تأثير جائحة كورونا على التعليم الجامعي
بقلم : الاستاذ الدكتور عبدالرزاق الدليمي
انتشر مرض فيروس التاجي الجديد (COVID-19) ، بسرعة في جميع أنحاء العالم ، مما تسبب بحجز مليارات من الأشخاص في بيوتهم سيما بعد ما أعلنت منظمة الصحة العالمية أن وباء الفيروس التاجي ارتقى الى مستوى الجائحة. وقد اصاب الهلع والقلق المتزايد بشأن الجائحة كل القطاعات ومنها التعليم ، حيث قامت اعداد متزايدة من الجامعات في جميع أنحاء العالم بتأجيل أو إلغاء جميع الفعاليات والانشطة التي كانت تنفذ في الحرم الجامعي مثل ورش العمل والمؤتمرات والفعاليات الرياضية والأنشطة الأخرى. واتخذت الجامعات تدابير مكثفة لمنع وحماية جميع الطلاب والموظفين من الاصابة بهذا المرض شديد العدوى. واضطر أعضاء هيئة التدريس بالفعل في الانتقال من التعليم وجها لوجه إلى منصات التدريس عبر الإنترنت.
ولغرض مواجهة الجائحة أعلنت العديد من البلدان إغلاق الصالات الرياضية والمتاحف ودور السينما وحمامات السباحة والأماكن ذات التجمعات الكبيرة ، بما في ذلك المؤسسات التعليمية ، لمحاربة هذا العدو غير المرئي. أشارت الأدلة الأولية إلى احتمال أن المسنين هم الاكثر احتمالا للاصابة وأن الأطفال أقل عرضة للإصابة بالفيروس. دفعت الجهود المبذولة للحد من انتشار فيروس COVID-19 بين السكان الأصغر سنا والبالغين إلى إغلاق المدارس والكليات والجامعات والمؤسسات التعليمية الأخرى على نطاق واسع في العديد من البلدان. حتى 25 مارس 2020، أغلقت اكثر من 150 دولة المدارس والمؤسسات التعليمية على الصعيد الوطني ، مما أثر على الوضع التعليمي لأكثر من 80٪ من الطلاب في العالم. كما نفذت العديد من البلدان عمليات إغلاق المدارس على الصعيد الوطني.
التحديات
تواجه الجامعات في جميع أنحاء العالم عدد من التحديات بسبب تفشي COVID-19:نشير الى ابرزها:
اولا:التحول من التعليم وجها لوجه الى الإنترنت
بداية كان العديد من المعلمين والطلاب جميع أنحاء العالم متحمسين للانتقال إلى التسليم بالتعليم عبر الإنترنت. بدأت الجامعات بالفعل في إعداد خطط الدروس للتدريس عبر الإنترنت لطلابها سيما وان التدريس عبر الإنترنت ليس طريقة جديدة في اغلب الجامعات الجيدة حيث يحصل العديد من أعضاء هيئة التدريس على التدريب لاستخدام منصات التعلم عبر الإنترنت إما كوسيلة التدريس الوحيدة أو كإضافة للتدريس وجهًا لوجه. ومع ذلك ، هناك دائمًا احتمال ألا يتمكن بعض أعضاء هيئة التدريس غير المتمرسين بالتكنولوجيا من التأقلم و أثار هذا الانتقال في التدريس عبر الإنترنت كثير من ألاسئلة لأعضاء هيئة التدريس حول قدرتهم على التعامل مع التكنولوجيا الحالية. علاوة على ذلك فقد فرضت هذه الحالة الاستثنائية طلب كبير على أجهزة الكمبيوتر ومعدات تكنولوجيا المعلومات الآن من الآباء والأطفال والأقارب الذين يتعين عليهم العمل من المنزل. وبالتالي اصبح العمل في المنزل مهمة صعبة لأعضاء هيئة التدريس. يضاف الى ذلك ان العديد من الجامعات لا تمتلك ما يكفي من البنية التحتية أو الموارد لتسهيل التدريس عبر الإنترنت بشكل فوري ناهيك عن اعداد لا يستهان بها من الطلاب قد لا يمتلكون أجهزة الكمبيوتر المحمولة والاتصال بالإنترنت في المنزل… وهنا يطرح سؤال مهم نفسه وهو:هل من الممكن تدريس المواد العملية والمختبرية ودورات الموسيقى والفنون عبر الإنترنت؟ ماذا سيحدث لطلاب الكليات الطبية والصيدلة والهندسة الذين لا يمكن تدريس اغلب موادهم عبر الإنترنت؟ لذا تعد جودة التعليم عبر الإنترنت قضية حاسمة تحتاج إلى الاهتمام المناسب بها.
ثانيا:التقدير والتقييم
قامت العديد من الجامعات بتعليق أو تغيير آلية امتحانات نهاية الفصل الدراسي الثاني، في حين سيستمر التقييم المستمر مع الفصول عبر الإنترنت.ان الانتقال من التدريس وجهًا لوجه إلى الإنترنت له تأثير خطير على التقييمات والتقييم. على الرغم من ان استخدام التكنولوجيا كان في وقت سابق يدعم التدريس والتعلم ، إلا أن جانب التقييم غالبًا ما يكون فيه ضعيفًا. ذلك لان تطبيق التقييمات على تلك الدورات التدريبية المصممة للتعلم وجهاً لوجه مهمة لايمكن تطبيقها على التعليم عبر الانترنيت. فلا الطلاب ، ولا أعضاء هيئة التدريس ، ينجحون في إدارة المهام والمشروعات البارزة والتقييمات المستمرة الأخرى. لذلك يجب على أعضاء هيئة التدريس تغيير أنواع التقييم لتناسب وضع الاتصال بالإنترنت. كما من الصعب مراقبة كيفية التعامل مع الامتحانات عبر الإنترنت والتأكد من عدم غش الطلاب أثناءاجرائها عبر الإنترنت. مرة أخرى ، لا يمكن إجراء الاختبارات العملية واختبارات الأداء عبر الإنترنت. بالإضافة إلى ذلك ، سيعاني الطلاب الذين ليس لديهم اتصال بإلانترنت من اشكاليات واضحة أثناء المشاركة في عملية التقييم ، مما سيؤثر سلبًا على معدلات درجاتهم .
ثالثا:الطلاب الوافدين
هناك العديد من الطلاب الوافدين الذين يدرسون في الجامعات والذين لا يستطيعون السفر إلى منازلهم في هذه الظروف الحرجة. بينما تغلق الجامعات الحرم الجامعي ، لذلك من المهم الانتباة الى وجود اعداد مهمة من الطلاب ليس لديهم أي مرافق إقامة مناسبة خارج تلك الحرم الجامعي .. لقد أصبح تحديًا كبيرًا للمسؤلين في الجامعات لضمان توفير الطعام والسكن لملائم وضمان السلامة لهؤلاء الطلاب الوافدين.ونضيف الى ذلك ان هؤلاء الطلاب يحتاجون أيضًا إلى النصيحة الوقائية المناسبة لحماية أنفسهم من أي اتصال بين شخصين والعيش في عزلة ذاتية حتى يصبح الوضع طبيعيًا. كما قد يؤدي تمديد الإقامة بسبب تأجيل الامتحانات إلى مشكلة مالية. كما ان الطلاب الذين ينجحون في العودة إلى منازلهم سيقلقون من أن دراستهم ستُقطع.
اما في المنزل ، فقد لا يتوفر لدى العديد من الطلاب الامكانات مثل الكتب وأجهزة الكمبيوتر واتصال إنترنت عالي السرعة، قد يؤثر الاختلال الناجم عن COVID-19 على استمرار قبول الطلاب الدوليين للسنوات القادمة .
رابعا:القيود المفروضة على السفر
خلقت جائحة COVID-19 فوضى عالمية لشركات الطيران. حيث اغلقت الدول في جميع أنحاء العالم الحدود الدولية للتخفيف من تفشي المرض.لذلك نصحت إدارات الجامعة تدريسيها بتأجيل سفراتهم ، حتى العودة إلى الحياة الطبيعية ، والمشاركة في أي نشاط يتطلب منهم السفر إلى الخارج من الواضح أن العديد من المدرسين دفعوا بالفعل رسوم تسجيل المؤتمرات وتذاكر الطيران منهم او من أموال جامعية أخرى.وهذا ما أدى إلى حالة من الارتباك بين التدريسين أثناء تعاملهم مع مثل هذه الحالات. لقد طلبت الجامعات في جميع أنحاء العالم من الطلاب الدوليين عدم السفر إلى الخارج ومواصلة دراساتهم في المجمعات السكنية للطلبة الوافدين. لتجنيب أنفسهم خطر الإصابة.
خامسا:الصحة النفسية
أدى تفشي COVID-19 إلى تعطيل حياة اعداد هائلة من الناس في جميع أنحاء العالم. حيث خلقت الزيادة السريعة من الحالات المصابة في جميع أنحاء العالم شعورا بالاحباط وعدم اليقين والقلق بشأن ما سيحدث لاحقا. وايضا مستوى هائل من الضغط بين طلاب الجامعات ، وقد يؤدي هذا الضغط إلى آثار غير مرغوبة على التعلم والصحة النفسية للطلاب. سيما الطلاب الأجانب الذين يبقون بعيدًا عن منازلهم الذين يزداد قلقهم على صحتهم وسلامتهم وتعليمهم والمخاوف بشأن اوضاع أسرهم. كما يشعر الطلاب الذين تمكنوا من العودة إلى منازلهم بالقلق من عدم قدرتهم على العودة إلى جامعاتهم لاكمال دراستهم.
وهنا لابد من ان نطرح عدد من الأسئلة: هل ستتخذ الجامعات تدابير استباقية لدعم الصحة العقلية ومراعاة الجوانب النفسية للطلاب؟وهل لدى الجامعات مستشارين مدربين علميا ومهنيًا يمكنهم فهم طبيعة الاوضاع النفسية لهؤلاء الطلاب؟
ويسود اعتقاد لدى كثير من المعنيين بالتعليم من ان لوباء COVID-19 تأثير خطير على خريجي الجامعات لهذا العام. كونهم عانوا من انقطاعات كبيرة في التدريس والتقييم في الجزء الأخير من دراستهم، مع احتمال أن يتخرجوا متأخرين بسبب الاشكاليات في الامتحان النهائي. علاوة على ذلك ، سيواجه الخريجون التحديات الشديدة في عدم وجود فرص للتعيين نتيجة للركود العالمي الناجم عن أزمة COVID-19.
خطوات مطلوبة من الجامعات
اولا:يجب على الجامعات إنشاء فريق عمل للتخطيط والتعامل مع الأزمة لمواجهة تداعيات COVID-19. ويجب أن تضم فرقة العمل أعضاء من مختلف الاختصاصات و المجالات داخل الجامعة مثل الأكاديميين ، والموارد البشرية ، وإدارة المرافق ، والوحدات الصحية ، وشؤون الطلاب ، وخدمات التسجيل ، والأعضاء الآخرين ذوي الصلة. كما ينبغي أن تجتمع فرقة العمل بشكل دوري مع مختلف اللجان الفرعية المشكلة لمنع او الحد من تفشي المرض وان تبادر الى اتخاذ القرارات المستنيرة التي تتماشى مع تطور الوضع.
ثانيا:نظرًا لاستمرار حالات الاصابة ب COVID-19 في جميع أنحاء العالم ، ربما يجب على الجامعات إلغاء أو تأجيل جميع الأحداث والرياضات وورش العمل والمؤتمرات والأنشطة الأخرى لفترة غير محددة من الوقت. كما يجب عليهم تجنب أو إعادة جدولة الاجتماعات التي تنطوي على أعداد كبيرة من الموظفين أو الطلاب ما لم يكن ذلك مبررا. ويمكن الاستعاضة عن الاجتماعات الفعلية ، بمحاولة إجراء اجتماعات Zoom.
ثالثا:يبدو ان الوقت مناسب لأعضاء هيئة التدريس والطلاب والإداريين للتعلم من هذا الموقف الحرج والتغلب على هذه التحديات. ويجب استثمار التعلم عبر الإنترنت باعتباره فرصة أكبر لمواجهة هذه الأزمة مقرين حقيقة كون الطلاب شباب وحيويون ، وهم قادرون على التعلم عبر الإنترنت. كما يمكن للكلية تحفيز العقول الشابة وجذبهم إلى المشاركة النشطة في عمليات التعليم . ويجب على ادارة الجامعة تشجيع الطلاب وأعضاء هيئة التدريس على ادامة عمليات الاتصال من خلال الإنترنت أو أي منصة لوسائل التواصل الاجتماعي والمضي قدمًا معًا خلال هذه الفترة العصيبة للغاية. كما يجب على الجامعات تشجيع الطلاب على التعليم وتنظيم الدورات والخدمات الأخرى بالتنسيق عبر الإنترنت لدعم استمرارية الانشطة الأكاديمية … ويجب تنظيم برنامج التدريب بأسرع ما يمكن لأعضاء هيئة التدريس للتعامل مع منصة التعلم عبر الإنترنت.
ان المرحلة القريبة القادمة ستكون بمثابة تجربة لقوة هذه الجامعات في جميع أنحاء العالم لتحديث بنيتها التحتية التقنية وجعل الإنترنت جانبًا أساسيًا للتعليم والتعلم.
Abedd2005@gmail.com