إلى أختي ابنة الراحل المهندس
عماد العبادي
لا أتمالك نفسي حين استمع إلى المكلومات الفاقدات، تختفي الاعتبارات بشكل مفاجئ، وأشعر أني أتحد في روح المرأة الفاقدة وهي تندب فقيدها الرجل، أخاً، أباً، زوجاً، ابناً، مهما كانت علاقتي وموقفي من فقيدها أو منها. غالباً أتحاشى تلك المشاهد، ولا أسمع أصوات النساء الباكيات عموماً وإن كنّ مُتباكيات، لكنّي استمعت إلى صوت تلك الإبنة، كما استمعت إلى أصوات وبكاء قريناتها سابقاً.. كنت استمع الى الصوت فقط ولم اشأ مشاهدة وجه الإبنة، وعشت ما تشعر به حتى قالت إن “بابا أسس جيوشاً وعقيدة..”.
أسس الوالد جيوشاً عقائدية بالفعل أختاه، وقد مارست جيوش الوالد عقائديتها على أجساد إخواننا، ليس منذ 1 تشرين .. بل قبل ذلك بكثير.
أسس الوالد أيضاً جيوشاً إعلامية تولت شتم شهدائنا العراقيين الوطنيين وتكفيرهم وتشويههم رغم موتهم وضعفهم.
كان الوالد ولي نعمة الآلاف من زملائنا الإعلاميين، الذين لم يجدوا مانعاً أخلاقياً من الوشاية بنا والتحريض علينا والتجسس لاكتشاف مواقعنا وتسليمها إلى “الجيوش العقائدية” التي أسسها الوالد.
هل تعرفين يا أختي فاهم الطائي؟
كان شاباً يشبهنا ويشبهك، قتله جيش عقائدي بمسدس كاتم
هل تعرفين علاء مشذوب؟ قتله عنصر في جيش عقائدي
هل تعرفين صفاء؟ قتله جيش عقائدي، ثم شن الإعلام العقائدي حملة لتشويه صورته رغم موته.
هل تعرفين عمر؟ قتله الجيش العقائدي
هل تعرفين ميثم؟ اختطفه الجيش العقائدي، وحين أفرج عنه لم ينطق بكلمة حتى الآن.. منذ شهرين.
هل تعرفين صبا؟ صبا من عمرك، وتشبهك وخلوقة ومحتشمة مثلك، اختطفها الجيش العقائدي.. وحين أفرج عنها صمتت إلى الأبد، هل تعرفين لماذا يصمت الأشخاص الذين يخرجون أحياء من معتقلات الجيوش العقائدية؟.
هل تعرفين 500 عراقي؟ قتلهم الجيش العقائدي، كان لكل منهم أم او أخت أو ابنة أو زوجة.
قتلتهم الجيوش العقائدية المسلحة، ثم استلمتهم الجيوش العقائدية الإعلامية التي يقبض عناصرها من أموال العراق.
هل تعرفين مَن سيطر على أموال العراق؟
هل تعرفين مَن كان يدير نقل الأموال العراقية من ميزانية الحشد إلى تمويل الجيش العقائدي المسؤول عن ملاحقتنا ثم قتلنا ثم التمثيل بجثثنا؟
أنا آسف، ومُتألم بصدق لمقتل والدك، ليس لأنه جمال جعفر، بل لأنه والدك، ولأنه قتل خارج القانون كما تفعل الجيوش العقائدية التي نقاومها، مشاعري صادقة لأني لا أقبض من الجيوش العقائدية التي تتظاهر بالحزن على الحاج وتنفذ وصلات الردح كجزء من مهام العناصر العقائدية.
أكتب لك بصدق، أزعم أنه منقطع النظير، وأنا امتلئ بالأسف لأني أعرّفك بنا في مثل هذه المناسبة.
نحن الضحايا الذين لم يحضر في جنائزنا زعماء الفصائل المسلحة ولا رؤساء الوزراء ولا الوزراء، نحن البشر الذين نشبه في انسانيتنا الحاج، لكننا تعرضنا للقتل والتعذيب والاختطاف والتنكيل بصمت، بعد وقبل 1 تشرين على يد الجيوش العقائدية.
نحن اخوة شهداء تشرين، الذين لم يؤسسوا جيوشاً عقائدية، هم فقط أسسونا نحن، ونحن وعدناهم حين بكيناهم كما بكيتي الوالد، أن نمضي على آثارهم، وأن نبذل أعمارنا من أجل حياة أفضل، لا مزيداً من المقاتل.
نعدك يا أختي العراقية التي لا نعرف اسمها، أننا سنواصل مسيرتنا من أجل أن يكون مقتل والدك الحاج هو آخر المقاتل في عائلتك، وخاتمة الأحزان.
نحن هنا من أجل إيقاف حروب الوكالة، وإيقاف تأسيس الجيوش العقائدية، من أجل قذف الحروب بعيداً، من أجل حماية ابنك او ابنتك، نريد أن يحيا حفيد الحاج المهندس كريماً في دولة عراقية كريمة، يتلقى التعليم، ويلهو ويلعب، ولا ينتظر الكرت السبز، ولا تشغله عن التقدم في حياته “المعارك الأبدية”.
نحن تشرين، باسم شهدائنا، ومن أجلك ومن أجل جميع العراقيين الأحياء.. دفعنا 500 عراقي خلال شهرين فقط، سقطوا برصاص الجيوش العقائدية، وسنستمر من أجل الانتهاء من هذه الجيوش العقائدية.. ولتكون حياتك أجمل..
عماد العبادي