عندما يكون الوطن اغلى من الابن
بقلم: سارية العمري
يحكى في الموروث العربي القديم وتحديدا في زمن الرجال الاشداء الذين يصبح الوطن عندهم اغلى من كل شيء في الحياة ، ان احد الملوك الاباطرة اراد ان يحتل احدى المدن فارسل جيشه بامرة احد قادته البارزين والمشهود لهم في ادارة المعارك ، وعندما بدأ هذا القائد العسكري الزحف الى المدينة ووصل عند اطراف المدينة ، اراد ان يبدأ باول عمل له قبيل خوض المعركة ، أن أرسل عيونه تستقصي اخبار واحوال وطبيعة اهل المدينة .
وعندما شرع رجاله في بالبحث والاستقصاء ، وقعت عيونهم على شيخاً كبيراً يجمع الحطب برفقة فتى صغير يساعد ذلك الشيخ في جمع الخشب ويقدم له العناية والمساعدة والاهتمام بشكل فريد ، وحين وصلوا اليه وجهوا لذلك الشيخ الكبير بعض الاسئلة التي تتعلق بالمدينة ، فقال كبيرهم للشيخ ، هل انت من هذه المدينة ؟ اجابه نعم … ثم قال له حدثنا ايها الشيخ عن احوال مدينتك وعدد افراد جيشها والمنافذ التي يدخل اليها ؟!! ، فاجابهم بشيء من الحكمة ، هل تريدون دخول هذه المدينة ؟ ، قالوا له نعم ، فرد عليهم وما ثمن المعلومات التي ساطلعكم عليها ،
فقالو لهم ، اطلب ماشئت ، فنظر اليهم الشيخ الكبير ، والتفت الى الفتى الذي يرافقه ، فقال لهم سأخبركم بكل ماتريده مني ، مقابل ان تقتلوا هذا الشاب قبل أن أبوح لكم بشيء عن مدينتي .!!!! فتعجبوا من طلبه ، وسالوه لماذا تريدنا أن نقتل هذا الصبي الذي يرافقك ، فأجابهم … لكي لايكون شاهداً على ما سأقوله لكم …
فقالوا: لك ذلك .. فأخذ أحدهم السيف وقطع عنق الصبي فسال الدم ليملىء الأرض ويشربه ترابها والشيخ العجوز ينظر الى الارض وهي تشرب دماء ذلك الفتى .
فقال لهم : أتعلمون من هذا الصبي الذي جعلتكم تقتلوه ..!!
قالوا … انت أعلم منا به .!
قال لهم : هذا ولدي وفلذة كبدي… لقد خشيت أن تقتلوني أمامه فتنتزعون منه ماتشاؤن من القول ، ففضلت على نفسي أن يقتل امام عيوني ، على أن لاينطق بحرفاً واحداً يساعدكم في غزو بلدي ..
نظر الجنود الى ذلك الشيخ الذي اخذ يحتضن جثة ولده .. وعادوا أدراجهم وقصوا على قائد الجيش مارأوه امامهم من ذلك المنظر البهي وهم في غاية من الاندهاش ، ولما سمع القائد قصة ذلك الشيخ الذي ضحى بولده ، أمر جيشه بالتوقف لحين ذهابه الى الملك .
وحين وصل قائد الجيش الى مجلس الملك وقص عليه ماسمعه من عيونه التي ارسلها لجمع المعلومات عن المدينة ، نهض الملك من كرسيه وطلب من قائد الجيش الانسحاب من مشارف المدينة وان يعيد الجيش باكمله بعجالة ، قائلاً جملته المشهودة … ” أعيدوا الجيش وأنسحبوا من هناك ، فبلدة يضحي بها الآباء بالأبناء لأجلها لن نستطيع غزوها وأن غزوناها فلن ننتصر ” .
لقد اعاد بنا هذا الموقف ونحن في ذكرى احتلال العراق عام 2003 ، كيف تآمر من يدعون انهم ابناء العراق وساعدوا المحتل على احتلال الوطن .
سألوا هتلر قبل وفاته … من أحقر الناس الذين قابلتهم في حياتك؟
قال : الذين ساعدوني على احتلال أوطانهم ..
فسحقاً لمن باع وطنه مقابل مال لن يبقى ، ومنصب لن يدوم الا لعنة الله على كل من خان العراق وتآمر عليه الى يوم الدين …