هل ستكون المنطقة على صفيح ساخن؟
بقلم: أ.دعبدالرزاق محمد الدليمي
منذ الاحتلال الامريكي البريطاني للعراق, دخلت أغلب دول المنطقة شاءت ام أبت في أتون صراعات داخلية اسهمت فيها قوى عالمية واقليمية. ولكل من هذه القوى اهدافه ومصالحه فتركيا لا ترغب في قيام دولة للأكراد الذين تحوي على اعداد كبيرة منهم, وتشاطرها في هذا التوجه نظاما ايران وسوريا حيث يحويان كل منهما اعداد لايستهان بهم من الاكراد الطامحين للاستقلال عنهما أما الاكراد في العراق فرغم ان نسبتهم اقل عددا مما موجود في بقية دول المنطقة فأن وضعهم هو الافضل بين الاكراد في دول الجوار من جانب آخر فأن دول الخليج والجزيرة العربية يخشون من تمدد النظام الايراني وهيمنته على العراق مما يزيد من حجم التهديد ضدها. لذلك وانطلاقا من هذه الاعتبارات لاتزال الادارات الأميركية المتعاقبة (جمهوريون وديمقراطيون) لحد الان على إرسال تطمينات الى حلفائها من كل الدول المحيطة, بأنها لا تستهدف وحدة العراق ولا تسعى الى إنشاء دويلات فيه, ولكن المشكلة التي مازالت تواجه الولايات المتحدة هي ضعف وهشاشة العملية السياسية التي فرضتها على العراقيين والتي سلمت زمامها الى الاطراف المتخلفة الموالية لها والتي جاءت خلف دبابات الاحتلال, والي ثبت فشلها على القيام بإنجاز أية عملية تغيير ايجابي بنفسها, الامر الذي تسبب باندلاع اضطرابات داخلية ماتزال هناك صعوبات في السيطرة عليها. لذا فأن سيناريو الفوضى والازمات سيبقى يلقي بضلاله على حاضر ومستقبل العراق المحتل
فالولايات الامريكية المتحدة التي فرضت نظام الوصاية على العراق وتسيطر على موارده, وخصوصاً النفط, غير مهتمة في السيطرة على الصراعات الداخلية العراقية, والتي قد تؤدي الى تطور حالة من الفوضى الاكبروالحرب الأهلية والمقاومة المتنامية للمشروع الأميركي. ناهيك عن أن هذا الوضع المأساوي في العراق لاسيما بعد ان دخل النظام الايراني كلاعب اساسي فيه الى جانب الامريكي وبالتنسيق والتخادم بينهما سيؤثر على استقرار الأنظمة المحيطة ويدفعها الى تصليب سياساتها, خصوصاً بعد جنى الكيان الصهيوني الثمار من هذا التغيير واندفاع عدد من الانظمة العربية لبناء علاقات مع الصهاينة وستستمر محاولات الصهاينة والانظمة الاخرى الإستفادة من هذه الظروف المتشابكة الى أقصى الحدود على حساب الأطراف العربية .
صحيح أن الظروف الحالية ستؤثر سلبا على النظام في إيران وتسعّر الصراعات الداخليية التي تعيشها وستحاول الولايات المتحدة الاستفادة من ذلك للتأثير على النظام في إيران التي تعتبره اطراف امريكية عديدة انه أخطر من العراق قبل احتلاله.
وفي ظل غياب ديناميكية عربية للتغيير نحو أنظمة ديمقراطية ومجتمعات متماسكة وموحدة, فأن برنامج “الديمقراطية” بالإكراه وبالاحتلال وبالقوة قد يمتد الى أنظمة عربية أخرى من أجل إطباق الولايات المتحدة على المنطقة, وتأمين سيطرتها على مواردالمنطقة, وتأمين أنظمة تناسب مصالحها وقيمها. وهكذا تستكمل دورة ترتيب أوضاع المنطقة بكاملها.
ان عودة الاستعمار والاحتلال العسكري والهيمنة المباشرة على الموارد, كان يعتقد انها ستلاقي مقاومة شديدة ومنظمة, لتنتهي الى حركة عامة متصلة مع قوى وحركات اجتماعية وأنظمة في كل العالم تقاتل ضد هذا التسلط وهذه الهيمنة المتعجرفة للامبراطورية الأميركية المتوسعة الا ان ماحصل للاسف وسيحصل يؤشر اتجاهات اخرى مغايرة تماما.
ان الولايات المتحدة الأمريكية لم تأت إلى العراق لتعود من دون ترسيخ أهدافها الإستراتيجية طويلة المدى فيه ، أو على أقل تقدير من دون أن تخلف محلها من يؤمن لها وصول ما تريده إلى أراضيها ، أو من دون وضع إطار إستراتيجي يعطيها ما تريد بشكل قانوني ،وهو ما تحقق في اتفاقية إعلان المبادئ الموقعة مع الحكومة العراقية في نهاية عام 2008 ، لذا فهناك أهداف على درجة كبيرة من الأهمية ماتزال تعمل الولايات المتحدة من أجلها .
وللولايات المتحدة عدة انواع من الاهداف الاساسية منها الأهداف المعلنة وهي تلك الأهداف التي يعلن عنها بشكل رسمي من قبل الذات الموجه لتحقيقها أي من قبل رئيس الولايات المتحدة الأمريكية أو ما يسمى بالخط السياسي الأول ، وهناك الأهداف المعلن عنها لكن بشكل غير مباشر ، أي أنها قد تأتي على لسان سياسيين من المستوى الثاني أو من محللين قريبين من صانع القرار الإستراتيجي ، أو من مراكز البحوث والدراسات الإستراتيجية ذات الصلة بالقائد السياسي ، فالمعروف لدى الغرب بأن القائد السياسي لا يتخذ القرار بمفرده أو بناءاً على أهوائه ، وإنما يحيط به عدداً من المستشارين والخبراء في جميع المجالات ، لذا فالقرار الصادر عن القائد السياسي في الغرب يكون قرار محكم في أغلب الأحيان وذلك لأنه يكون قد خضع لسلسلة من المراجع الاستشارية ذات الإختصاص ، لذا يكون القرار مفلتر ، أما النوع الثالث من الاهداف فهي تلك الاهداف التي يتم إستنتاجها من قبل المحللين السياسيين وذوي الإختصاصات بناءاً على معطيات الواقع السياسي ، الذي يكون دالة على الإستنتاج السياسي التحليلي .
كان اول الأهداف المُعلنة من غزو العراق واحتلاله إزالة النظام السياسي الشرعي ، وتحقيق الديمقراطية وحقوق الإنسان !!؟؟،هذه الإهداف كانت سببا لاخافة دول المنطقة لإنها اعتقدت يقيناً أن الدور سيأتيها بعد العراق ،الأمر الذي دفع أغلبها إلى الانبطاح للسطوة الامريكية والتظاهربالقيام بإجراءات واسعة من الإصلاحات السياسية وتحقيق نوع من الإنفتاح وبدأت بالدخول تحت العباءة الامريكية في مسرحية الحملات على مايسمى بـ (الأرهاب) للإيحاء بإنها تسير في فلك الولايات المتحدة الامريكية وتناصرها الرأي في ماتقول . ولم يمضي وقت طويل حتى كشف النقاب عن الذرائع الأمريكية تلك الذرائع التي أنكشف زيفها بعد الدمار والخراب الذي لحق بالعراق نظاماً ودولةً وشعباً إلى حد وصل فيه عراق ما بعد الغزو .
ان الاوضاع المزرية للعراق المحتل لابد وان تؤثر سلبا على الاخرين في المنطقة مع ملاحظة ان هناك تطورات اضافية ستلقي بضلالها على الدول الاكثر فاعلية وهما تركيا وايران فالواضح ان تطلعات تركيا الصاعدة لن تكون نحو اوربا فقط بل ان طموحاتها الامبراطورية ستتحرك افقيا وجنوبا وهذا ماظهر واضحا من الدعم الذي قدمته الحكومة التركية لاذبيجان في صراعها مع ارمينيا والذي انتهى بالحسم الواضح لمصلحة اذربيجان والاخيرة اظهرت من الود والاحترام والتقدير للرئيس التركي طيب رجب اردوغان والذي اعرب عن تفاعله مع الود الاذري من خلال حضورة الاستعراض العسكري والقائه للقصيدة التي كانت سببا في الازمة السياسية مع النظام الايراني وخلاصت القصيدة كانت تؤكد على وحدة الاراضي الاذرية التي جزء منها تحت السيطرة الايرانية حاليا وان تركيا ماضية في مشروعها لاحياء الامبراطورية التركية وان عليها تحرير كل ابناء القومية التركية اينما كانوا وتحت أي نظام ودولة ولم تكن عمليات الدعم والاسناد التركي لحكومة اذربيجان وانتصارها على ارمينيا سوى المقدمة التي سيليها استعادة الاجزاء التي يقطنها الاذريين لاسيما في ايران حيث يمثل الاذريين (يبلغ عدد سكان ايران ذو العرق الأذري تقريبا عشرين مليون نسمة ويشكلون 25% من سكان إيران) وهذا مايعني ان ثمة خلافات تاريخية عادت الى واجهة الاحداث ويبدو ان المنطقة تغلي على صفيح ساخن خلال الفترات القادمة وسيكون مسرحها كل دول المنطقة.