أجّج الرئيس الاميركي دونالد ترامب خلافاً مع نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون، بعدما جدّد تنديده باقتراحه تأسيس «جيش أوروبي»، وسخر من تراجع شعبيته، ملمحاً الى ان فرنسا كانت ستخسر خلال الحربين العالميتين، لولا تدخل الولايات المتحدة. لكن المستشارة الألمانية أنغيلا مركل أعلنت تأييدها تشكيل هذا الجيش، بعدما أشاد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالفكرة.
انتقادات ترامب التي تتزامن مع إحياء الفرنسيين ذكرى مجزرة باريس التي أوقعت 130 قتيلاً العام 2015، جاءت بعد يومين على عودته من العاصمة الفرنسية، حيث شارك في احتفالات الذكرى المئوية لنهاية الحرب العالمية الأولى. وبدا خلال لقائه ماكرون على هامش الاحتفالات، أن الجانبين نزعا فتيل أزمة، بعدما اعتبر الرئيس الأميركي أن اقتراح نظيره الفرنسي تأسيس «جيش أوروبي» يشكّل «إهانة»، إذ أدرجه في إطار حماية القارة من «الصين وروسيا وحتى الولايات المتحدة». لكن ماكرون وجّه رسالة مباشرة إلى ترامب، محذراً من أخطار القومية، ومنبّهاً إلى أن «الشياطين القديمة مستعدة لنشر فوضى وموت»، علماً أن الرئيسيْن كانا مقرَبين.
وكتب ترامب على «تويتر» أمس: «يقترح ماكرون تأسيس جيش خاص لحماية أوروبا من الولايات المتحدة والصين وروسيا. لكن الأمر كان يتعلّق بألمانيا في الحربين العالميتين الأولى والثانية. كيف كان ذلك بالنسبة الى فرنسا؟ بدأوا بتعلّم الألمانية في باريس قبل أن تصل الولايات المتحدة. أدفعوا للحلف الأطلسي». وأضاف: «المشكلة هي أن ماكرون يعاني من معدل شعبية ضعيف جداً في فرنسا، 26 في المئة، ومعدل بطالة بنحو 10 في المئة. إنه يحاول أن ينتقل إلى موضوع آخر. بالمناسبة، لا يوجد بلد قومي أكثر من فرنسا التي يعتزّ شعبها بنفسه، ويحق له ذلك. إجعل فرنسا عظيمة مجدداً».
لكن مديرة الاتصالات الاستراتيجية في البيت الأبيض مرسيدس شلب، شددت على أن رحلة ترامب الى باريس كانت «ناجحة»، مضيفة أن الرئيسن الأميركي والفرنسي «عقدا اجتماعاً مثمراً» في شأن التجارة والحلف الاطلسي. وتابعت أن ترامب «وجّه رسالة قوية لحلفائنا الأوروبيين، وشهدنا تغييرات وتحوّلات إيجابية من حلفائنا، لدفع مزيد (من الأموال) للحلف. نحتاج دعمهم».
في المقابل، لفت مستشار لماكرون الى أن الفرنسيين «أوضحوا» موقفهم للأميركيين، وطمأنوا ترامب الى أن باريس «ليست على وشك الاختيار بين نظام دفاع أوروبي ونهج متعدد الأطراف». واعتبر أن تغريدات ترامب «كُتبت للأميركيين، وإلا لما كُتبت بالإنكليزية، وليس من شأننا التعليق على محتوى موجّه لمواطنيه». وتابع أن العلاقات بين الرئيسين «لم تكن دائماً سهلة، لكنها مستمرة».
وكان وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان اعتبر أن ترامب عزل نفسه خلال إحياء ذكرى مئوية نهاية الحرب العالمية الأولى، بعدما امتنع عن المشاركة في منتدى للسلام حضره ماكرون ومركل وبوتين. وسُئل هل ما زالت أميركا حليفة لفرنسا، فردّ إيجاباً.
في ستراسبورغ، دعت مركل الى «وضع رؤية تتيح لنا أن نصل يوماً الى تأسيس جيش أوروبي حقيقي». واستدركت: «ليس جيشاً ضد الحلف الأطلسي. يمكن أن يشكّل مكملاً جيداً للحلف، لا أحد يريد أن يشكّك بالعلاقات الكلاسيكية». وذكّرت أمام البرلمان الاوروبي بأنها اقترحت «تشكيل مجلس أمن أوروبي مع رئاسة دولية، يمكن من خلاله اتخاذ قرارات مهمة في شكل أسرع».
على صعيد آخر، أوردت صحيفة «وول ستريت جورنال» أن ترامب قرر عزل وزيرة الأمن الداخلي كيرستين نيلسن. وأضافت ان نيلسن حليفة مقرّبة من جون كيلي، أبرز موظفي البيت الأبيض، مشيرة الى أن إقصاءها قد يدفع كيلي الى الاستقالة. وتابعت أن الرئيس الأميركي يدرك هذا الاحتمال، وقد يبدّل كيلي بنيك آرز، مدير مكتب نائب الرئيس مايك بنس.
من جهة أخرى، أعلنت شبكة «سي أن أن» أنها تقاضي البيت الأبيض أمام محكمة فيديرالية في واشنطن، بعدما سحب الأسبوع الماضي إذناً بدخول مراسلها جيم أكوستا، إثر سجال عنيف مع ترامب خلال مؤتمر صحافي.
ووَرَدَ في بيان أصدرته الشبكة: «طالبنا المحكمة بإصدار أمر فوري ملزم بإعادة التصريح لجيم. رغم أن القضية تخصّ سي أن أن وأكوستا، إلا أن ذلك كان يمكن أن يحدث لأي شخص. وإذا تُركت أفعال البيت الأبيض من دون طعن بها، قد يكون لها تأثير مروّع وخطر على أي صحافي يغطي شؤون المسؤولين المنتخبين».
وقال محامي الشبكة تيد بطرس: «واضح جداً أن قرار (سحب الإذن للمراسل) اتُخذ على أساس مضمون تغطيته، ويشكّل مسّاً بالتعديل الأول للدستور حول حرية التعبير». وأضاف أن ترامب «هاجم سي أن أن وأكوستا مرات وتحداهما. لا يمكن قبول أن يَطرد البيت الأبيض الناس، لمجرد أن تغطيتهم لا تروق له».