في خطوة جديدة نحو تحجيم النفوذ الإيراني في “العراق”، دفع مشروع قانون أميركي لمعاقبة التنظيمات الإرهابية المهددة لأمن “العراق”، مجددًا، بالميليشيات الشيعية إلى واجهة الصراع الدائر على الساحة العراقية بين “طهران” و”واشنطن”، التي لا ترى في تلك الفصائل المسلحة والمعبأة طائفيًا سوى أذرع عسكرية لـ”إيران” لبسط سيطرتها الميدانية وتوطيد هيمنتها على المشهد الأمني، وأيضًا السياسي في “العراق”.
المصدر: كتابات
“مجلس النواب الأميركي” صادق على مشروع قانون يطالب فيه إدارة الرئيس، “دونالد ترامب”، بفرض عقوبات على “إيران” وجميع التنظيمات الإرهابية التي تهدد أمن “العراق” واستقراره.
ونص المشروع على ضرورة أن يقوم الرئيس الأميركي بتحديد الأفراد والمجموعات في “العراق”، التي يجب إدراجها على لائحة التنظيمات الإرهابية وفرض عقوبات عليها، وأيضًا تقديم تقرير للكونغرس يفصل فيه هذه المجموعات.
كما يفرض على “وزارة الخارجية الأميركية”، إنشاء لائحة تتضمن التنظيمات المسلحة التي تتلقى الدعم من “الحرس الثوري” الإيراني.
يستهدف “عصائب أهل الحق” و”النجباء”..
وفي حال إقرار القانون؛ سيستهدف بشكل مباشر كلاً من ميليشيا (عصائب أهل الحق)، وحركة (حزب الله النجباء)، الممولتين من “الحرس الثوري” الإيراني، ويضعهما تحت طائلة العقوبات التي تشمل تجميد أموال وموارد ومنع منح تأشيرات الدخول لمن ينتمي إليهما.
وينتمي الفصيلان المسلحان الشيعيان إلى “الحشد الشعبي”، الذي أضفت عليه الدولة العراقية مشروعية بأن جعلته، بشكل رسمي، جزءًا من مؤسستها الأمنية، في إجراء يوصف بالشكلي نظرًا لعدم إمكانية خضوع الميليشيات لغير إمرة قادتها المرتبطين بـ”إيران”؛ مثل “قيس الخزعلي”، الذي يقود (عصائب أهل الحقّ).
حرج إضافي للحكومة العراقية..
ومن هذه الزاوية؛ سيشكّل خضوع فصائل من الحشد لعقوبات أميركية، حرجًا إضافيًا للحكومة العراقية، في هذه الفترة بالذات، حيث تحاول “بغداد” التعامل مع العقوبات الشديدة المفروضة من “واشنطن” على “طهران”، بشكل لا يلحق أضرارًا بـ”العراق”، المرتبط بمصالح اقتصادية مع “إيران”، ولا يغضب في نفس الوقت إدارة الرئيس، “دونالد ترامب”، الصارمة في مطالبتها جميع الدول بتنفيذ تلك العقوبات.
ورعت “إيران” تشكيل أغلب الفصائل الشيعية المسلحة في “العراق” وزودتها بالمال والسلاح. وعند غزو تنظيم (داعش) لما يقارب ثلث مساحة البلد، في سنة 2014، سنحت الفرصة لتعظيم دور تلك الفصائل ومضاعفة قوتها وجمعها في هيكل موحد عرف بـ”الحشد الشعبي”، الذي تحول إلى جيش رديف قام بدور كبير في مواجهة (داعش)، وفي طرده من المناطق التي أحتلها.
تحول لقوة سيطرة إيرانية..
غير أن هذا “الجيش الموازي” تحول أيضًا إلى قوة سيطرة ميدانية إيرانية على مناطق عراقية ذات أهمية في تحقيق هدف إستراتيجي لـ”إيران”، يتمثّل في فتح محور يصل “إيران” بضفة البحر الأبيض المتوسط عبر الأراضي العراقية والسورية واللبنانية.
وتبذل “الولايات المتحدة” جهودًا لقطع هذا الخط من خلال تأمين وجود عسكري محدود لها بالشرق السوري ودعم قوات كُردية موالية لها هناك، وعدم السماح للميليشيات الشيعية بالإقتراب من المناطق الحدودية.
مطالب بدور رسمي للحشد في تأمين الحدود العراقية السورية..
وكان “قيس الخزعلي”، قائد ميليشيا (عصائب أهل الحق)، المشمول بالعقوبات المشار إليها في مشروع القانون الأميركي الجديد، قد طالب بدور رسمي لقوات “الحشد الشعبي” في تأمين الحدود العراقية مع “سوريا”، وقال في أحدث مقابلة له مع وكالة (رويترز) إن: “هذا يعتبر أولوية الآن قياسًا بالمسائل الأخرى”.
رفض عشائري..
وهو ما رفضته العشائر العربية المنتشرة في غرب وشمال غرب العراق، على لسان المتحدث باسم العشائر العربية، “مزاحم الحويت”، مشيرًا إلى أنه أبلغ قوات التحالف، بقيادة “الولايات المتحدة الأميركية” بخطورة ذلك.
وأضاف المتحدث باسم العشار العربية، “الحويت”، أن أهداف زعيم العصائب معروفة بالنسبة لنا، موضحًا أن هناك اتفاقيات بين الميليشيات السورية ونظيرتها العراقية على فتح نقاط جمركية تكون تابعة إلى “الحشد الشعبي”.
وذكر أن تلك الميليشيات كانت تتلقى رواتبها وأموالها من “إيران”، لكن وبسبب فرض “العقوبات الأميركية” على “إيران”، تم خفض رواتب الميليشيات وأصبح التمويل ذاتيًا.
يُذكر أن ميليشيات “الحشد الشعبي”، إلى جانب تمويلها من “إيران”، كانت تغذي نشاطاتها من خلال فرض إتاوات على مرور الشاحنات في بعض الطرق، إضافة إلى سيطرتهم على صالات القمار والحانات في “بغداد”.
كما أشار “الحويت” إلى أن هناك عمليات سلب ونهب واعتقالات تجري بحق المدنيين، مبينًا أن إطلاق سراحهم يكون مقابل مبالغ مالية تتراوح بين 10 آلاف إلى 50 ألف دولار.
وأكد “الحويت” رفضه القاطع لتصريحات “الخزعلي”؛ المطالبة بنشر ميليشياته الإجرامية على الشريط الحدودي، والتي إرتكبت أبشع الجرائم بحق العرب السُنة في المحافظات السُنية، ومنها المناطق المتنازع عليها.
وشدد على أن جرائم تلك الميليشيات في “سوريا” هي ذاتها في “العراق”، وأن الجميع يرفض انتشار الميليشيات على الشريط الحدودي.
انتقاد أميركي لإيران..
وجددت، أمس، الإدارة الأميركية انتقاد سياسات “إيران” في المنطقة عبر تمويل حلفائها، مؤكدةً أن “التقارير تفيد بقيام طهران بتزويد الميليشيات الشيعية في العراق بالصواريخ (الباليستية)”.
وقال الممثل الأميركي الخاص لشؤون إيران، “براين هوك”، في مؤتمر صحافي، أن: “التهديدات الإيرانية في تزايد، وإذا لم يقم المجتمع الدولي بعمل جاد فإن خطر التصعيد يهدد المنطقة”.
وأضاف: “في العراق، تشير التقارير الموثوقة إلى أن إيران ترسل الصواريخ (الباليستية) إلى الميليشيات الشيعية، في حين أن هذه الميليشيات إرتكبت في أيلول/سبتمبر أعمال عنف ضد المقرات الدبلوماسية الأميركية في بغداد والبصرة”.
وبدأت “الولايات المتحدة”، في 5 تشرين ثان/نوفمبر الجاري، تطبيق حزمة ثانية من عقوباتها الاقتصادية على “طهران”، وتشمل قطاعات الطاقة والتمويل والنقل البحري، إلا أن العقوبات إستثنت بشكل مؤقت ثماني دول.
وبدأت “واشنطن” تطبيق الحزمة الأولى، في 6 آب/أغسطس الماضي، أي بعد ثلاثة أشهر من إعلان الرئيس الأميركي، “دونالد ترمب”، انسحاب بلاده من “الاتفاق النووي” متعدد الأطراف مع “إيران”.
تقوم بمهمات شاملة..
ويُعد القرار الأميركي، ضد الميليشيات العراقية، إنتكاسة جديدة للمخططات الإيرانية للتلاعب على “العقوبات الأميركية”، حيث كشفت العديد من التقارير عن أساليب وطرق “إيران” للتلاعب والإفلات من العقوبات، ففي تقرير للباحث، “فراس إلياس”، عن “مركز العراق الجديد” أكد أن “إيران” تدرك القيمة الإستراتيجية العليا للأذرع المسلحة فى منطقة الشرق الأوسط، ويخطيء من يظن أن وجود هذه الأذرع هو من أجل تغطية الشواغل الأمنية لـ”إيران” في المناطق التي لا تستطيع التواجد فيها بشكل مباشر، بل إن الغاية الأساسية لوجودها هي القيام بمهمات شاملة، بحسب الرؤية التي يمثلها صانع القرار السياسي في “إيران”.
فكان وجود هذه الأذرع المسلحة – والتي منها ميليشيا “الحوثى”، بـ”اليمن”، و”حزب الله”، في “لبنان”، و”الزينبيون”، في “باكستان” وغيرها – هو بمثابة اليد الطولى لـ”إيران”، للوصول إلى مناطق التأثير الجيوسياسي المؤثر بالأمن القومي الإيراني، فكما مثلت هذه الأذرع بمختلف تلوناتها الإيديولوجية والمذهبية والطائفية متنفسًا للأزمات الأمنية الإيرانية، فهي تمثل اليوم الحصان الذي يمكن أن تمتطيه “إيران” لتجاوز تحدي “العقوبات الأميركية” عليها.
بعد دخول الحزمة الثانية من “العقوبات الأميركية” حيز التنفيذ، في يوم 4 تشرين ثان/نوفمبر 2018، تتطلع “إيران” لقيام هذه الأذرع بالمهام المرجوة منها، للتخفيف من حدة هذه العقوبات عليها، إذ تتراوح الوظائف التي يمكن أن تقوم بها هذه الأذرع بأربعة مستويات إستراتيجية هي :
الأولى: تسخير المقومات الاقتصادية الأساسية في البلدان التي تتواجد فيها، وذلك من خلال تنشيط عمليات تهريب العملة الصعبة والمواد الغذائية إلى الداخل الإيراني، إلى جانب تنشيط عمليات التهريب من الداخل الإيراني إلى الخارج، وهنا تبرز الميليشيات المسلحة في “العراق” كمثال على ذلك، والتي تسيطر على الكثير من المصادر الاقتصادية في “العراق”، وتحديدًا في مناطق الجنوب العراقي، فضلًا عن تأثيرها على وزارات بعينها، تمثل قيمة كبيرة لصانع القرار الإيراني، والتي يأتي على رأسها “وزارة النقل والمواصلات”، هذا بالإضافة إلى تحكمها بعملية دخول البضائع إلى الأسواق العراقية، وذلك من خلال العلاقات الجيدة التي تربطها مع تجار الجملة، بحيث جعلت الأسواق والمتاجر العراقية غارقة بالبضائع الإيرانية، لتأتي عملية نفوق مئات الأطنان من الثروة السمكية في “العراق”، والتي جاءت مترافقة مع دخول “العقوبات الأميركية” على “إيران”، لتضيف مدخلًا آخر لتوريد البضائع الإيرانية إلى الداخل العراقي.
الثانية: عرقلة جهود الدول الأخرى لسد الفراغ الذي ستخلفه العقوبات الأميركية على قطاع الطاقة الإيراني، وذلك من خلال استهداف طرق إمدادات الطاقة والشحن البحري، ويبرز “الحوثيون” هنا كمثال على ذلك، إذ نجح “الحوثيون” في القيام بهذه الوظيفة خلال الفترة الماضية، خصوصًا في إطار استهداف طرق شحن الطاقة عبر “البحر الأحمر” و”خليج عدن”، هذا إلى جانب تنسيق الجهود مع حركة “الشباب المجاهدين” الصومالية لتحقيق أغراضها الإستراتيجية في النفاذ من كماشة “العقوبات الأميركية”، حيث صدرت العديد من التقارير الأممية الخاصة بفرض عقوبات على الحركة، منذ العام ٢٠١٢، والتي أشارت بمجملها بأن “إيران” تستغل الحركة في أنشطتها الإرهابية، التي تضر بأمن “البحر الأحمر”، ومن هذه الأنشطة قيام “إيران” بتوظيف الحركة في تهديد الملاحة البحرية الدولية بصورة عامة، والأميركية بصورة خاصة، من أجل إجبار “الولايات المتحدة الأميركية” على نقل جزء من أسطولها البحري المرابط في “مضيق هرمز” إلى هناك، لإعطاء هامش بسيط للقيام بعمليات تهريب الطاقة عبر المضيق، بعيدًا عن المراقبة الأميركية.
الثالثة: إنتاج فوضى أمنية – إقليمية قد تصل إلى حرب في المنطقة، وذلك من خلال إفتعال الأزمات التي قد تجبر “الولايات المتحدة الأميركية” على الإنشغال بها، وتخفيف الضغط عليها، ويبرز هنا “حزب الله” اللبناني كمثال على ذلك، إذ استطاع الحزب وعبر مراحل عديدة إلى القيام بدور مهم في التنفيس عن الضغوط المفروضة على “إيران”، وهو ما تدركه “إسرائيل” بالمقابل، حيث إن الهدوء النسبي الحاصل على الساحة السورية، بفعل الترتيبات التي أفرزت عنها التسويات السياسية الأخيرة، برعاية الروس والأتراك و”فرنسا وألمانيا”، إلى جانب تعثُر جهود تشكيل حكومة جديدة في “لبنان”، تجعل البيئة السياسية في “لبنان” مهيئة لحرب مباشرة، قد يقوم بها الحزب في المستقبل القريب، خصوصًا إذا ما أفرزت العقوبات عن تداعيات خطيرة في الداخل الإيراني.
الرابعة: أدوار وظيفية داخلية، وذلك من خلال تهيئة أرضية “اجتماعية-اقتصادية” للتنفيس عن الأزمة الإيرنية الحالية، ويبرز دور ميليشيات “زينبيون” في “باكستان”؛ و”فاطميون” في “أفغانستان” في هذا المجال، إذ تدرك “إيران” أهمية هاتين الميليشيتين في تسهيل عمليات تهريب المخدرات وجمع التبرعات وتهريب العملية الصعبة، وتسخير الأقليات “الشيعية” هناك في عملية التعبئة الاقتصادية في توريد البضائع المهربة عبر المناطق الحدودية القريبة.
إمبراطوريات اقتصادية عملاقة..
“إيران” تمكنت، وخلال الفترة الماضية، من جعل هذه الأذرع وغيرها إمبراطوريات اقتصادية عملاقة في داخل الدول التي تتواجد فيها، بحيث يمكن أن تسد الحاجة الإيرانية من العملة الصعبة خلال الفترة المقبلة، فضلاً عن نجاح “الحرس الثوري” الإيراني في القيام بعمليات غسل الأموال في العديد من هذه الدول التي تتواجد فيها أذرعًا مسلحة موالية لـ”إيران”، وهو ما يزيد من فرص رهان “إيران” عليها في المرحلة المقبلة.
إذ نجح “الحرس الثوري” الإيراني، وعبر “فيلق القدس”، الذي يقوده “قاسم سليماني”، من نسج علاقات اقتصادية مع هذه الأذرع، بحيث تكون حامية للمصالح الاقتصادية الإيرانية في البلدان التي تتواجد فيها، فعلى سبيل المثال تمتلك “مؤسسة خاتم الأنبياء”، التابعة لـ”الحرس الثوري” الإيراني العديد من الفروع في داخل “العراق ولبنان واليمن وباكستان وأفغانستان”، والعديد من الدول الإفريقية، من خلال إنشاء العديد من الأوقاف والشركات المساهمة، والتي يقودها عناصر أمنية مرتبطة بـ”فيلق القدس”.
كما يمتلك “الحرس الثوري” الإيراني، وبمساعدة الأذرع المرتبطة به، العديد من الشركات الاقتصادية الكبرى، مثل “شركة الكوثر، وشركة مبنا، وشركة تك إيستا جنوب، وشركة أيمن سازان”، والتي تعتبر من أبرز شركات المقاولات الإيرانية في “العراق ولبنان وسوريا”، والتي تديرها الأذرع الإيرانية المسلحة هناك.
حسمت الأمور لصالحها..
ويرى المحلل السياسي العراقي، “فاروق يوسف”، أن “إيران” قد حسمت الأمور لصالحها بشكل كامل في “العراق” من غير أن تدفع بالتيار الموالي لها إلى موقع الصدام الذي سيحتله آخرون.. هم ليسوا أقل ولاءً لها غير أنهم لا يرفعون شعاراتها علنًا؛ بالرغم من أنهم لا يملكون الإرادة ولا القدرة على الوقوف ضد تمددها وهيمنتها على القرار السياسي في مرحلة قد تؤدي بـ”العراق” إلى أن يكون ساحة حرب تجريبية بينها وبين “الولايات المتحدة”، التي يبدو انسحابها من الساحة العراقية، كما لو أنه جزء من مشروع العقوبات.
ويعتقد “يوسف” أن: “ما حدث في العراق على المستوى السياسي لا يمكن حصره في هزيمة ما سمى بمشروع الإصلاح ومحاربة الفساد المستشري في بنية الدولة، بل يتجاوز ذلك إلى رسم صورة كالحة لمستقبل العراق، حيث يتحتم على الحكومة العراقية، بسبب ضعفها، أن تعود في كل قراراتها، الداخلية والخارجية إلى، قاسم سليماني، باعتباره مرجعًا، يحفظ لها بقاءها في خضم ما يمكن أن يشهده الوضع الداخلي من تدهور جراء التراجع عن مشروع الإصلاح”.
مضيفًا: “فسليماني هو الذي سيدير دولة الحشد الشعبي، التي لن تكون في المرحلة المقبلة دولة ظل بقدر ما ستكون دولة حماية تطوي هيمنتها على الشارع كل أحلام العراقيين بالتغيير والانتقال إلى دولة مدنية”.