تحت المجهر
بقلم: موفق الخطاب
ما حدث قبل أيام في بيروت زهرة الشرق هي كارثة بكل المقاييس , وفي مقالنا هذا اليوم سوف لن نتناول الحدث بحد ذاته ولا تداعياته الأمنية حيث ما زال الأمر يكتنفه الغموض ,ومن هي الجهات التي تقف وراءه؟؟
لكننا سنعرج إلى موضوع التغطية الإعلامية المكثفة والإهتمام والتعاطف والإجماع الدولي لإدانة التفجير وتسارع الدول والحكومات غربية وشرقية في الإصطفاف مع بيروت في نكبتها بشكل ملفت للنظر , وسرعة تدفق المساعدات والجسر الجوي لنقل آلاف الأطنان من الإمدادات الطبية والغذائية ,وتعهد صندوق النقد الدولي والكثير من الدول الكبرى والمنظمات ورجال الأعمال بإعمار بيروت ومرفأها وتعويض المتضررين , والزيارة المفاجئة للرئيس الفرنسي ماكرون كأول مسؤول أوربي حيث حطت قدمه فيها وما زال دخان وغبار التفجير عالقاً في سماء بيروت وبيروت تستحق ذلك وأكثر لما لها من مكانة في قلب كل عربي !!
كل تلك الخطوات التي أقدم عليها المجتمع الدولي تمثل حالة إنسانية إيجابية وهي ستخفف من معاناة شعبنا اللبناني الذي أنهكته الصراعات الداخلية وعصفت بأمنه وضربت اقتصاده في مقتل…
لكن ما يثير الانتباه حقا هو: لماذا هذا التوافق والاهتمام والاندفاع والتحرك السريع لاحتواء تداعيات كارثة بيروت؟؟ يقابله الصد بل الجمود عن كوارث أخرى وقعت قريباً في دول أخرى، ربما هي أشد ضرراً وفتكاً منها؟؟
اليوم يتساءل وباستغراب المواطن العربي في العراق وسوريا واليمن وليبيا والصومال والسودان وغيرها من الدول التي اجتاحها الإرهاب والكوارث ومن خلال وسائل التواصل الاجتماعي ومن حقه أن يجد جواباً:
لماذا أدار المجتمع الدولي ظهره عما جرى في الموصل المدينة العراقية العريقة التي اجتاحها ودمرها الإرهاب بمؤامرة دولية قذرة قادها مجرم العصر المالكي وتحالف ذلك المجتمع لضربها وتمزيقها لتخليصها من تنظيم داعش والذي سام أهلها سوء العذاب وطمس حضارتها ثم أكمل المهمة المجتمع الدولي عندما أشاح بوجهه عنها مخلفاً وراءه عشرات آلاف من القتلى والجرحى والمعوقين من المدنيين وملايين المشردين، وتاركاً وراءه مدينة ممزقة كانت حاضرة و ضاربة في عمق التاريخ وهي أشبه اليوم بمدينة أشباح, علماً أنها تفوق مساحة وسكانا ومكانة وموقعاً بيروت الغالية !!
ينظر اليوم المواطن العراقي بعين الشك والريبة لِما حدث في الموصل وتفجيرات الزنجلي والكرادة ومدينة الصدر وديالى وصت صمت دولي مطبق !!
حيث يصادف بالأمس ذكرى اغتيال ما يزيد عن ألفي مواطن غدراً على يد داعش الإرهابي وتم رميهم في حفرة عميقة تسمى الخسفة في الموصل , فلم يتكلف أحد لحد هذه الساعة بانتشال جثامينهم وتسليمها لأهاليهم !!
كما لم تتكلف أية منظمة أو أية دولة شاركت في العمليات بتقديم أبسط مساعدة لأهلها وهي تعاني ظلماً مركبا، من الحكومة المركزية التي كانت متخمة بملياراتها التي نهبت ولم تُقدم حتى على إعمار أو بناء مستشفى فيها , وظلم المجتمع الدولي الذي تعاون على تمزيقها ثم تركها لقمة سائغة للمليشيات الإيرانية ومكاتبهم الاقتصادية التي تقتات على ما تبقى فيها من فتات !!
وهذا الكلام ينطبق على حلب الشهباء وإدلب وبنغازي التي رأيتها بأم عيني وما خلّفه الإرهاب فيها من دمار شامل وعطل فيها الحياة وتركها أثراً من بعد عين..
بات الجميع يتساءل لماذا هذا التمييز ولماذا يتعمد المجتمع الدولي الكيل بمكيالين في التعامل مع الكوارث والمعاناة الإنسانية والتي يُفترض أن تكون بعيدة كل البعد عن التجاذبات والمصالح السياسية؟؟
ربما يَشكُل الجواب على عامة الناس لكن ذلك لا يخفى عمن يتابع الأحداث ويربط بعضها ببعض .
فأصبح معروفاً وبديهيا أن أغلب القادة السياسيين والمنظمات والحكومات لا تتعامل مع الأحداث وفق منظور إنساني مثلما نفهمه ونتمناه, فهم منزوعي الرحمة والإنسانية, وما يحركهم هو المصالح و مبدأ الربح والخسارة لا غير ,
وأُوجز هنا بعضاً من الأسباب التي دفعت بالمجتمع الدولي بالهرولة صوب بيروت لاحتواء تداعيات فاجعتها ,وصدهم عن باقي الكوارث التي وقعت في باقي المدن القريبة منها ليس حبا بشعبها بل حماية لمصالحها:
أولا : ربما يكون أحد أهم الأسباب هو أن العاصمة بيروت تعتبر المسكن البديل والمنتجع الأكثر أمنا لكثير من القادة و محط أموال أغلب الفاسدين من الطبقات السياسية شرقا وغرباً ,فعلى سبيل المثال لا الحصر فإن غالبية قادة العراق بعد الاحتلال يودعون ملياراتهم المنهوبة من خزينة العراق في المصارف والشركات العقارية اللبنانية ويتم ذلك بدون شك بتعاون مع مافيات وقادة كتل وأحزاب لبنانية مقابل العمولات الفلكية ,ونفس التوصيف ينطبق على الكثير من المتهربين من الضرائب وتجار المخدرات في العالم فهي مرتع آمن لتدفق الأموال بعيداً عن الرقابة والمُساءلة..
ثانيا : نظراً لما تتمتع به بيروت من أجواء خلابة وموقع على ساحل البحر الأبيض المتوسط مما جعلها موقعا سياحيا متفرداً في الشرق الأوسط , ولغرض تنشيط قطاع السياحة فيها والذي يعتبر المورد الاقتصادي الأهم ,انتشرت منذ أمد بعيد العديد من صالات الليل وقاعات القمار والروليت والشاليهات والبلاجات والمراقص والمسارح ودور العرض والتي تستهوي أصحاب رؤوس الأموال ليقضوا فيها ليالي حمراء قد لا توفرها لهم دولهم وبعيداً عن أعين المراقبين والمتصيدين والصحافة والاعلام .
ثالثا : إن التنوع الديني والمذهبي فيها كان له دوراً إيجابيا بالنسبة لتدفق رؤوس الأموال وهو عامل سلبياًث على المواطن اللبناني بعد تشكيل المليشيات، والاحزاب الدينية والعلمانية الموالية لهذه الدولة وتلك، والذي بدأ يدفع فاتورته لما تمخض عنه من صراع داخلي أطاح بأمنه واقتصاده المواطن الفقير , أما الجانب الإيجابي في ذلك فيتمثل: بالتسهيلات التي يقدمها كل طرف للمقابل لتأمين دخول الأموال , فالسارق من قادة الأحزاب والكتل الشيعية المنتشرين هنا وهناك لا يثق إلا بمثيله في لبنان وكذلك الفاسد من قادة السُّنة , أما تجار الغرب وسماسرتهم فإنهم يركنون للفاسدين مثلهم من بني معتقدهم , وتذهب هذه العمولات الفلكية بحسابات دقيقة يشرف عليها قادة المليشيات فقسم منها يتحول للتمويل والتسليح والتدريب وأخرى للمنافع الشخصية، أما نصيب الشارع منها فهو تقديم خدمات السياحة واللهو الذي يغدق الفاسد في تبذير سرقاته دون تأنيب ضمير ولا وجع قلب ..
ربما تكون هذه أهم الأسباب التي دفعت بالمجتمع الدولي الذي ينظر بعين عوراء والذي تديره طبقة متسلطة على مقدرات البشر بأن يتباكى ويتسارع لنجدة بيروت لا محبة بشعبها بل دفاعاً عن مصالحهم واستقرار أموالهم ولا يلتفت لعشرات المصائب والكوارث التي يعاني منها العالم حيث تفتقر هذه المدن المنكوبة لتلك الميزات التي توفرها بيروت متمثلة بقادة الأحزاب والمليشيات التي لا تتوانى عن كل رذيلة من أجل المال ..
جميع الشرفاء يتعاطفون اليوم مع بيروت لكنهم يدينون المجتمع الدولي الأعور في انتقائيته ,فكارثة بيروت أسقطتْ عنهم ورقة التوت الشفافة التي لم تستر سوأتهم يوماً….