بقلم: ا. د . محمد طاقة
سبق أن كتبت هذا التحليل منذ اكثر من سنة من الآن أي قبل أحداث السابع من اكتوبر ، ولم يتسنى لنا نشره واليوم نعيد نشره وجاء فيه :
من خلال متابعتنا للأحداث الأخيرة التي تجري في منطقة الشرق الاوسط ، والاطلاع على الكثير من التقارير السياسية والمحللين السياسيين ، والاخبار اليومية وما موجود من وسائل التواصل الاجتماعي ، وما يصرح به المسؤولين الامريكان ، تؤكد انها أن هنالك أمر يدبر للمنطقة برمتها ، وذلك من خلال متابعة تحركات القوات الامريكية على الأرض والبحر والجو ، حيث تواجد القوات الامريكية في سوريا وتحديداً في منطقة دير الزور والقامشلي والبوكمال ، وتعزيز القوات الأمريكية بثلاثة الاف جندي أضافى ، أضافة إلى توا جد البواخر الحربية الأمريكية في البحر الابيض المتوسط وكذلك في الخليج العربي ، وهذا التواجد القوي ، يعطينا أنطباعاً من أن امريكا مقبله على عمل عسكري ما ، أو قيام إسرائيل بدعم امريكي ، ومن خلال تواجد هذه القوات اضافة الى ما موجود من معسكرات امريكية في العراق والكويت والامارات والسعودية وقطر وسوريا ، يجعلنا نعتقد أن هذا الحشد العسكري موجه بشكل عام على اذرع ايران ومليشياتها المتواجدة في العراق وسوريا ولبنان واليمن ، وبشکل خاص موجه ضد النظام السوري وقد يكون من أجل اسقاطه .
وإذا تم ذلك ، سيشكل خطراً جسيماً على نظام الملالي في ايران ، وبقية أذرعها في المنطقة وبالأخص نظام العملاء في العراق .
والسؤال هل غيرت أمريكا موقفها من نظام الملالي في ايران ، والذي كانت تدعمه وبكل قوة ولا زالت تستغله لتنفيذ اهدافها في المنطقة ولماذا ؟
أمريكا وكما هو معروف لا يوجد لديها (صاحب صديق) أما مصالحها وامنها القومي ، فأمريكا تسعى وبكل قوة الى اضعاف كل من روسیا واوروبا من أجل تحقيق عولمتها والهيمنة على العالم ، لذلك فهي تقدم الدعم الكامل لأوكرانيا وتمده بالمال والسلاح وتجبر الدول الأوربية على دعم اوكرانيا بالمال والسلاح ايضاً ، وتعمل على اطالة أمد الحرب لتحقيق هذا الهدف ، فكل من يقف مع روسيا ، ودعم روسيا بالسلاح فستغضب امريكا عليه .
ولهذه الاسباب فأن امريكا ستعمل على الضغط على أيران ومن يتبعها من أجل تغيير منهجها اتجاه دعم روسيا ، فضلاً عن فشل المفاوضات الخاصة بالمفاعل النووي الايراني والتي وصلت الى طريق مسدود ولم تخضع أيران الى جميع الضغوطات والعقوبات وهي مستمرة بتخصيب اليورانيوم بالشكل الذي يقلق العالم كله .
امريكا اليوم تخوض صراعاً صعباً مع الصين ومحورها المتمثل بكل من روسيا وكوريا الشمالية وايران والعراق وسوريا ولبنان واليمن وبعض من دول البريكس ، وذلك من أجل تشكيل نظاماً دولياً جديداً تتمناه أن يكون أحادي القطبية ، بحيث تهمين امريكا على العالم دون منازع .
ومن أجل أن تعيد امريكا قوتها في منطقتنا وأن تمنع النفوذ الروسي والإيراني فلا بد من اتخاذ موقف معين بحيث يغير ترتيب الاوضاع في المنطقة برمتها .
ونعتقد أن العمل على تحجيم الدور الإيراني في المنطقة ابتداءً واعادة ترتيب الاوضاع في كل من سوريا والعراق ولبنان واليمن أصبح من اولويات السياسة الامريكية ، لذلك أن الاسباب الحقيقية كما نعتقد لهذا الحشد العسكري في المنطقة كما يأتي :
اولاً : لماذا سوريا ، لان في سوريا نظاماً موالياً الى ايران بشكل كامل ، وبنفس الوقت هنالك تواجد مهم لروسيا في سوريا ، القاعدة العسكرية في اللاذقية وطرطوس المطلة على البحر الابيض ، ولان سوريا تعتبر المنفذ المهم جداً لإيران للوصول الى البحر الابيض ومد حزب الله بالسلاح والمال ايضاً ، فأن عملية إسقاط النظام السوري سيمثل الخطوة الأولى والاساسية لتحجيم دور بقية الاذرع وربما ستنتهي بعد سقوط النظام السوري .
ثانياً : كما أن الوضع في العراق مرتبط ايضاً بالوضع في سوريا ، فأي تغيير في سوريا سيكون له تأثير مباشر في العراق والوضع في العراق تسيطر عليه ايران و بكل مفاصله و دور امريكا ضعيف أمام الدور الايراني وهذا لا يصرف لامريكا استمراره ، وخاصة موضوع النفط والغاز و اهميته بالنسبة للاستراتيجية الأمريكية ، فالتغيير سيكون لصالح أمريكا .
ثالثاً : نلاحظ أن أمريكا ستعتمد على داعش وبعض من العشائر العربية والكردية والمعارضة السورية ، في مواجهة النظام السوري ، وفعلاً قامت قوة من داعش يوم أمس من الهجوم على قطعات من الجيش السوري وقتلت نحو (26) جندياً سورياً .
رابعاً : امريكا مقبلة على الانتخابات الرئاسية وأن وضع الديمقراطيين ضعيف امام شعبية الجمهوريين فالقيام بعملية عسكرية ناجحة ستكون لصالح الديمقراطيين نوعاً ما .
خامساً : تؤكد بعض التقارير من وجود تقارب وتفاهم كبير بين تركيا وأمريكا ، وفتور العلاقة بين تركيا وروسيا ، وهذا يمثل عامل مهم بالعملية العسكرية المزمع القيام بها .
سادساً : موقف طالبان من حكومة الملالي في طهران سیکون له تأثير ايجابي للعملية العسكرية أن وقعت .
سابعاً : أن الوضع المأساوي في العراق وسوريا ولبنان واليمن بسبب السياسات الخاطئة لأمريكا ، مما اساء إلى سمعتها في العالم ، ما يجعل أن تقوم أمريكا بإعادة النظر بهذه السياسات الخاطئة وتصحيح الاوضاع في هذه البلدان .
ثامناً : أن تنفيذ هذه العملية لا بد أن تكون في وقت قصير ، لان تكلفتها عالية جداً ولا تستطيع أمريكا من تحمل هذا العبء المالي .
تاسعاً : علماً ان الهدف الرسمي المعلن من قبل أمريكا لقدوم هذه الحشود العسكرية هو حفظ الامن في الشرق الأوسط .
في اطار هذه المعلومات والحقائق التي ذكرناها ، والتي تؤكد لنا أن أمر ما عسكري يدبر في المنطقة وعلينا والمطلوب منا تحديد الموقف الذي يخدم قضيتنا في ظل هذه الظروف والتي هي وفي كل الاحتمالات ستكون نتائجها لصالح الامة ، فنجد من الضروري جداً العمل الجاد والمخلص من أجل وحدة الصفوف وبأسرع وقت وأن تتحد القوى الوطنية والعربية من أجل انقاذ الامه واقطارها ، وأن يكون لهذه القوى تصورات كاملة عن ما يجري من حولنا ووضع الخطط المناسبة لهذه الرحلة ، وأن يكون لهذه القوى الوطنية والقومية موقف واضح عن كل حالة تمر بها المنطقة ..