يستعد الرئيس الأمريكي المنتخب جو بايدن وفريقه،لتولي شؤون الحكم في الولايات المتحدة، حيث يتزايد الحديث في المنطقة العربية عن التغييرات، التي قد تطرأ على السياسة الأمريكية، تجاه المنطقة وقضاياها، في عهد الرئيس الديمقراطي المنتخب، إذ تبرز منطقة الشرق الأوسط، كواحدة من أكثر مناطق النفوذ الأمريكي إثارة للجدل، بملفاتها الساخنة، وأزماتها التي ربما زادت تعقيدا، في ظل استقطاب إقليمي حاد، وحروب مشتعلة في عدد من البلدان العربية.
وعند الحديث عن السياسة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط، يرتب المراقبون أولوية الملفات حسب سخونتها، ويأتي في مقدمتها الملف السعودي، بما فيه الحرب الدائرة في اليمن ، ثم قضية مقتل الكاتب ، جمال خاشقجي،ثم علاقة امريكا مع إيران، التي كانت قد شهدت اجواءا ايجابية ابان حكم الرئيس الديمقراطي الأسبق باراك أوباما، والذي أثمر عن الاتفاق النووي برعاية دولية، وهناك توجس سعودي من عودة الأمور لما كانت عليه إبان فترة حكم الرئيس الأمريكي الديمقراطي الأسبق باراك أوباما. ناهيك عن الموقف المرتقب من إدارة بايدن، تجاه التحالف القوي الذي أقامه ترامب، مع السعودية والإمارات ومصر، وكذلك الملف الفلسطيني والسوري.
المتوقع أن يستمر بايدن في سياساته الخارجية -تحديدا- كثيرا بما كانت عليه في زمن أوباما، لاسيما وان له دور في صناعتها، مع إضافات متوقعة بسبب اختلاف الزمان والمستشرف مستقبلا سيؤكد بايدن بأن دول الشرق الأوسط والعرب هم المسؤولون عن حل مشاكلهم، وألا ينتظروا حلا سحريا من أميركا، ولن يقوم بأية تدخلات عسكرية كبرى في المنطقة، وإذا استمرت الصراعات والحروب، فسيتابعها وفق حروب بالوكالة، وتوازنات القوى الدولية والإقليمية في المنطقة، وأساليب القوة الناعمة والجراحية المحددة.
وبالطبع فقد قللت ادارة أوباما من أهمية الشرق الأوسط كأولوية لها، مع الحفاظ على مصالحها الكبرى من طاقة وأسواق وتحالف إستراتيجي مع الكيان الصهيوني وقواعد عسكرية وأساطيل ودعم الأنظمة الحليفة. فأولوية أميركا منذ أوباما هي ايقاف زحف ومنافسة نفوذ الصين الاقتصادي والتكنولوجي العالمي المتصاعد.
وبالنسبة لقضية فلسطين، فيتوقع أن يعود بايدن إلى تأكيد أهمية حل الدولتين والالتزام بالمواقف السابقة للإدارات الأميركية عامة، وأهمية التواصل مع السلطة الفلسطينية، ولن يلغي نقل السفارة الأميركية إلى القدس، ومن المتوقع منه ان يشجع ويدفع باتجاه زيادة الانظمة العربية التي تطبع مع الكيان الصهيوني وربما في مقدمتها العراق، وقد يستخدم ذلك لدفع حكومة (إسرائيل) وأنصارها بأهمية اتباع قدر محسوب من المرونة مع السلطة الفلسطينية لاسيما بعد ازالة الخطر العربي؟؟.ولن يعطي اهتماما مناسبا للانظمة العربية حتى الحليفة لامريكا وسيتركهم ليحلوا مشاكلهم الكثيرة المعقدة الداخلية فيما بينهم وفي المنطقة، وللأسف فهي كثيرة. فناهيك عن مواجهة أطماع الاحتلال الصهيوني وهيمنته في المنطقة فهناك ازمات وكوارث العرب وحروبهم الأهلية والدكتاتوريات والتدهور الاقتصادي وكورونا والفساد ومطالب الناس بالحرية والعدالة والعيش الكريم والكثير من القضايا والمشاكل التي تتحرك ككرة الثلج وكان الحكام ينتظرون من الادارات الامريكية ان ترمي لهم طوق النجاة.
بخصوص إيران، من المستبعد أن يبدي بايدن ليونة سريعة ومباشرة مع النظام في إيران، وسيستمرّ في الضغط عليها وعلى القوى المتحالفة معها، خصوصاً في ظل المطالب (الإسرائيلية)، فضلاً عن سعي دول خليجية لاستمرار ذلك الضغط، انطلاقاً من البعدين السياسي والنفطي فعلى الاغلب سيعاود بايدن إحياء الاتفاق النووي معها، وقد كانت نائبة الرئيس الجديدة كامالا هاريس ممن انتقدوا ترامب بقوة لإلغائه الاتفاق مع ايران، وتعريضه لأمن ومصالح أميركا للخطر.
ومن المتوقع أن يتابع بايدن مواقف وسياسات أوباما النظرية والعملية مثل التأكيد على أهمية الحريات وحقوق الإنسان والعدالة والسلام والانتقال إلى الديمقراطية، وسينتقد بايدن وتحت ضغط بعض قطاعات حزبه بعض تجاوزات الأنظمة العربية الحاكمة؛ ولكنه لن يصل مبلغ الترويج للديمقراطية في المنطقة أو دعم أي جهة لإحداث ربيع عربي جديد.
وبسبب بايدن وسياساته فمن المتوقع أن نشهد دعم للمصالحة الخليجية، ومحاولات أميركية لإيجاد حلول للحروب في اليمن وليبيا وسوريا والصراعات الأخرى دون الانخراط فيها، ومحاولة إيجاد أنظمة حكم شرعية مستقرة فيها، والضغط باتجاه تراجع للاندفاعات والتدخلات الخليجية في هكذا ملفات حساسة، التي سببت نفوذا متزايدا لروسيا وتركيا وإيران. وبايدن لا يحبذ ذلك وله مواقف قوية معاكسة لكل هؤلاء، وهناك مواقف عدة لكامالا هاريس وهي في مجلس الشيوخ ترفض الحرب في اليمن.
بايدن والعراق
فيما يستعد بايدن لتسلّم سدّة الرئاسة الأميركية، يشهد العراق فصلاً آخر من فصول أزماته الاقتصادية والامنية السياسية وووو التي تبدو انها تأخذ صفة الاستمرارية مستمرة وهذه ألازمات ذات الاوجة المتعددة تأخذ منحى افقي لتشمل كل نواحي الحياة في العراق وعمودي لانها تضرب بأطنابها جذور الشعب العراقي ومحاضره ومستقبله ، ومنها التهديد الذي تمثّله الميليشيات التابعة لايران، إضافةً إلى العمليات التركية في الشمال، وكذلك مع أزمةٍ مالية تزداد حدّة. لن تحاول أي إدارة أميركية إيجاد حلول للمشكلات العراقية، ولكن التصريحات الاستفزازية على لسان كبار المسؤولين قد تؤدّي إلى تعقيد السياسات، ولا شك في أنها تصعّب الأمور على السياسيين العراقيين الذين تربطهم صداقة بالولايات المتحدة. ناهيك عن الإدلاء بالتصريحات العلنية عن مآسي السياسة الداخلية العراقية، لا سيما التصريحات التي تتطرق إلى الشؤون الإثنية والمذهبية. والتي لا يزال بايدن يرتبط بتبعاتها ارتباطاً وثيقاً، لاسيما في أذهان العراقيين، ومنها الخطة المثيرة للجدل التي دافع عنها جو بايدن عندما كان عضواً في مجلس الشيوخ، وتقوم على تحويل العراق الى كانتونات على اسس عرقية وطائفية. وهذا ما يجعل البعض من المشاركين في العملية السياسية الفاشلة يتوقعون أن يتدخّل الرئيس بايدن في الشؤون الداخلية العراقية.
وفي ما يتعلق بالأزمات الأمنية التي يعاني منها العراق، ثمة خيارات متاحة لطرد الميليشيات المدعومة من إيران من المناطق الحسّاسة في بغداد، ولكن غالب الظن أن الجهود الهادفة إلى تحقيق تحوّل أوسع سوف تصطدم بعراقيل أكبر بسبب فساد وضعف المؤسسات العراقية المتهرئة اساسا.
المواطن العراقي هو الضحية
في الوقت الذي كان يمكن للعراق ان يكون الاول اقتصاديا في المنطقة نتيجة ما دخله من ايرادات تقدر باكثر من 1500 مليار دولار ويعيش المواطن العراقي في بحبوحة وكان يجب ان يكون سعر صرف الدينار العراقي افضل من قيمة العملات في كل المنطقة الا ان مخطط الاحتلال وذيوله هدف الى تحويل العراق الى مستنقع للازمات والكوارث وعلى سبيل المثال لا الحصر حولت ألازمات المالية المفتعلة والمقصودة والتي تزداد عمقا توجهات واهداف العراقيين من المطالبة بالتغيير الشامل والغاء الملية السياسية والتخلص من سطو وبطش المليشيات الايرانية ومحاسبة ومحاكمة القتلة والفاسدين الى المطالبة بالرواتب علما ان المخطط على الأرجح سيؤدي الى تفاقم الركود الاقتصادي في سنة 2021. وقد يرجع البعض ان سبب الازمات هو التراجع في أسعار النفط الا ان هؤلاء تناسوا حجم الفساد والسرقات ونهب المال العام من قبل الاحزاب المهيمه على العملية السياسية سيئة الصيت، كما ان سوء ادارة الدولة أدت الى تضخّم القطاع العام ومحدودية الاستثمارات الرأسمالية مقرونةً بالاعتماد شبه التام على الإيرادات النفطية.
كما ان فساد وتخلف المؤسسات الثلاث التشريعية والتنفيذية والقضائية، يقف حاجزا امام أية محاولات ولو بسيطة لتنفيذ بعض الخطوات الترقيعية فعلى سبيل المثال اجهض مجلس النواب العراقي مشروع إجراءات معتدلة اتخذتها الحكومة الحالية لإصلاح مالية الدولة.
ان تعويل البعض على ما يمكن ان تقدمه ادارة بايدن لدعم العملية السياسية المتهاوية في العراق يدخل في باب التمنيات الصعبة حيث نعتقد ان ابعد ما يمكن للولايات المتحدة ان تساعد مناصريها في العراق المحتل يكون من خلال نفوذها لدى صندوق النقد الدولي حيث يمكنها الضغط لتقديم مساعدة استثنائية للنظام في العراق، ولكن مثل هذه المساعدات سوف تقترن بشروط صارمة تتطلب خفوضات كبيرة ودائمة في النفقات التشغيلية ترافقها زيادات طويلة الأمد في الاستثمار في البنى التحتية. ونظراً إلى طبيعة هيكلية التكاليف في العراق، وحتى عندما كانت أسعار النفط تتراوح من 60 إلى 70 دولاراً أميركياً، فقد سرقت جميع الإيرادات تقريباً من قبل القوى المهيمنه على الحكومات كي تستمر في سطوتها على البلاد. ومنذ حتلال العراق في نيسان 2003 غاب من قاموس الاحتلال وذيوله الإصلاحات الهيكلية، بما فيها الإصلاحات التي تدعو إليها كذبا الحكومات العراقية، فالمهم لدى الدخلاء على العراق المحتل خوض المعارك المستمرة للحفاظ على وجودهم في الحكم، وعدى ذلك فلا شئ مهم.
*أكاديمي عراقي والعميد الاسبق لكلية الاعلام بجامعة بغداد