وصل الرئيس الروسي، “فلاديمير بوتين”، هذا الأسبوع، إلى “قاعدة حميميم” في مدينة اللاذقية السورية، ليعلن نيته سحب جزء من قواته من سوريا بالتزامن مع الإنتقال إلى التسوية السياسية، ثم إنتقل في نفس اليوم إلى القاهرة وأنقرة، حيث بحث مع الرئيسين “عبدالفتاح السيسي” و”رجب طيب أردوغان” ملفي سوريا والقدس. ويرى المحللون أن جولة “بوتين” الخاطفة في ثلاث دول بالشرق الأوسط تحمل الكثير من الدلالات، لا سيما في هذا التوقيت.
“بوتين” ورؤية مختلف للتسوية في سوريا..
يقول الكاتب الإسرائيلي، “رون بن يشاي”، في مقال له بصحيفة (يديعوت أحرونوت) العبرية، إن جولة الرئيس “بوتين” المفاجئة والتي شملت ثلاث دول في الشرق الأوسط، لم يكن الهدف منها هو الإحتفال بالإنجازات التي حققتها روسيا أو إستفزاز الولايات المتحدة, بل كان “بوتين” في حاجة لتلك الجولة من أجل تذليل الصعاب التي تواجهه في تحقيق التسوية السياسية في سوريا. حيث أتضح للرئيس “بوتين” أن “بشار الأسد” – رغم أنه مدين بالفضل لموسكو، لأنها هي سبب بقائه وبقاء نظامه في السلطة – لا يتفق مع روسيا بشأن مرحلة ما بعد إنتهاء الحرب الأهلية.
وليس هذا فحسب، بل إن الإيرانيين والأتراك أيضاً؛ لديهم رؤية مختلفة تماماً عن رؤية موسكو في تسوية الأزمة السورية. فالرئيس الروسي يريد التوصل إلى التهدئة ووقف القتال في المناطق السورية, كل على حدة وبشروط منفصلة. وفي المقابل فإن “بشار الأسد” غير مستعد للمساومة، وهو يطالب بأن تظل كل أرجاء سوريا تحت سيطرته المُطلقة دون أي شراكة في السلطة؛ سواء من جانب المعارضة أو المتمردين أو الأكراد.
كما يريد الروس أن يكون للمتمردين والمعارضة والأكراد دور في الحكم المدني، بجميع المناطق، وكذلك في الحكومة الإنتقالية التي ستكون خاضعة لـ”الأسد”، إلى حين إجراء الانتخابات. ويرى الروس أيضاً أنه ليس بالضرورة أن يكون الرئيس “الأسد”، وأسرته والعلويين، هم الحكام الوحيدين لسوريا. لكن “الأسد” والإيرانيين غير مستعدين لقبول ذلك.
“تركيا” لا تريد سحب قواتها..
يرى “بن يشاي” أن الأتراك لا يريدون سماع الحديث عن إمكانية قيام منطقة كردية ذات سيادة مستقلية في شمال سوريا بالقرب من الحدود التركية. ومن المعلوم أن روسيا تناصر الأكراد وتدعمهم, لكنها ترفض تلقيهم الدعم الأميركي.
لكن الرئيس التركي، “أردوغان”، يرفض بشدة أن يسحب قواته من سوريا، حتى لا يسمح للأكراد بتوحيد المناطق التي في حوزتهم لإقامة إقليم يتمتع بحكم ذاتي، (على غرار الإقليم الموجود منذ عقود في شمال العراق).
موسكو وطهران: تنافس على الغنائم..
يؤكد “بن يشاي” على أن هناك خلافات أخرى حادة بين موسكو وطهران. حيث لا يقبل الروس أن يكون للإيرانيين ميناء خاص بهم في سوريا, كما يرفض الروس إشراك الإيرانيين في إعادة بناء سوريا أو في مشاريعها النفطية, بل يريدون الإستحواذ على أغلب الغنائم السورية.
“بوتين” يهدد “بشار”..
بحسب الكاتب الإسرائيلي فإن كل تلك الخلافات، وغيرها، كانت هي السبب في فشل القمة التي عقدها “بوتين” في منتجع “سوتشي” خلال الشهر الماضي. فقد التقى ببشار الأسد والرئيسين الإيراني والتركي وتحدث هاتفياً مع كل من رئيس الوزراء الإسرائيلي “نتنياهو” والرئيس “عبدالفتاح السيسي”، ولكن دون جدوى. حيث انتهت قمة “سوتشي” ولم تنهي الخلافات, ولذلك تتعثر المفاوضات السياسية التي تجريها روسيا في “الآستانة” عاصمة كازاخستان، وكذلك
مفاوضات “جنيف”، التي ترعاها الأمم المتحدة.ويريد “بوتين” أن تسير الأمور في الإتجاه الذي يرغبه، ولذلك قام بزيارة سوريا وأعطى التعليمات لقواته بالإستعداد للإنسحاب من هناك. وبالطبع لن يكون الإنسحاب كلياً، فهناك مواقع استراتيجية لن يخليها.
وهذا التلميح بالإنسحاب يمثل بالفعل تهديداً مباشراً للرئيس “الأسد”, بمعنى أنه إذا لم يقبل خطة التسوية السياسية الروسية لحل الأزمة السورية فإنه سيضطر أن يواجه بمفرده المتمردين والجهاديين دون أن يتلقى المساعدات الروسية. وسيكون على الإيرانيين – الذين يعلمون أن “بوتين” هو الوحيد الذي حال دون هزيمتهم – أن يأخذوا ذلك في الحسبان.
“بوتين” يستغل أخطاء “ترامب”..
يضيف “بن يشاي”، أن “بوتين” غادر سوريا متوجهاً إلى مصر – والأرجح أنه فعل ذلك للحصول على دعم الرئيس “السيسي” لخطة التسوية الروسية في سوريا, ولكن أيضاً لتعزيز علاقاته مع مصر.
وهو بالتالي يؤكد مكانة روسيا، كدولة عظمى ذات نفوذ يفوق نفوذ الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط. ومما لا شك فيه أن الرئيس “بوتين” يستغل القرار الذي أعلنه “دونالد ترامب” للإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، كي يعزز علاقاته بالعرب والإيرانيين. وبذلك يبدو “بوتين” في نظر العرب والمسلمين وكأنه هو من يدعم قضاياهم في الوقت الذي يسيئ إليهم “ترامب”.