لمع نجم تشارلي تشابلن كواحد من أهم نجوم حقبة الأفلام الصامتة التي استمرت منذ بداية السينما عام 1885 حتى نهاية العشرينيات، فقد جعل من شخصية المتشرد خفيف الظل واسع الحيلة أيقونة سينمائية، وامتاز بقدرته الكبيرة على مزج الكوميديا بنقد القضايا الإنسانية المهمة، لكنه دفع ثمن جرأته ومواقفه اليسارية خلال الحرب الباردة بالنفي من أميركا عام 1952.
في أول أكتوبر/تشرين الأول 1948 اتهمت لجنة التحقيق في النشاطات المعادية للولايات المتحدة تشابلن بالشيوعية، لكنه نفى التهمة عن نفسه قائلا إنه لم يكن يوما شيوعيا بل رجل سلام.
فما هي أعمال تشارلي تشابلن التي وضعته في دائرة الاتهام بالشيوعية؟
فيلمالمهاجر- 1917
فيلم “المهاجر” (The immigrant) استند رئيس مكتب التحقيقات الفدرالية الأميركية إلى أحد مشاهد هذا الفيلم ليمنع عودة تشابلن إلى أميركا في سبتمبر/أيلول 1952، حيث ظهر فيه وهو يركل ضابطا يتعامل مع المهاجرين بقسوة، وهو ما اعتبر سببا كافيا لحرمانه من دخول أميركا لأكثر من 30 عاما.
“المهاجر” فيلم أميركي كوميدي صامت، سيناريو وإنتاج وإخراج تشارلي تشابلن عام 1917، شاركه في البطولة إدنا بيرفيانس وإيرك كامبل، وهو يتناول رحلة اللجوء من أوروبا إلى أميركا كاشفا تعامل السلطات الأميركية الفظ مع الفارين من الحرب العالمية، وقد استوحاه تشابلن من سفرته الأولى لأميركا أواخر ديسمبر/كانون الأول 1913 عندما سافر على متن سفينة تقل المهاجرين الباحثين عن عمل.
أضواءالمدينة– 1931
فيلم “أضواء المدينة” (City Lights) بعد 3 سنوات من انطلاق السينما الناطقة، فوجئ الجمهور عام 1931 بفيلم صامت هو أضواء المدينة، سيناريو وإخراج وإنتاج تشارلي تشابلن، وشاركه في البطولة فيرجينيا تشيرل وفلورنس لي وهاري مايرز، ويعد أحد أهم أفلامه التي عاد بها إلى الميلودراما والنقد الاجتماعي اللاذع وأكد عداوته للسلطة وأرباب العمل والبرجوازية من خلال الرمز.
تدور أحداث الفيلم حول فقير متشرد يقع في حب بائعة ورد عمياء، ويقرر مساعدتها لتوفير المبلغ المطلوب لعملية جراحية تعيد إليها بصرها، فيغامر بخوض مباراة ملاكمة ويكنس الشوارع قبل أن يبادر صديقه الثري بدفع المبلغ، وتستعيد الفتاة بصرها.
الفيلم يسخر من المدينة التي تعد بالسلام والرفاهية حسب اللافتة التي تظهر في أول الفيلم، وهي في الحقيقة قاسية والناس فيها في صراع من أجل الكسب، حتى السيف الذي يحمله المحارب ضمن نصب الرخاء والسلام الذي تحتفل به المدينة، تحول إلى خازوق يخترق بنطال شارلي كرمز للسخرية من الحروب.
أزمنةحديثة- 1936
“أزمنة حديثة” (Modern Times) فيلم أميركي كوميدي صامت، بطولة وسيناريو وإخراج تشارلي تشابلن، وهو آخر أفلامه الصامتة التي انتقد فيها استغلال المصانع والشركات الكبرى للعمال، وتطرق للكساد الاقتصادي الذي عانته أميركا في الثلاثينيات من القرن الماضي، وقدم بعض المشاهد المميزة السابقة لأوانها، مثل مشهد آلة إطعام العاملين السريعة، ومشهد الشاشة العملاقة التي يراقب بها مدير المصنع عماله، والتي قد تكون مصدر إلهام الكاتب البريطاني جورج أورويل شخصية “الأخ الأكبر” في رواية “1984” التي نشرت عام 1949.
يقدم الفيلم نقدا لاذعا للآلة وجبروتها وسيطرة الرأسماليين على الحياة، كما يشيد بكفاح الطبقة العاملة تحت هيمنة المؤسسات الصناعية التي تجرد الفرد من إنسانيته، وتدور أحداثه حول شارلي الذي يعمل في شد الصامولات بمصنع عملاق، في شريط متحرك تفوق سرعته سرعة تشارلي وزملائه.
مسيوفيردو- 1947
فيلم “Monsieur Verdoux” كوميديا سوداء أميركية صامتة، سيناريو وإخراج وإنتاج تشارلي تشابلن عام 1947، مأخوذ عن مسرحية “عدو الشعب” للكاتب النرويجي هنريك أبسن، ويمكننا أن نعتبره بداية المشكلة مع المخابرات الأميركية، فقد هاجم فيه تشابلن الحروب والمستفيدين منها، وصاحب عرضه خروج مظاهرات صاخبة تندد بالاستبداد والظلم الاجتماعي، ومنع من العرض في بعض الولايات الأميركية، وثارت ثائرة الصحافة الأميركية على تشابلن بتهمة تحقير الجيش الأميركي.
و”مسيو فيردو” في الفيلم مجرم يرمز إلى الحضارة الغربية المزيفة التي لا تعرف إلا الربح والهدم، فقد كان أمين صندوق في بنك وأبا وزوجا، أغوى عددا من النساء ثم قتلهن مستوليا على أموالهن، لكنه فعل ذلك لكي ينقذ أسرته من الفقر ويعالج زوجته من المرض.
ملكفينيويورك- 1957
فيلم “ملك في نيويورك” (A King in New York)، تزايد الحنق الأميركي على تشابلن بعد تقديمه هذا الفيلم الذي لم يعرض في أميركا حتى عام 1973، فقد انتقد فيه بشكل مباشر التعامل الأميركي مع الشيوعيين، وذلك من خلال مشهد الفتى رابرت الذي يقوم بشخصية الواشي بأهله أمام لجنة النشاطات المعادية لأميركا التي تشكلت برئاسة جوزيف مكارثي وهو نائب جمهوري في الكونغرس الأميركي في الفترة بين عامي 1947 و1957 من أجل ملاحقة ومراقبة كل من اشتبه في صلته بالحزب الشيوعي واتهامه بالخيانة دون اعتبار للأدلة.
تدور أحداث الفيلم حول ملك أستروفيا الذي اندلعت في وجهه ثورة شعبية عارمة خلعته فإذا به يهرب أميركا، وفي المطار هناك يلقي خطابا عن الحرية في أميركا البلد المضياف الذي يستقبل الوافدين إليه فاتحا ذراعيه، وبالتوازي مع هذا الخطاب ينقلنا الفيلم إلى مشهد رجال الأمن وهم يأخذون البصمات بترفع وتوجس ويضايقون الوافد إلى درجة تجعله يرغب في العودة.
المصدر : الجزيرة