في خطوة أعادت حلف شمال الأطلسي لمبادئه التي تأسس عليها قبل نحو 70 عاما، اعتبر الحلف، الأربعاء، أن روسيا تمثل “التهديد الأهم والمباشر لأمن الحلفاء والسلام والاستقرار في المنطقة الأوروبية الأطلسية”.
لم تكن هذه الإدانة مفاجئة بالكامل، على اعتبار أنها جاءت بعد تصريحات سابقة أدلى بها أمين عام الحلف ينس ستولتنبرغ قال فيها إن الحرب الروسية في أوكرانيا خلقت أكبر أزمة أمنية في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية.
لكن مع ذلك يعتبر هذا التطور تحولا مهما في نظرة دول الحلف التي وصفت موسكو قبل نحو عقد من الزمان بأنها “شريك استراتيجي”.
هزّت الحرب في أوكرانيا التحالف الذي يضم 30 بلدا وأجبرته على القيام بأكبر عملية إصلاح لدفاعاته منذ نهاية الحرب الباردة.
ووافق الدول الأعضاء في القمة التي انعقدت في مدريد على خريطة طريق الاستراتيجية الجديدة للناتو التي حدّثت للمرة الأولى منذ العام 2010 وجاء فيها أنه “لا يمكننا استبعاد احتمال شن هجوم على سيادة الحلفاء ووحدة أراضيهم”. وفي محاولة لمواجهة الخطر من روسيا، وافق القادة على تعزيز قواتهم في أوروبا الشرقية.
تطور العلاقة
تأسس حلف شمال الأطلسي في عام 1949 ردا على أي هجوم خارجي ومواجهة “الخطر الشيوعي” وتوسع الاتحاد السوفييتي السابق باتجاه غرب أوروبا وكذلك تعزيز التعاون بين الدول الأوروبية التي مزقتها الحرب العالمية الثانية.
مع انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991 وتفكك المنظومة الاشتراكية حصل تغير جذري في أهداف الحلف واستراتيجيته فقد تغير الهدف من مبدأ الدفاع المشروع إلى مبدأ الأمن الجماعي.
بدأت العلاقات بالتطور إيجابيا بين الحلف وروسيا في العام ذاته في إطار مجلس الشراكة الأوروبية الأطلسية، وكذلك بعد أن انضمت موسكو لبرنامج الشراكة من أجل السلام في عام 1994 الذي يسمح بإقامة تمارين عسكرية وعمليات حفظ سلام وتداول المعلومات مشتركة، وكذلك وقعت خلال تلك الفترة عدة اتفاقيات مهمة فيما يخص التعاون بينهما.
حلف وارسو والشراكة الاستراتيجية
ومع ذلك كان التطور في العلاقات بين المعسكرين مشوبا بالحذر، خاصة وأن روسيا كانت قلقة نتيجة انضمام دول حلف وارسو، الذي أسسته موسكو في عام 1955، إلى حلف الناتو تباعا.
في عام 1999 اقتربت حدود الحلف كثيرا من حدود الاتحاد الروسي نتيجة انضمام جمهورية التشيك والمجر وبولندا. وبعدها بخمسة أعوام تبعتها الجمهوريات السوفييتية السابقة ليتوانيا واستونيا ولاتفيا إضافة إلى سلوفينيا وسلوفاكيا وبلغاريا ورومانيا.
وعلى الرغم من كل ذلك وفي عام 2010، اتفق قادة الحلف في قمة بلشبونة على وثيقة رئيسية تحدد رؤية الحلف، اعتبرت بموجبها روسيا “شريكا استراتيجيا” في خطوة تهدف لبناء شراكة طويلة الأمد مع خصمهم القديم في الحرب الباردة.
في تلك الفترة كان ديمتري ميدفيديف، الرئيس الروسي آنذاك، حاضرا في القمة حيث اتفق الجانبان على ذلك.
لم تدم هذه الشراكة طويلا بعد أن وصلت العلاقات بين دول حلف الناتو وروسيا إلى طريق شبه مسدود في عام 2014 عندما غزت موسكو شبه جزيرة القرم، حيث قررت الدول الأعضاء في الحلف بالإجماع تعليق التعاون في المجالين المدني والعسكري مع روسيا.
ظلت العلاقات متوترة حتى جاء الغزو الروسي لأوكرانيا الذي كان بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير، وعكس التدهور الكبير في علاقات الحلف مع موسكو على مدى العقد المنصرم.