شهدت الأسواق العراقية انتشاراً غير مسبوق للعملات المزورة، في ظل ضعف الرقابة الحكومية على العملات المتداولة، ما أدى إلى تكبّد التجار خسائر باهظة.
ووفقا لمسؤول أمني في وزارة الداخلية لـ “العربي الجديد”، فإن ما لا يقل عن 200 شبكة تزوير عملات تنشط في مناطق مختلفة من العراق وتختلف في قدراتها على التزوير من حيث الكمية التي تنتجها، لكن في الغالب تتخصص في تزوير عملة الخمسة وعشرين ألف دينار والخمسين ألف دينار.
وأوضح المسؤول الأمني، الذي رفض ذكر اسمه، أن الكميات من العملات المزورة حاليا في السوق انخفضت لكنها ما زالت تشكل خطورة، ما زعزع الثقة في الدينار، إذ يشترط أغلب التجار التعامل بالدولار بدلا من العملة المحلية، مقدرا المبلغ المزور الذي تم إتلافه بأكثر من 250 مليون دينار (الدولار = نحو 1250 دينارا) خلال عام ونصف العام.
وحسب بيانات للبنك المركزي العراقي فإن الكتلة النقدية المتداولة في السوق العراقية تبلغ ما بين 35 و40 ترليون دينار.
وأعلنت الأجهزة الأمنية، خلال الفترة الأخيرة، اعتقال شبكات تزوير العملات ومصادرة مطابع خاصة بها، كان آخرها منتصف الشهر الجاري في البصرة. ويقول مسؤولون في وزارة الداخلية العراقية، إن تلك الشبكات تستورد الأجهزة من إيران، وهي بالعادة مطابع متوسطة الحجم، مع سبائك ألمنيوم تستخدم في نسخ العملات، مع أحبار خاصة وورق من نوع خاص يتم تهريبه عبر شبكات تهريب تنشط عبر الحدود بين الجانبين.
ولا يكاد يمر يوم على أي صاحب متجر عراقي إلا ويجد بين نقوده ورقة واحدة مزورة على الأقل، في ظل ضعف الرقابة، حسب التجّار.
حسان عمران، وهو صاحب مخزن لبيع الملابس بالجملة في سوق الشورجة التجاري وسط العاصمة بغداد، يؤكد لـ “العربي الجديد”، أنه يكتشف يوميا دخول ما لا يقل عن 250 ألف دينار عراقي (ما يعادل 200 دولار أميركي) من العملة المزورة إلى إيراداته من دون أن يعلم، موضحاً أن أمر اكتشاف وجود عملة مزورة في ظل ظروف عمله صعب جدا، بسبب التعامل بمبالغ مالية كبيرة.
وأضاف عمران: “نحن نتعامل بالجملة ونبيع كميات كبيرة، وأقل مبلغ نستلمه هو خمسة ملايين دينار (ما يعادل 3200 دولار أميركي)”، مشيرا إلى استلام هذه المبالغ بشكل مصفوفات. وتابع “نقوم بتحويل هذه المبالغ إلى شركات الصرافة من أجل تحويلها إلى دولارات، حينها نكتشف أننا وقعنا ضحية للعملة المزورة”، مبينا أنه يقوم بإتلاف ما يقع تحت يديه من المال المزور كي لا يصل إلى الفقراء.
لكنّ ذوي الدخل المحدود يؤكدون أنهم لم يسلموا من جرائم المزورين، ويقول حمّال في سوق جميلة شرقي بغداد، علي جهاد، إنه تعرّض، الأسبوع الماضي، لعملية من هذا النوع، حين نقل سلعا كلفتها 25 ألف دينار عراقي (ما يعادل 20 دولارا) ثم اكتشف مساءً عند الذهاب لشراء دواء من إحدى الصيدليات أن هذا المبلغ المكون من ورقة نقدية واحدة حمراء كان مزورا، مؤكدا لـ “العربي الجديد” أن عدداً من العاملين في مهنته يتعرضون بشكل شبه يومي إلى مثل هذه المواقف.
ويقول صاحب صيرفة في حي الأمين شرقي بالعاصمة بغداد، علي الهتيمي، لـ “العربي الجديد”، إن عصابات تزوير العملة أصبحت معروفة في مناطقنا، مؤكدا حصولهم على ماكينات حديثة للتزوير من إيران.
ويشير الهتيمي إلى أن مافيات التزوير تتفق مع عدد من الشباب العاطل عن العمل من أجل ترويج المبالغ التي لديها، من خلال منحهم نصف المبالغ التي يقومون بتصريفها، لافتا إلى عدم قدرة أحد على الحديث معهم أو منعهم بسبب حملهم السلاح.
وتابع: “يقوم مزورو العملة ببيع كل مليون دينار مزور (ما يعادل 800 دولار) بمبلغ 100 ألف دينار عراقي”، موضحا أن بعض ضعاف النفوس يتعاملون معهم.
وشدّد الهتيمي على ضرورة تدخّل السلطات العراقية لمنع دخول أدوات التزوير الإيرانية التي استنزفت أموال العراقيين، ومحاسبة مافيات التزوير التي انتشرت بشكل واضح خلال الفترة الأخيرة في مناطق شرقي بغداد.
وفي إطار ضعف الدور الأمني وتحت وطأة خسائر التجار من تفاقم عمليات التزوير، اندفع بعضهم إلى الاعتماد على أجهزة كشف العملات المزورة ذات المنشأ الصيني، من أجل الحد من الخسائر التي تكبّدوها من جراء هذه الظاهرة.
و”جهاز العملة”، كما يسميه التجّار، هو عبارة عن صندوق مربع مفتوح من جانبين ويحتوي على إضاءة زرقاء اللون تسمح بمشاهدة العلامة المائية أو الخط المخفي داخل العملة.