ويعاني اسامة النجيفي ثقل ظل شقيقه أثيل، الذي تقول الكواليس السياسية إن لا يتفق كثيرا مع سياسة ومواقف نائب رئيس الجمهورية.
ويقول مطلعون إن النجيفي الأكبر، يعاني كثيرا عجزه عن مجاراة الخطاب السياسي البراغماتي الذي ينتهجه شقيقه الأصغر، الذي سبق له أن شغل منصب محافظ نينوى. وبالرغم من ابتعاده عن بغداد منذ أعوام، وأوامر القبض التي تلاحقه، ما زال أثيل النجيفي مؤثرا بشكل أكبر مما يفعل شقيقه أسامة، في دوائر القرار السياسي ببغداد وأربيل.
ومن وجهة نظر مراقبين، فإن اسامة، لو ترك مشروع الزعامة السنية، لشقيقه أثيل، ربما كان أقرب إلى النجاح، لكن إصراره على لعب هذا الدور أخرجه بعيدا عن دائرة التنافس.
والشخصية الثالثة التي تتنافس على زعامة الطائفة، هي زعيم جبهة الحوار صالح المطلك. ومنذ تفجر فضيحة سرقة تخصيصات النازحين، اختفى المطلك عن الساحة السياسية، ليظهر بشكل مفاجئ مؤخرا، ويعلن شراكة مع اياد علاوي في مشروع انتخابي.
ولم ينجح المطلك في التخلص من آثار شبهات دارت حوله، يتعلق مضمونها باختفاء نحو ملياري دولار، خصصت لإغاثة النازحين العام 2014، وكلف زعيم جبهة الحوار، الذي كان يشغل منصب نائب رئيس الوزراء آنذاك، بإنفاقها.
ووجه آلاف المتضررين، فضلا عن نواب وساسة، اتهامات صريحة للمطلك، بالمسؤولية عن اختفاء هذا الملبغ الضخم، الذي يفترض أنه خصص لإغاثة ملايين النازحين السنة الذين تقطعت بهم السبل بعد مغادرتهم مناطقهم التي سقطت في أيدي عناصر تنظيم داعش صيف العام 2014.
ومؤخرا، عاد المطلك، ليخبر الجمهور بأنه فكر في الانتحار بسبب “الظلم” الذي تعرض له في تظاهرات الأنبار، العام 2013.
وكان جمهور هذه التظاهرات، هاجم المطلك بالأحذية والحجارة، عندما حاول دخول ساحة الاعتصام والانضمام الى المتظاهرين.
ويبدو المطلك وجها محترقا، وفقا لمراقبين، لا يمكن له أنه يقنع الجمهور، أو شركاء السياسة، بقدرته على تزعم طائفة بهذا الحجم.
وأخيرا، يبدو رئيس البرلمان، سليم الجبوري، الأكثر توازنا بين هذه الشخصيات الأربعة، فبالرغم من الانتقادات المتكررة التي طالته، لجهة ضعف شخصيته، والخجل الذي يعتري مواقفه السياسية، إلا أنه نجح في بناء شراكة فعالة مع رئيس الحكومة حيدر العبادي، أنهت مرحلة طويلة اتسمت بالتوتر في العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.
وعلى الصعيد السياسي، حافظ الجبوري، على أداء متوازن للجمع بين علاقات مستقرة برموز الطبقة السياسية الشيعية من جهة، والانخراط في قلب أبرز القضايا التي تتصل بالطائفة السنية من جهة ثانية، لا سيما في ملف النزوح، الذي أسهم في تحويله إلى أحد أهم القضايا التي تشغل البرلمان العراقي. ولم يكن توازن الأداء السياسي للجبوري، مقتصرا على الداخل، إذ نجح فيما فشل فيه معظم رموز الطبقة السياسية السنية، وهو ملف العلاقات الخارجية.
وعلى خلاف الشخصيات الثلاثة سالفة الذكر، لم يتحول الجبوري، إلى جزء من محور مدعوم من دولة في المنطقة على حساب أخرى. ونجح الجبوري في بناء علاقات متوازنة مع كل من السعودية والإمارات والكويت وقطر ومصر وتركيا وإيران، في وقت انخرط الآخرون في مشاريع إقليمية تتصارع على أرض العراق.
ومنذ تسلمه رئاسة البرلمان في الدورة الحالية، ارتقى نجم الجبوري، الذي يرشحه مراقبون للعب دور حاسم فيما يتصل بشؤون تمثيل الطائفة السنية في العراق، خلال الأعوام الأربعة القادمة.
بقلم سارية العمري ” خلت السنة من رجالاتها “