تناولت مجلة «إيكونومست» الأوضاع في المدن العراقية التي تمت استعادتها من تنظيم الدولة قائلة: إن عملية الإعمار فيها تسير ببطء. وجاء في تقريرها:» في المساء يجلس عادل الجميلي وابنته على ضفة نهر دجلة في الموصل وينظران إلى الحطام على الضفة الأخرى. سيارتان ملتويتان قرب المكان الذي كان يقف فيه بيتهما ودمر مع 8.000 بيت عندما استعادت القوات العراقية المدينة من جهاديي تنظيم الدولة الإسلامية في تموز/يوليو. وسوِّي المستشفى الواقع على حافة الموصل بالتراب مع أنه كان من أحسن مستشفيات العراق، وكذا المجمع الحكومي والمدارس والأزقة العريقة كلها التي كانت تمتد على جوانبها المدارس والأديرة».
وتقول المجلة إن القصف المحدد حافظ على معظم الجزء الشرقي من الموصل، أمّا غربها فقد كان عصيًا على السيطرة. ومن هنا تم اتخاذ قرار القتال من بيت إلى بيت أو «أسلوب الإبادة» لسحق مقاتلي تنظيم الدولة بدلاً من السماح لهم بالهرب. وقاد هذا القرار لتدمير معظم المنطقة. فلا تزال عمليات انتشال الجثث من بين الأنقاض جارية وتنتشر في الهواء رائحة العفن. وتقول منظمة «أمنستي إنترناشونال» إن ما يقرب من ستة آلاف مدني قتلوا في الحرب التي استمرت أشهرا.
إهمال
وتعلق المجلة إن الموصل ربما كانت أشهر المدن التي تمت استعادتها من تنظيم الدولة، إلا أن حالة الإهمال واضحة في كل المناطق المأهولة بالعرب السنّة. فالفلوجة التي لم تتضرر كثيراً في الحرب التي دامت شهراً، إلا أن سكانها وبعد عام من خروج تنظيم الدولة لا يزالون يشتكون من سوء معاملة الحكومة في بغداد لهم. وقال أحد السكان: «نعيش في سجن كبير». وتقول المجلة إن تنظيم الدولة كان «كارثة على السنّة» وقد هزم الجهاديون في العراق وتم طردهم من الحويجة في 5 تشرين الأول / أكتوبر الحالي ولم يتبق بأيديهم سوى شريط صغير من البلدات على الحدود العراقية – السورية. وتضيف المجلة إن الحكومة التي يسيطر عليها الشيعة في بغداد لا تقدم غير الخدمات الأساسية وأبعد من هذا لم تقم بإعادة إعمار المدن المدمرة ولا إعادة دمجهم في النظام السياسي. ومع قرب الانتخابات في نيسان /إبريل العام المقبل فهي تركز جل اهتمامها على الشيعة في الجنوب حيث تحصل على الدعم منهم.
وتشير إلى أن الدول المانحة قدمت بعض الخدمات فالماء والكهرباء متوفران في الفلوجة فيما تخطط الكويت لاستضافة مؤتمر بداية العام المقبل حول إعادة إعمار العراق. وتحاول الأمم المتحدة تأمين ميزانية مليار دولار لإعمار الموصل. وهناك المزيد من المال الذي يحتاج إليه لكن تراجع أسعار النفط يعني عدم توفر المال للعراق دول الخليج. وحتى أيلول /سبتمبر أنفقت الأمم المتحدة 24 مليون دولار على غرب الموصل.
وفي الفلوجة والموصل يشتكي السنّة من الأمور ذاتها وهي انتشار البطالة ويعمل حملة الشهادات الجامعية في تنظيف الشوارع أو يجرفون الحطام بعشرين دولارا في اليوم. وتعلق إن هناك صدى لسياسات اجتثاث البعث التي نفرت وهمشت السنّة أثناء الاحتلال الأمريكي. وفي الموصل ينتظر الأطباء والمدرسون رواتبهم حتى تدرس الحكومة ملفاتهم وإن كان لديهم علاقات مع تنظيم الدولة. وفي الفلوجة تم فصل 4.600 شرطي بعـد عودتهم للمـدينة.
في الموصل
وفي الموصل زين الجنود نقاط التفتيش بالزهور حتى يبعدوا الشكوك حول ولاءاتهم الطائفية، أما في الفلوجة فيقوم عناصر الشرطة السنّة بحراسة مركزها وتتمركز الميليشيات الشيعية على أطرافها.إلا أن نقطة تفتيش الصقور على الطريق الواصل بين بغداد والفلوجة لا تزال صعبة وعشوائية ومضيعة للوقت لدرجة أن الكثيرين يتجنبون السفر. ويشتكي الناس من ابتزاز الحكومة لهم. ويقول أحد الجزارين في سوق الفلوجة إنه لو أراد أن يحضر أكثر من ثلاث شياه فعليه أن يدفع 10 دولارات عن كل واحدة منها. متهماً الحكومة بخنق المدينة. وتتذكر أم نازحة أيام حكم تنظيم الدولة للموصل بأنهم كانوا أكثر تنظيماً وصدقاً. وبالسياق عينه يتذكر عقيد في الفلوجة كان في الجيش العراقي السابق «العصر الذهبي» لصدام حسين.
ويقلل المسؤولون العراقيون من إمكانية حدوث انتفاضة جديدة نظرا للتهميش الذي يتعرض له السنّة. وشبه مسؤول الوضع في مدن الأنبار بما حدث للشيشان «مثل غروزني بعد التدمير الروسي فالسكان السنّة محطمون نفسيًا»، مضيفاً «بإعمار ومن دون إعمار فلن ينتفضوا مرة ثانية». وتحذر المجلة من تداعيات هذه الغطرسة لأن سقوط الفلوجة والموصل أكبر دليل على الكيفية التي تتحول الضغينة إلى تمرد.
… ومن ينظف المدن من مخلفات وسموم الحرب؟ مهمة صعبة تحتاج عقودا
وفي تقرير آخر للمجلة عن حجم الدمار الذي تسببت به الحرب في سوريا والعراق تشير للعقبة الكأداء التي تواجه المدن السنّية وهي كيفية التخلص من الردم والحجارة والأنقاض. وتبدأ بوصف الحال كالآتي: «المدينة القديمة في الموصل هي أرض يباب وهناك الكثير من المدن والبلدات التي شوهتها الحرب في العراق وسوريا.
وهناك الكثير من الإسمنت المحطم والحديد الملتوي في حلب، المدينة السورية التي دكها الطيران الروسي وطائرات النظام في أثناء أكثر المعارك دموية في الحرب الأهلية التي يقول البنك الدولي أن عملية تنظيف الأنقاض تحتاج ست سنوات على الأقل».
وتصف مجلة «إيكونومست» في عددها الأخير مهمة تنظيف آثار حرب السنوات الماضية بالشاقة. وأصبحت العملية هذه واحدة من معوقات جمع شتات المدن المحطمة. والمشكلة هي أن الحطام المتبقي يحتوي على مخلفات الحرب من ألغام وقنابل لم تتفجر ومفخخات ومخلفات كيميائية مثل الزئبق والمواد السامة الأخرى. وهي مواد تحتاج لخبراء كي يتعاملوا معها وإزالتها. أما الجزء الثاني من المشكلة فهو الحطام والأنقاض الكثيرة. فنقله من مدينة الموصل سيكلف 250 مليون دولار.
ونظرا لعدم توفر المال فإن الأنقاض تنقل وترمى في الينابيع المائية الموسمية بشكل يؤدي إلى فيضانات في مواسم المطر. ويستخدم جزء منها لردم الأنفاق التي حفرها تنظيم الدولة تحت الأرض. ولكن المواد السامة والملوثة ستظل تهديداً مستمراً على حياة السكان. وحسب عبد الستار الحبو، رئيس بلدية الموصل: «هناك الكثير من الكتل الاسمنتية المحطمة ولا يوجد لدينا المال الكافي لجرفه».
سموم
وهناك حل للمشكلة وهو تدوير المواد المحطمة واستخدامها في إعادة بناء المدينة، وهو حل أرخص من نقلها إلى أماكن أخرى ورميها في المكبات من دون فائدة منها. كما أن حلا كهذا سيخلق فرص عمل للسكان في مدينة لا تتوفر فيها الأعمال. وحل كهذا لن يعالج إلا جزءا من الكارثة البيئية التي تواحه المنطقة نتيجة للحروب التي شهدتها. فقد تم قصف آبار النفط بشكل غمر الأرض والحيوانات والبشر بطبقة من السخام. وعندما قام مقاتلو تنظيم الدولة بحرق كومة من الكبريت فقد أطلقت دخاناً ساماً في الجو مثل بركان صغير. وفي سوريا فقد تسببت مصافي النفط المؤقتة التي كان يكرر فيها النفط الخام من حقول النفط إلى تسربه إلى المياه والتربة وأثر في حياة الأطفال الذين كانوا يعملون فيها. والمشكلة ضخمة إن أخذنا بعين الاعتبار عدد هذه المصافي الذي وصل إلى 50.000 مصفاة بدائية. يضاف إلى كل هذا تدمير المستشفيات والمصانع والمنشآت الصناعية ومحطات توليد الطاقة التي تركت وراءها كوكتيلاً من السموم وقضبان الحديد والنفايات. ومن هنا فتنظيف الخراب الذي روكم على سنوات من التلوث والخراب البيئي يحتاج لسنين إن لم يكن عقوداً.