بقلم: الاستاذ الدكتور عبد الرزاق الدليمي
سبق لي ان كتبت عدة مقالات عن تطبيقات الفوضى الخلاقة في العراق المحتل ورغم التباعد الزمني بين مقال وآخر الا ان عمليات تطبيق هذا المصطلح ما زال مستمرا.تناقلت وسائل الاتصال خلال الايام القليلة الماضية بشكل ملفت للانتباة الاتصال الهاتفي لوزير خارجية دولة الاحتلال الاولى امريكا لعملائها في العراق وهو يهدد ويتوعد اعداء امريكا المفترضين من المليشيات بالويل والثبور ووو.؟؟؟!!!ان مهزلة ردود افعال قادة المليشيات المجرمة المثيرة للجدل على ما وصلهم من جعجعة من مكالمة بومبيو تدفعنا لان نتوقع حصول شئ مما طبل وزمر له المطبلين ممن يسمون انفسهم محللين آخر زمن.ورغم ما طبل وزمر له البعض من تبيض صورة الاحتلال الامريكي تستمرعملية خلق حالة من الفوضى والأنفلات الأمني ، وجعلها حالة مستمرة ومتصاعدة في العراق ، ضمن أفكار ومقترحات مراكز الفكر والسياسة الأمريكية قبل وبعد العدوان الثلاثيني الخليج 1991. كان العراق بسياساته الراديكالية قبل احتلاله مشكلة دائمية ومستعصّية للأدارة الأمريكية بأعتباره قوة أقليمية متصاعدة ، ومصدر تهديد أساسي للهيمنة والمصالح الأمريكية في المنطقة العربية ( في حقبة القرن الأمريكي )، كما كان يشكل أكبر تهديد تاريخي وقادم للكيان الصهيوني ، وتم تصويره دعائيا كمصدر تهديد للسلم والأستقرار!!! في المنطقة. لهذه الأسباب كان يجب ان يبقى حجر الزاوية في سياسة أمريكا أحتواء العراق من خلال الردع والحصار طالما بقيت حكومة وطنية وقومية الأتجاه في السلطة. وعندما قامت الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة بغزو العراق واحتلاله 2003 . أدعى المحتلين ان غايتهم إحلال السلام ، والإزدهار والديمقراطية . الا ان ماحصل منذ ذلك التاريخ، من دمار وعنف ونزاع اهلي والصعوبات الأقتصادية في العراق . ناهيك عن مئات آلآف الإبرياء هم الآن أما مغيبين قسريا او في عداد الموتى والجرحى ، والملايين هجرّوا، والعديد من المدن العراقية دُمرّت، وموارد هائلة بُدّدت فكارثة الفوضى والتدمير التي عمت العراق شملت : تدمير التراث الثقافي ، أستخدام أسلحة عشوائية وضارة ، الأعتقال الأمني للعراقيين ، التعذيب والأساءة الى السجناء ، قتل المدنيين والذبح والأعمال الوحشية ، التهجير والوفيات ، الفساد والأحتيال وتثبيت قواعد عسكرية طويلة الأمد. تم أحتلال العراق في أطار أستراتيجة الفوضى الخلاّقة التي وضعها دهاقنة البيت الأبيض الأمريكي من المحافظين الجدد كجزء من الخطة الكونية للسيطرة على العالم بأسلوب حديث – قديم ، وبتجربة اولية للتطبيق بأحتلال العراق. ويظهر أن أيران كانت على وفاق مع هذه الأستراتيجية لتحقيق اهداف محددة كإسقاط دولة العراق ، وخلق كيان مسخ ضعيف فيه التي يمكن التحكم به والتي تلتقي مع الأهداف الأمريكية. وكلاً من أمريكا وأيران ودول أخرى يمتلكون حالياً خيارات التدخل الواسع والكبير لنشر فوضى متزايدة في المجتمع العراقي متى أراد أحدهم ذلك. بل إن محلل سياسي ايراني يذهب الى أن النظام الأيراني أعتمد بداية سياسة الفوضى المُنضبطة في العراق تحسباً من أنقلاب الأوضاع الأمنية فيه ، هذه السياسة التي تقاطت مع أستراتيجية الأمريكية مما فتح الباب أمام الطرفين للتفاهم في ساحة العراق . كانت فكرة – الفوضى البنّاءة قد أطلقها روبرت ساتلوف مدير مركز واشنطن لسياسة الشرق الأدنى 2005 لتفسير السياسة التي أتبعتها الأدارة الأمريكية تجاه الوطن العربي . ذلك لإن الفوضى مطلوبة او مرغوبة فقط في الساحات العصية على التطويع والألحاق ، وليس في كل البلدان العربية . وحتى في الدول أوالساحات العصية والمُمانِعة ، فإن الخطة مرنة لدرجة أنها لا تستدعي دائماً ولوج دائرة الفوضى ، بل قد يُكتفى بترتيب الأدوار لقوى محلية مستعدة وراغبة في أن تؤدي أي غرض فوضوي وهذا ما يتم تطبيقهُ في العراق.
التخادم الامريكي الايراني في العراق المحتل
لم يعد خافيا ان العنف العشوائي الذي تمارسه وتنظمه وتموله قوى الأحتلال ودول جوار العراق،وتقديم الأقارب والطائفة والعشيرة ، والفساد الذي لم يسبق له مثيل ، كلها تعبر عن أهمية وتأثير الولاء الطائفي والعنصري والتشرذم عبر الفوضى والعشوائية في الولاء المناهضة للوطنية الذي يسود العراق منذ احتلاله والمدعوم من قبل الذيول في العملية السياسية. إن أعمال العنف التي تجري في العراق منذ الغزو الأمريكي تتنوع بشكل يضع البلاد على حافة الهاوية كالعنف الإجتماعي الصرف ( القتل – السرقة المنتظمة وغير المنتظمة – المشاجرة – العنف الأسري – الإغتصاب ) والعنف الإجتماعي – السياسي كالعنف الفئوي منه والطائفي والعرقي – العنف الناجم عن الفقر والعوز – التمرد – عدم وجود الأستقرار السياسي والوضوح المستقبلي ، يضاف له العنف السياسي الداخلي كالعنف الحزبي – الفوضى المسلحة – أعمال العنف المسلح غير المنظمة – أعمال العنف الصادرة عن القوات الحكومية . مع استمرارالعنف العابر للحدود ( العنف الإستخباري – العنف الذي تمارسه القوات الأمريكية والأجهزة الأستخبارية الأمريكية ) ، أو أستخبارات الدول الأقليمية والتي تؤكد أنها تثأر لمواقف العراق السابقة منها وتستهدف تطويق ونبش المجتمع بألوان مختلفة من الفوضى التي تهدد وحدة نسيجه الإجتماعي ، ووحدته كوطن وأرض وشعب. ان سياسة سلطة الاحتلال الأمريكية رمت بثقلها بأتجاه اضعاف الحكومة المركزية لصالح الحكومات المحلية الجديدة وحسب المحاصصة الطائفية والأثنية من خلال برنامج تفكيك الدولة العراقية ( بعد الإحتلال مباشرة ) في الوقت الذي كانت فيه المؤسسات البيروقراطية المركزية تترنح أمام سقوط السلطة وانعدام القانون والنظام وسيادة الفوضى. وهذا يدلل على سيادة فكرة واستراتيجة الفوضى في إدارة الدولة والمجتمع . وقد برزت استراتيجية تطبيق فكرة الفوضى الخلاقة في أطار تلغيم دستور للبلاد أشرفت على وضعه الأدارة الأمريكية ، واصبح أساساً لحركة تدميرالمجتمع القادمة ومستقبله. وفي اطار استمرار تدمير العراق بشكل منظم تت تنصيب حكومة العراق ، ومنذ آذار 2004 ، واطلق عليها توصيف الحكومة الفيديرالية بمعنى التقسيم الجغرافي –الطائفي – الأثني للدولة في العراق ، ووضعت كنص في دستور عام 2005 ، وبشكل يضمن التقسيم الأثني والطائفي للمجتمع والدولة ، أي تعميم الفوضى والتقسيم ومنحهِ الصفة القانونية من خلال الدستور. كما تم وضع أطار قانوني امريكيا لفكرة تقسيم العراق عبر نشر الفوضى من خلال تكوين الأقاليم في العراق وأزدادت الفوضى عمقاً في المجتمع ، وبمباركة القوات الأمريكية ، حيث سيطرت الميليشيات المسلحة المدعومة من قبل الأحزاب الطائفية على المستوى الوطني او المحلي أو العصابات والمجموعات التي كوّنها او رعاها الأحتلال او القوى الأقليمية، ومارست أنواع كثيرة من الأفعال والأجراءات التي تنشر الفوضى والرعب في المجتمع. وان هذه القوات تسعى الى خلخلة نسيج بناء المجتمع العراقي لإثارة المزيد من الأحقاد عن طريق قيام هذه الميليشيات بعمليات قتل ودمار وتطهير عرقي من دون حسيب وتحت أنظار قوات الإحتلال للتسريع في وقوع الحرب الأهلية وتحول العنف في العراق الى عملية إبادة جماعية. إن الفوضى التي سادت المجتمع العراقي بعد الإحتلال أدت الى سلسلة من الأفعال المتلاحقة التي يقودها الإحتلال كعملية منظمة للأبادة. وتمثل ذلك بشكل إختلال قيمي واخلاقي يقود الى فعل الإبادة على شكل فوضى وإنحلال أخلاقي ويولد ما يسمى بالعنف المتوالد الذي يسكن لدى الأطفال حين يرون آبائهم يُذبحون أمامهم ، ومساكنهم تُدمر فوق رؤوسهم ، ومدارسهم تتحول الى معسكرات للأحتلال. كما إن تغييب أجهزة الدولة ومؤسساتها الأمنية ، هذا التغييب المتعمد والهادف لتسييد الفوضى في المجتمع ، فجّر كوامن غريزية لدى المواطنين للدفاع عن الذات ، وأخرى في الأستحواذ على النفوذ والمصالح غير المشروعة ، ولم يكن أمام المواطن في الدفاع عن نفسه وحماية عائلته سوى الإحتكام الى السلاح وممارسة الحق غير المُؤطر بالقوانين في دفع الأذى عنه. كما ان سياسة التدمير الخلاق الذي مارسته الولايات المتحدة بالتخادم مع دول الجوارفي كل جوانب حياة المجتمع العراقي ما أدى الى هجرة واسعة للعقول العلمية والفنية ، والى تجريد العراق من ثقافة الطبقة الوسطى مما يترتب عليه إنهيار القيم الأجتماعية على كل الأصعدة. كما شجّع الأحتلال أنماطاً عديدة من الفساد في كيان الدولة العراقية وسادت الفوضى في تصريف الأموال في مرافق الدولة كنتيجة للفساد المالي المستند الى ضعف وتلاشي المسؤولية عن المال العام والحس الوطني والإعتزاز بالهوية العراقية ، وتقلص دور الدولة في السيادة على مصادر مواردها وثروتها الطبيعية مما يعتبر مؤشراً واضحاً للفوضى التي أراد الإحتلال وعناصر.ان ارادة التغيير الحقيقي لدى شعب العراق تتجسد بثوار تشرين وهم الوحيدين القادرين على تغير واقع العراق المرير الى حالة اخرى تعلوها صورة العراق المحرر الذي يقوده ابنائه البررة من العقلاء والعلماء والمثقفين ليحلوا نظريتهم بألبناء المنظم للعراق بديل عن نظريات الاحتلال في التدمير المنظم.