في الوقت الذي تحاول فيه كل من سوريا وروسيا طرد القوات الأميركية المتواجدة على الأراضي السورية، أعلنت واشنطن، على لسان وزير دفاعها، “جيمس ماتيس”، عن نيتها زيادة عدد المدنيين الأميركيين في سوريا، وبينهم متعاقدون ودبلوماسيون، مع إقتراب المعركة ضد متشددي تنظيم “داعش” من نهايتها وتحول التركيز إلى إعادة البناء وضمان عدم عودة المتشددين.
وللولايات المتحدة نحو 2000 جندي في سوريا يحاربون تنظيم “داعش”.
وتثير تصريحات “ماتيس” غضب رئيس النظام السوري، “بشار الأسد”، الذي سبق ووصف القوات الأميركية بأنها قوات إحتلال ووجودها غير مشروع.
بحجة إرساء الإستقرار..
“ماتيس” قال: “ما سنقوم به هو التحول مما أسميه بنهج الهجوم لإستعادة الأراضي إلى إرساء الإستقرار. سترون المزيد من الدبلوماسيين الأميركيين على الأرض”.
وكان “ماتيس” قد أفاد، في وقت سابق، أن القوات الأميركية ستبقى في سوريا إذا واصل متشددو “داعش” القتال للحيلولة دون أن يعيد التنظيم بناء نفسه.
وهذه هي المرة الأولى التي يعلن فيها “ماتيس” أنه ستكون هناك زيادة في عدد الدبلوماسيين في المناطق التي جرت إستعادتها من “داعش”.
مضيفاً “ماتيس”: “عندما تستقدم مزيداً من الدبلوماسيين فسيعملون على إعادة الخدمات وإستقدام المتعاقدين”.
إدارة أموال الإعمار..
لافتاً إلى أن “هناك أموال دولية ينبغي إدارتها، بحيث تثمر عن شيء ما، ولا ينتهي بها الأمر في جيوب الأشخاص الخطأ”.
وذكر أن المتعاقدين والدبلوماسيين سيعملون على تدريب القوات المحلية على إزالة العبوات الناسفة بدائية الصنع والسيطرة على الأراضي لضمان عدم عودة “داعش”.
وأوضح أن “هذه محاولة للتحرك نحو وضع طبيعي وهذا يستلزم الكثير من الدعم”.
ولم يتضح كم عدد الدبلوماسيين الأميركيين الذين سيخدمون في سوريا، ومتى سيذهبون هناك. وجمدت الولايات المتحدة العلاقات مع سوريا بسبب الحرب الأهلية.
إستعادة السيطرة..
تمكنت قوات الحكومة السورية، بدعم من القوة الجوية الروسية وفصائل تدعمها إيران، من إستعادة السيطرة على معظم سوريا خلال العامين الأخيرين.
وشدد التحالف، الذي تقوده واشنطن والذي يحارب “داعش”، مراراً على أنه لا يسعى لمحاربة قوات الحكومة السورية، رغم أن واشنطن تريد تنحي “الأسد”.
لن تعطل الخطط الأميركية..
رداً على سؤال؛ إن كانت قوات الحكومة السورية قد تتحرك لتعطيل الخطط الأميركية، أجاب “ماتيس”: “سيكون هذا خطأ على الأرجح”.
استمرار العمليات العسكرية حتى الربع الأول من 2018..
من جهة أخرى، كشف مسؤول أميركي كبير، في رسالة إلى أعضاء التحالف، أنه يتوقع استمرار العمليات العسكرية خلال الربع الأول من عام 2018.
وقال “بريت ماكغورك”، المبعوث الأميركي الخاص لدى التحالف، إن “الولايات المتحدة مستعدة للبقاء في سوريا حتى نكون على يقين من هزيمة داعش، واستمرار جهود بسط الإستقرار، وتحقيق تقدم ملموس في العملية السياسية”.
ترحيب كردي..
يرحب الأكراد باستمرارية التواجد الأميركي في سوريا، حيث أكد الدكتور “عبدالكريم عمر”، رئيس الهيئة الخارجية في مقاطعة الجزيرة، أن الإدارة الذاتية تقيّم بإيجابية تصريحات وزير الدفاع الأميركي “جيمس ماتيس”، التي توقع فيها زيادة عدد المدنيين الأميركيين في سوريا مع إقتراب المعركة ضد تنظيم “داعش” من نهايتها، وتحول التركيز إلى إعادة البناء وضمان عدم عودة المتشددين.
وأعتبر “عمر” أنها “ليست جديدة”، موضحًا أنه “في النصف الثاني من عام 2017 كانت هناك زيارات متكررة للهيئات الديبلوماسية الأميركية، ومن ضمنها ممثلون رسميون عن وزارة الخارجية الأميركية، وكانوا يزورون هيئات الإدارة الذاتية والمنظمات المدنية ومجالس العشائر والأحزاب السياسية المتواجدة في شمال سوريا للإطلاع عليها والتعرف على الأوضاع الإدارية والمجتمعية بشكل عام، وفي تلك المرحلة إتخذت قوى التحالف الدولي والولايات المتحدة الأميركية قراراً بالبقاء في مناطقنا، وعلى ضوء ذلك جاءت تصريحات وزير الدفاع الاميركي، وطبعاً هذا يأتي في إطار تثبيت الإستقرار في المناطق التي حررتها قسد وإزالة الألغام ومن ثم إعادة الإعمار وإعادة المرحلين إلى مناطقهم”.
خطوة في الإتجاه الصحيح..
لفت المسؤول الكردي إلى أن تصريحات “جيمس ماتيس” هي خطوة في الإتجاه الصحيح، و”سنكون كإدارة ذاتية ديمقراطية في شمال سوريا على تعاون تام مع هذه الخطوة بما يُؤْمِن الإستقرار ويخدم مستقبل الشعب السوري والبحث عن حلول لجميع القضايا والمشاكل التي نعاني منها من أجل سوريا جديدة ومتنوعة لكل السوريين، ونحن في الإدارة الذاتية ننطلق من هذه المعادلة الأساس”.
مستعدون للتعاون..
إنطلاقاً مما سبق، عبر “عمر” عن أمله في “أن يكون هذا التعاون الدبلوماسي في خدمة الإنتصارات والمكاسب التي تحققت في شمال سوريا والشعب السوري، بما يساعد في وضع حلول لقضية سوريا، وعلى هذا الأساس نحن أصحاب إرادة الأمن والسلم، الذي نعمل عليه عبر التنسيق والتعاون المستمرين مع قوات التحالف الدولي وروسيا وجميع الدول التي لها علاقة مع سوريا”، و أكد: “أننا على إستعداد تام للتعاون مع أية دولة بما يخدم القضية السورية”.
يجب ألا ترضخ للضغوط..
أيضًا عبّر “عمر” عن أمله من أميركا، وخاصة بعد الموقف المتطور من الإدارة الذاتية، “أن تلعب في هذا الإطار وألا ترضخ للضغوطات غير المبررة تجاه تجربتنا، والتي تمنع وجودنا في العمليات السياسية الخاصة بالشأن السوري سواء كان جنيف أو سوتشي أو غيرهما، خاصة وأن نائب وزير الخارجية الأميركي كان قد طلب من المبعوث الدولي ديمستورا ضرورة مشاركة الإدارة الذاتية في جنيف 8”.
يجب مغادرة الأراضي السورية..
إلا أن وزير الخارجية الروسي، “سيرغي لافروف”، أكد على إنه على القوات الأميركية مغادرة الأراضي السورية بعد القضاء على من أسماهم، “الإرهابيين”، بالكامل في البلاد.
مضيفاً: “وبهذا الخصوص، فإن تصريح وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس حول نية القوات الأميركية البقاء في سوريا، حتى تحقيق تقدم في التسوية السياسية يثير الإستغراب. وهو يوحي بأن واشنطن تحتفظ بالحق في تحديد مدى التقدم، وتريد الحفاظ على السيطرة على جزء من الأراضي السورية حتى تحقق النتيجة التي تريدها”.
تأسيس جيش شمال سوريا بدعم من التحالف..
من جانبه، قال “سيابند ولات”، القائد العام لميليشيا “قسد”، منذ يومين، إنه تم البدء بتأسيس قوة عسكرية جديدة في المناطق التي تسيطر عليها “قسد” شمال شرق سوريا يحمل اسم “جيش شمال سوريا”، بهدف “حماية أمن حدود الميليشيا”، على حد زعمه.
ونقلت وكالات أنباء مقربة من ميليشيا “حزب العمال الكردستاني”، بحسب موقع (روسيا اليوم)، عن (ولات) قوله، إن “جيش شمال سوريا قيد التأسيس حالياً، وسيتولى مهمة حماية أمن الحدود بدعم من التحالف الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة”، موضحاً أن القوة الجديدة ستعمل في كل من محافظتي “دير الزور” و”الرقة”، وليس فقط فيما تسميه الميليشيا “روج آفا”.
أعطت وعداً لإسرائيل بالبقاء..
يبدو أنه هناك علاقة تربط بين تصريحات “ماتيس” وتصريحات أخري، أفاد بها مسؤول رفيع في البيت الأبيض، بأن الولايات المتحدة أكدت لإسرائيل عزمها على الإبقاء على قوات أميركية في سوريا لمنع إيران من بسط نفوذها في هذا البلد.
ونقلت (القناة العاشرة) الإسرائيلية، الجمعة الماضي، عن المسؤول، الذي لم يُكشف عن اسمه، قوله إن “مسألة التصدي للنفوذ الإيراني في سوريا كانت أكثر المسائل حساسية بالنسبة لإسرائيل في المفاوضات الأخيرة بين واشنطن وتل أبيب، والتي أجريت في البيت الأبيض”.
وذكر المسؤول أن مستشار رئيس الوزراء الإسرائيلي لشؤون الأمن القومي، “مائير بن شبات”، أعرب أثناء الاجتماع عن بالغ إهتمام الطرف الإسرائيلي بشأن ما إذا كانت واشنطن تخطط لسحب قواتها من سوريا، وخاصة بشأن الخطط الأميركية الدبلوماسية بهدف وضع حد للحرب الدائرة في البلاد.
ونقلت القناة عن المسؤول الأميركي إعلانه: “قلنا للإسرائيليين بكل وضوح إننا سنبقى في سوريا سواء بقواتنا المسلحة وبالمشاركة في أي صفقة دبلوماسية مقبلة في البلاد”.
إتفاق سري بغرض التصدي لخطر إيران..
تجدر الإشارة إلى أن وسائل الإعلام الإسرائيلية كشفت، في وقت سابق من العام 2017، عن إبرام إتفاق سري بين تل أبيب وواشنطن بشأن التصدي لخطر إيران، وذلك أثناء المفاوضات في البيت الأبيض بين وفدين من البلدين برئاسة “بن شبات”، ومستشار الأمن القومي في البيت الأبيض “هربرت ريموند ماكماستر”.
لا تملك سياسة تحفظ ماء وجهها..
حول تصريحات “ماتيس”، يرى الخبير العسكري الاستراتيجي، العميد “علي مقصود”، أنه: “يجب أن نقرأ هذه التصريحات وأن يكون هناك ربطاً بالتوقيت الذي خرجت فيه، فإذا أخذنا اللحظة التي سقطت فيها (البوكمال)، وبالتالي سقطت الذريعة التي كانت تستخدمها الولايات المتحدة كشماعة لبقاء قواتها وديمومة الإستنزاف في سورية ريثما تأتي اللحظة التي تستطيع أميركا فيها أن تفرض إرادتها، لاسّيما في موضوع الغاز وأنابيب الغاز والاستثمار في سورية ، فالإنجاز الاستراتيجي وهزيمة (داعش) بشكل كامل، وأيضاً الصورة التي إرتبطت بذهن الرأي العام العالمي والسوري، بشكل خاص حول نقل أميركا الدواعش من أمام نيران الجيش العربي السوري وإعادة تنظيم وإنتاج هذا التنظيم الإرهابي الداعشي بصياغة أخرى ومسميات أخرى، في الحقيقة كل هذه الأمور هي التي تقف خلف هذا التصريح الذي يعبر فعلاً عن أن أميركا لا تملك سياسة تحفظ ماء وجهها الذي تمرغ بالوحل والتراب”.
تسعى لتقسيم سوريا..
أشار العميد “مقصود” إلى: أنه “كما قال السيد الرئيس بشار الأسد؛ من يستهدفون الجيش ومؤسساته ويعمل وفق الأجندة الأميركية هم عملاء بكل تأكيد، وكل من يستهدف الجيش سيكون هدفاً له، سورية صفت الإرهاب وإنتقلت لتصفية وجهه الآخر المتمثل بجبهة النصرة، وهي في الحقيقة لن تنظر طويلاً على القوات الأميركية وأدواتها، وهذا الخطاب متناقض؛ فماتيس وغيره من المسؤولين الأميركيين، يدعون أنهم سيحاربون الإرهاب ويريدون تحقيق الإستقرار، ولكن في الحقيقة الولايات المتحدة تتلاعب بالألفاظ والمصطلحات، وهي مازالت تسعى إلى تقسيم سورية وبنفس الوقت تقول أنها تريد أن تحافظ على وحدة وسيادة سورية”.
تستثمر إنشغال روسيا بإنتخابات رئاستها..
نوه “مقصود” إلى: أن “الولايات المتحدة لم تعدو سوى ورم إمبراطوري خرج من الواقع ولا تريد أن تعترف بذلك، وفي الحقيقة قالتها سورية ومن على رأس الهرم، بأنه لن يكون هناك إنتقاصاً من سيادتها ولو بسنتمتر واحد، ومن سيقف مع الولايات المتحدة سيعتبر عدواً وسيسحق وتسحق كل هذه القوى الموجودة على الأرض السورية، والأميركي يدرك بأن أشهراً ثلاث تسبق الإنتخابات الرئاسية في روسيا، لذا يعتقد أن الروسي، في ظل هذا الوقت، لن يقوم بتحرك أو بخطوات تصعيدية في مواجهة الأميركي وغير الأميركي، لذلك يمكن لهم أن يوظفوا هذه الخطابات وبعض التحركات استثماراً في الاقتصاد واستثمار النفط والغاز وإعادة الإعمار في سورية، ولكن سورية لن تتراجع أو تتنازل أمام كل هذه الخطب وأمام هذا التصعيد من أي طرف أو أي جهة كانت، بل سورية مستمرة في محاربة الإرهاب ومصرة على القضاء عليه، وأي طرف يمكن أن يعلن مواجهته المباشرة سيتلقى ضربة لن يتوقعها”.
يوجد تغيير في موازين القوى الدولية..
الكاتب والمحلل السياسي، رئيس الهيئة التأسيسية لحزب “سورية أولاً”، “سلمان شبيب”، يقول: “أتوافق إلى حد كبير مع العميد مقصود حول العقلية الإستعمارية المتطرفة التي ما تزال تهيمن على السياسة الأميركية، أميركا حتى الآن لا تزال لا تستوعب أن هناك قوى دولية صاعدة جديدة، فبعد إنهيار الإتحاد السوفياتي وإستفراد الولايات المتحدة بالسيطرة والهيمنة على العالم، كان هناك فترة يعني شبه ضائعة في التاريخ البشري وسوداء، عندما إنفردت الولايات المتحدة بالسيطرة على العالم وقامت بحروب وإسقاط أنظمة ودول إلى ما هنالك ، والآن هناك تغير كبير في موازين القوى الإقليمية والدولية وخاصة على الساحة الدولية، بعد صعود الدور الروسي في عهد الرئيس بوتين، هناك صعود للدور الروسي وتعزيز كبير لموقع روسيا كفاعل على الساحة الدولية ومؤثر على الأحداث في العالم وحاضر في كثير من الملفات”.
سياسات روسيا أفضل من أميركا..
يرى “شبيب” أن “روسيا تحاول تأسيس نمط جديد من العلاقات الدولية يقوم على المصالح المشتركة وعلى إحترام سيادات الدول، والتاريخ يعلمنا أن إرادة الشعوب لا تقهر، ويعلمنا أن الشعب عندما يريد أن يحافظ على حياته وسيادة كرامته لن يهزم، وخاصة عندما تكون هذه الإرادة مدعومة بأصدقاء مخلصين كروسيا وغيرها ممن يقفون مع حق الشعوب في أن تقرر هي مصيرها ويقفون في وجه سياسة الهيمنة الأميركية التي تنتهج سياسة الحروب والعقوبات الإقتصادية وإركاع الشعوب”.
بلطجة سياسية..
خلص “شبيب” إلى أن “الذريعة الأميركية للتواجد، غير القانوني، على الأراضي لسورية أو إحتلالها سقطت، بعد سقوط ذريعة محاربة الإرهاب أو تنظيم “داعش” الإرهابي، سقطت بعد إنهيار هذا التنظيم وهزيمته المدوية على يد الجيش السوري وحلفائه، والآن تريد الولايات المتحدة إيجاد ذريعة أخرى لتبرير هذ الوجود غير الشرعي وغير القانوني على الأرض السورية، وهي كما قال وزير الدفاع لإزالة الألغام وتنظيم الحياة المدنية وتنظيم الأموال التي ستأتي إلى هذه المنطقة وكأن هذه المنطقة مستباحة أو لا يوجد هناك دولة شرعية وقانونية مسؤولة عنها، دولة ذات سيادة وعضو مؤسس في الأمم المتحدة وفي مجلس الأمن ومؤسسات هذه الدولة ما تزال قائمة على رأس عملها وتعمل في هذه المناطق، يتم تجاهل كل ذلك، ضرب القانون والأعراف الدولية بعرض الحائط، هذه الدعوات الأميركية تصنف في قاموس البلطجة السياسية التي تمتهنها الولايات المتحدة الأميركية منذ عشرات السنين في حق الشعوب كلها”.